الجزء الثاني من تأثير الإعلام في السلوك والعنف

             المواقف التي تسود ثقافتنا


      إذا ما ارتدت فتاة لباساً مغرياً فإنها فقدت الحق أن تقول لا. فإذا ما قالت لا، فإنها في الواقع تعني نعم. من أين يأتي الناس بهذه المواقف؟ إن الصور التي تروج لها وسائل الإعلام تعطى النساء رسائل مزدوج: كوني مغرية، وكوني مخادعة وكوني حرة، ولا تشتكي إذا اعتقد الناس أنك المسؤولة، وغالباً تتقبل النساء الضحايا اللوم في تحولهن إلى ضحايا بالتصريح بالقول"...كان يحب ألا أكون هناك" أو "كان يجب ألا أرتدي ذلك اللباس" أو "كان يجب ألا أتوقع أنه لن يكتفي بقبلة". إن أجيالاً من النساء وُجّهوا للتصرف على أنهن مجرد موضوعات جنس وأن يقمن بدور الشيء الجنسي، وإذا ما تجاوز أحدهم الخط فإنما سلوك المرأة هو الذي تسبب في ذلك (Jhally 1990) ويقوم الإعلام الإلكتروني وبخاصة الفيديو والأقلام بالتأكيد على هذه النقطة.
إن الرسائل الثقافية لا تمثل غالبية الشعب-وليس حتى قريباً من ذلك! إن ما تعكسه هذه القيم هو قيم تلفاز المسلسلات اليومية (تسمى مسلسلات الصابون-Soap Opera) والإعلام الإلكتروني (وبخاصة قنوات الأغاني MTV). وليس للأطفال اليوم حماية من معرفة أي شيء، إنهم يشاهدون الجنس الجماعي، والعادة السرية، وقضايا الإجهاض، والسادية والشذوذ الجنسي في سن مبكرة وأكثر صغراً. ويقرر برنامج وثائقي حديث عن السلوك وبخاصة السلوك الشيطاني أن معظم أطفال المدارس الابتدائية يعرفون مثلاً أن علامة الشيطان هي 666(Passport Magazine Productions, 1987) ومن أين تأتي هذه الصور؟ يقول كثير من الأطفال أنهم يرونها في التلفاز أو في الفيديو أو الأفلام.

       ويقترح بحث قام به ماكوماك (McCormack) عام 1987 حول تمثيل الرجولة Machismo في الإعلام أن هناك خطين للدراسة أحدهما يغض الطرف عن أن أفلام الجنس إنما هي متعة بريئة وليس لها عواقب اجتماعية خطيرة، ويرى الآخر أن عنف الإعلام هو الذي يقود إلى تصرفات وحشية لا معنى لها. ومع ذلك فإنهما يتوحدان عند مناقشة الرجولة Machismo المتغير. ويشير ماشيمو إلى موقف الاعتزاز الذكوري وهي شكل من النرجسية التي ترى استخدام الجنس وسوء استخدام النساء وفي حدها الأقصى عبارة عن بعد من الإشباع الجنسي أو أداة للأهداف الجنسية
رسالة ثقافية: ما الذي نتعلمه؟
      إن فرضية الزراعة (Gerbner and Gross 1976) تقدم خلفية لكثير من العمل على تأثير التلفاز على الخوف من الجريمة. ويقترح كل جاربنر وقروس أن "التلفاز هو الذراع المركزي للمجتمع الأمريكي وهو وكيل للنظام القائم فيقوم أساساً بالمحافظة على النظام القائم واستمراره لا لتهديده أو أضعاف المفاهيم المتعارف عليها والمعتقدات والسلوكيات.... إن مهمته باختصار هو بناء الثقافة (ص.175) وبالنسبة للخوف من الجريمة يقترح قيربنر وقروس أن الخوف وزيادة المخاطر المتلقاة يمكن أن تثقف وتقود إلى زيادة الالتزام والاعتماد على السلطة القائمة (ص.194) Heath and Gilbert, 1996, p. 1)
       وتابع لونارد إيرون Leonard Eron من جامعة إلينوي ثمانمائة طفل في الصف الثالث ابتدائي عام 1960حتى أصبحوا في الثلاثين من أعمارهم فوجد أن كمية العنف التلفازي الذي شاهده الأطفال في سن الثمانمائة كان أفضل مؤسر على سلوكهم في سن التاسعة عشر (Faivelson, 1987 p.24)

       لم تعد الأفلام تخبو إلى اللون الأسود لتعطينا إحساساً بالوقت أو النقاط التي نستطيع أن نعود إليها ونعي ما نراه، بل " تسوّق الأفلام لتهدف مباشرة إلى أدنى مستويات الإعلام الجماهيري (وهو) أن يسعى دماغك لرد فعل ليس فقط إيجابي ولكن لا واعي ومباشر (Miller 1990 P.50)
     ويركز الفيديو والإم تي في MTV والأفلام على عوطفنا باستخدام الموسيقى لتتجاوز تأثيرها البصري ولو اسمعنا بدقة وشاهدنا الإم تي في سندرك أن الموسيقى لا تناسب الحدث أو ما يعرض بصرياً. "إن الأفلام تقدم أكثر وأكثر صوراً غير بصرية بصورة معقدة لأن الموسيقى تجبرنا لنفحص عيوننا ونقفل آذننا stun our minds and jolt our visceral gut ونغلق عقولنا بعنف ونسد أحشاءنا وتفاعلاتها (Miller 1990 P.50) وتستخدم المؤثرات الخاصة روتينيا لإظهار إلغاء الشخص وينظر إلى ذلك أنه جيد! قد يكون التدمير كما في فيلم: "المغيرون من السفينة المفقودةThe raiders of the lost Ark عندما يذوب النازيون أو يذبلون في السفينة الغاضبة أو كما في أفلام الرعب مثل عندما يحرق جيسون ويدمر ويبيد كثير من المراهقين حتى يحترق بعض هؤلاء أو يحرقون أو يجرحون جيسون (ص. 50) وهنا نصبح رهائن لأدوات الإعلام الإلكتروني وبالتالي ضحاياه. ومن الصعب غالباً أن نجد الخط الفاصل بين البطل والشرّير. ففي الفيلم باتمان يغادر كثير من المشاهدين متعجبين من باتمان ودوافعه واستخدام العنف. وفي فيلم Terminator (القاضي أو المُهلِك) فإن اسم البطل يخبرنا بما هو هدف الحياة. ومن الصعب في فيلم كوبرا أن تعرف الفرق بين البطل والمريض النفسي الذي يطارده (Miller 1990) ويظهر فيلم صمت الحملان silence of the lambs المريض النفسي على أنه البطل وآخر سطر في الفيلم عبارة عن جملة كوميدية حول لكتر حانيبعل   مستضيفاً شخصاً على العشاء (ولكنا ندرك أن هذا يعني أكل الصديق ولكن الجمهور يستدرج للضحك بدلاً من الرعب)  (Medved, 1992, p. 163)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية