خطر العمالة الوافدة على الأخلاق والثقافة والأمن


 

فذلكة:كان الصديق الدكتور زيد الرمّاني متعاوناً مع صحيفة مرآة الجامعة وطلب مشاركتي في هذا الاستطلاع فكانت هذه المشاركة المتواضعة.
هذا العنوان يعني أن الخطر موجود ومتحقق من العمالة الوافدة على الأخلاق والثقافة والأمن. ولكن هل من الإنصاف أن نتحدث عن خطر هذه العمالة وسلبيات وجودها دون الحديث عن إيجابيات هذه العمالة والدروس والعبر التي ينبغي ان نتعلمها منها. ونتساءل أولاً أي العمالة الوافدة نقصد؟ هل العمالة الوافدة التي تصب البنزين في السيارات؟ أو العمالة التي تكنس الشوارع أو العمالة التي تعمّر البيوت وتشيّدها؟ أي عمالة نقصد؟ هل العمالة هي الموظفون في المكاتب والشركات والمؤسسات؟
سأتحدث أولاً عن الإيجابيات وذلك لملاحظتي أن بعضنا يصاب بالتكبر والعنجهية إزاء كل ما هو غير سعودي. نعم لنا كثير من الميّزات والحمد لله، ولكنها لا ينبغي أن تصل بنا إلى حد الغطرسة والكبرياء والعجرفة. ولذلك أقول إن من إيجابيات العمالة الوافدة حرصها على العمل المهني؛ فهم يعملون في معظم المهن إن لم يكن كلها. كما أن شدة دأبهم وحرصهم على الوقت فهم يعملون أكثر من عشر ساعات يومياً وقد يصل الأمر ببعض العمالة الوافدة أن تعمل أكثر من خمس عشرة ساعة في اليوم الواحد.
كما يعجبني في العمالة الوافدة أنها تقبل أن تعيش حياة متواضعة من أجل التوفير، ومسألة التوفير مسألة حسّاسة فقد ورد في القول المأثور (حديث مرفوع) (ما عال من اقتصد) فهم يعرفون كيف يقتصدون بحق ويدل على ذلك تحويلاتهم في البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
ويعجبني في العاملة الوافدة حرصهم على تعليم أبنائهم فهم يعيشون حياة الضنك والكفاف من أجل أن يوفروا لأبنائهم فرص الدراسة في المملكة في المدارس الخاصة أو في الخارج في الجامعات، وأول مرة أسمع عن دراسة الطب في أوكرانيا من ميكانيكي سيارات من بورما في المدينة المنورة ذهب أخوه لدراسة الطب هناك.
ويعجبني في العمالة الوافدة حرص معظمهم على توظيف أبناء جلدتهم فلو كان في المؤسسة مدير من بلدٍ ما لوجدت تلك المؤسسة تكثر فيها العمالة من بلد ذلك المدير أو الرئيس. وتوجد مؤسسات تجارية كُبرى شبه محتكرة لأبناء بلد معين حتى إن الإعلانات داخل المتجر بلغتهم قبل العربية والإنجليزية.
أما الحديث عن السلبيات فهي تختلف من فئة وفئة وهذا يقتضي أن نقسم البحث إلى أقسام نتناول كل فئة من العمال على حدة أو يمكننا أن نوجز الحديث عن خطر كل فئة.
سأبدأ الحديث بالخطر الكبير على الثقافة والهُــــوُيّة. فمن أهم مكونات الهُــوية في هذه البلاد أو حتى في أي مكان الدين واللغة، فإن كان العمال قد أتوا إلى بلاد يضعف فيها تطبيق الإسلام أو إن هذا التطبيق وصل إلى قريب من درجة الصفر أو حتى إن الإسلام أضحى محارباً عندهم فمن يأتينا سيكون بلا إسلام- إلّا من رحم الله، وقليل ما هم- فإذا جاء إلى المسجد جاء بلا وعي بما ينبغي له أن يفعله، وإذا دخل المسجد أو حتى قبل دخوله فكم منهم من يعرف الوضوء معرفة صحيحة، ثم إن دخل المسجد فهم قليلاً ما يعرفون للمساجد حقها وحرمتها. وإن رأيتهم يوم الجمعة رأيت عجباً يتكلمون والإمام يخطب، أو يقوم بعضهم بترتيب بضاعتهم في أثناء إلقاء الخطبة على أبواب المساجد بل أكثر من هذا فبعضهم يتعاطى البيع والشراء والخطيب على المنبر، ناهيك عن الكثير منهم يأتون إلى المسجد بلباس النوم.
وقد يحدث من جراء الاختلاط بالعمالة الوافدة أو الوافدين على مختلف تخصصاتهم ومستوياتهم تأثرنا بهم عقدياً فهولاء لم يتلقوا العقيدة صافية زكية كما يتلقاها طلابنا في المدارس والجامعات بل هم خارج المملكة يواجهون كثيراً من الممارسات العقدية الخاطئة التي لا بد أن يتأثر بها بعضنا.
أما الممارسات المخالفة للدين فهي تنقلهم مع زوجاتهم في الأسواق والنساء سافرات وبخاصة منهم القادمين من بلاد عربية إسلامية فكثير من نسائهم لا يعرفن الحجاب المعرفة الصحيحة، أضف إلى ذلك أنهن ربما لا يعرفن معنى أن لا يخضعن بالقول ويكون الرجل يسر إلى جوار زوجه أو ابنته أو أخته وهي سافرة ولا يهمه ذلك مطلقاً وكأنه يسير مع رجل آخر.
وجانب آخر لتأثير العمالة الوافدة يتمثل في اختلاطهم بالأسر السعودية حيث أدخلوا إلى مجتمعنا نوعاً من الاختلاط الأسري غير المنضبط بالضوابط الشرعية، فيجلس الرجال مع النساء ويكون الاختلاط المذموم وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا تحدث ممارسات غير شرعية من جراء هذا الاختلاط.
وأنتقل إلى الجانب اللغوي فالعمالة الوافدة التي أتت من بلاد إسلامية غير عربية فقد أحدثت كارثة لغوية فنحن نضطر إلى عوج ألسنتنا ليفهمونا فنؤنث المذكر ونذكر المؤنث، ونقدم ونؤخر ونحذف ونضيف حتى إن اللغة التي أصبحنا نتحدثها لا تمت إلى العربية بصلة.
لا أريد أن أتحدث عن الأخطار دون أن أقدم بعض المقترحات التي أراها مفيدة فمنها أنني رأيت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من أربعين سنة  توجد معاهد ومدارس ليلية حكومية تقدم دورات في اللغة الإنجليزية وفي بعض المهارات الأخرى برسومرمزية وتفتح للأمريكان وغيرهم. والرسوم فيما أذكر – وقد دفعتها لدراسة الآلة الكاتبة- ربع دولار فقط. ألا يمكننا أن نفرض على الشركات التي تأتي بالعمالة الأجنبية أن تسهم في إنشاء هذه المعاهد.
والأمر الثاني أن نقدم في هذه الدورات في اللغة العربية بعض المحاضرات عن الدين الإسلامي نقدم لهم الأساسيات بأسلوب مرن بعيد عن التعقيدات والتشدد.

أفكار بعدية:
     قدمت محاضرة في ثلاثية (ثلوثية) الأمير أحمد بن بندر السديري عن الاستشراق وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والفيلم المسئ وواجبنا تجاهه، فأثير موضوع وجود الأجانب والتنصير في الخليج العربي، فقلت ليس هذا تخصصي ولكني أحتفظ بكتاب للشيخ أبي الحسن الندوي نشرت طبعته الثانية عام 1399هـ (1979م) بدار الاعتصام، وعنوانه كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب: مشاعر وأحاسيس ودراسات وملاحظات ونقلت منه هذين الاقتباسين:
·  عن جابر بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلّا مسلما)(رواه مسلم) وقال: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) (الموطأ عن ابن شهاب مرسلاً)
· ولا شك أن وصيته النبوية الحكيمة لا تقتصر على إخراج غير المسلمين أجساماً ظاهرة، بل إنها تشمل إخراج نفوذهم وتوجيههم وحضارتهم ودعوتهم كما يفهم كل عاقل.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية