الضَّبْطُ بالشَّكلِ وعلاماتُ الترقيمِ بين لغتنا واللغاتِ الأخرى


 

صحيفة المدينة المنورة العدد (9679) يوم 5جمادى الآخرة 1424،

الموافق 18/11/ 1993م


·    عجيب أمرنا نحن العرب المسلمين، وصل بنا الأمر في إهمال لغتنا الجميلة أن أصبحت كتابتنا لهذه اللغة نصف كتابة أو ربّما أقل من النصف. لعلّ القاريء يتعجب: كي تكون الكتابة لنصف اللغة؟

تصور أنك تكتب اسمك وتحذف بعض الأحرف لتركك كتابة الشدّة، أو تهمل الضمة أو الفتحة أو السكون، فإهمال هذه الحركات سيجعل لغتنا شيئاً مضحكاً!

·  ما كنت لأتذكر هذه القضّية لولا أن كتب الأخ الصديق محمد يعقوب تركستاني في (ملحق التراث) الصادر يوم 23/3/1414يجيب عن تلك التساؤلات: لماذا يهتم (ملحق التراث) بضبط الكلمات بالشكل وتراعي علامات الترقيم؟!

      لا شك أن الدّكتور محمد قد أجاب إجابة شافية حول الموضع، لكني أريد ان أؤيد هذا الموقف وأثني على موقفه لأنني عشت تجربة تعلم اللغة الإنجليزية ومبادئ اللغة الفرنسية.

     سمعت من الدكتور إسماعيل عمايرة أستاذ اللغة العربية بالجامعة الأردنية أن بعض المستشرقين كتبوا يزعمون أن اللغة العربية لم تعرف التشكيل أو الضبط بالشكل وأنّ نهاية الكلمات فيها هو السُّكُون.

     والمستشرقون حين يُلْقون مثل هذه التهمة الباطلة إنّما يريدون أن ينقضوا الجهود العظيمة التي بذلها علماء اللغة المسلمون في ضبط آياتِ القرآن الكريم.

     ومن المنطق القول أنّه بلا تشكيل يستحيل على معظمِ النّاس أن يقرأوا القرآن الكريم قراءةً سليمة. فكيف تعرف الفعل من الفاعل، أو المبتدأ من الخبر، ولا سيما ما تتمتع به اللغة العربية من أساليب بلاغية رفيعة تقتضي التقديم والتأخير.

    ولعّل هذا المستشرق أو ذاك ألقى مثل هذه التّهمة حين سمع أعرابياً أمّيّاً يقول عبارة أو عبارتين فيسكّن الكلمات فقال: هذه هي اللغة العربية!

    ولـمّا كان من آيات القرآن الكريم قوله تعالى (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون) فقد تمت بعض الاكتشافات الأثرية في سورية قبل أعوام لنقوش لإحدى اللغات القديمة ذات الارتباط باللغة العربية وهي اللغة الحيثية ووجدت في هذه الآثار علامات التشكيل.

     فإذا كانت هذه اللغة التي ماتت واندثرت تهتم بالتشكيل فمن باب أولى أن يكون في اللغة العربية تشكيل، وهي بلا شك لغة أرقي مستوىً وأكثر تقدما وقد نزل بها الذّكرُ الحكيم.

    ولقد بيّن الأخ الدكتور محمد يعقوب أن الكتابةَ إنّما هي رموز وتعبير عن اللغة المنطوقة والأصلُ في اللغةِ ما تنطقه أكثر ممّا تكتبه.

    ونحن نكتب نتخيّل أننا نقرأ، بل إنّ بعضَنا لا يعرفُ مراجعةَ ما يكتب إلّا إذا قرأه بصوت مرتفع. فهكذا ترجع في اللغة المكتوبة المنطوقة لأنها الميزان الصحيح.

   وقد ذكر الدكتور محمد يعقوب-أيضاً- أن لكلِّ لغة طريقتها ورموزها في جعل النّطق صحيحاً. فلماذا تعتني الأمم الأخرى بلغاتها ويستكثر علينا أن نطالب بالأساسيات في هذه اللغة، وهي أجلّ اللغات، وأعظمها قيمة. فما زلت أذكر أن كتب اللغة الإنجليزية التي كانت مقررة قبل ثلاثين سنة (الآن أكثر) تضع بعض القواعد للنطق في الصفحات الأولى وقد تُكتبُ في الغلاف الداخلي لأهميتها.(كان اسمها الأرقام الصوتية 1،2 3، 8 وغيرها)

    نعم في اللغة الإنجليزية قواعد أساسية يتعلمها من يتعلم المبادئ وعليه أن يفهمها ويحفظها وكانت هذه العلامات بمنزلة التشكيل في لغتنا، ومن الأمثلة على ما عند الإنجليز أن وضع رقم (8) تحت الكلمة يعني نُطْقاَ معينا، وهناك رقم (3) ورقم (2) ورقم (1) ثم بعض الأرقام المكونة من رقمين (عشرات) وقد طُوّرت هذه الأرقم واستدل بها حروف تكتب بأشكال معينة تزيد على خمسين شكلاً توجد في الصفحات الأولى من أي قاموس.(كانت الأرقام تُسمّى الأرقام الصوتية-phonetic numbers-

     ولا يظنٌّ ظانٌّ أن الضبط بالشكل أمر صعب أو يتطلب جهداً خارقاً فاللغة العربية من أيسر اللغات لو أحسنّا التّأليف في تعليمها، والدليل على هذا بين يدي، فالحرف الإنجليزي ينطق بأكثر من نطق وفق الحرف الذي يلية أو قبله، بل لديهم- أيضاً – مجموعات من حرفين تُنطَقُ في كل مرّة نُطْقاً مختلفاً وكم تختلف الكتابة عن النطق عند الإنجليز في كثير من الحروف

    ما أجمل أن نهتمّ بضبط كتابتنا بالتّشكيل، حفاظاً على المعنى السليم لما نقول ، فكم رُفع مجرور حتّى يُقال لمن يخطيء في ذلك إن حرف الباء يجرُّ جبلا، ولو وجد الشكل لقلت الأخطاء وفهمنا ما نقول ونسمع. والله الموفق


ملحوظة: أسماء القرى والوديان بين المدن لا نعرف قراءتها إلّا من الأحرف اللاتينية فمثلاً الحجازية قرية بين القصيم والمدينة والصحيح أنها الحجّازِيه وليس الحِجازية، وغيرها كثير ليتهم يضبطون كل أسماء القرى والهجر والجبال والأودية بالشكل (مُناقصَة)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية