الحركات الاستقلالية في المغرب العربي - لعلال الفاسي رحمه الله



أبدأ بشكر الأخ الصديق الدكتور محمد يعقوب تركستاني المشرف على ملحق التراث  إلحاحه علي بالكتابة، ولم أستطع التهرب مع محاولتي ولكني وجدت أن ثمة مجالاً أريد أن أبرزه من خلال هذا الملحق المتألق دائماً، وذلك بالتخصص في عرض التراث المغربي المعاصر. وكان أن وصلني قريباً كتاب طالما سعيت للحصول عليه- وهذا دليل على أن الاتصال الثقافي بين المغرب والمشرق يحتاج إلى جهود كبيرة تبذل من الطرفين. وهذا الكتاب هو : الحـركات الاستقلالية في المغرب العربي للشاعر والأديب والمجاهد الشيخ علاّل الفاسي رحمه الله

وكانت أول فكرة خطرت لي في الكتابة عن هذا الكتاب هي : هل القومية العربية شر كلهـا ؟  أعرف كم يثير هذا السؤال من معارضة وهجوم ، ولكنني أسرع للقول بأنني أقصد بالقوميـة العربية  بعض ما قامت به من نشاطات فكرية . فقد كانت جامعة الدول العربية قد أنشأت معهداً للدراسات السياسية والدبلوماسية والبحوث، وكان من نشاطاته دعوة العلماء المتخصصين لإلقاء محاضرات حول بعض   القضايا السياسية والفكرية التي تواجه الأمة العربية . ومن   الدراسات التي أخرجها هذا المعهد دراسة بعنوان (حقيقة إسرائيل) للواء الركن محمود شيت خطاب، ودراسة للـدكتور أبو القاسم سعد الله بعنوان الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945 ومنها هذا الكتـاب الذي نحن بصدده وعنوانه  الحركات الاستقلالية في المغرب العربي.

وهذه المقالة ليست استعراضاً للكتاب فذلك أمر كان ينبغي أن يكون لكتاب صدر حديثاً كما هو المتعارف عليه بالنسبة لعرض الكتب ومراجعتها، والأمر الآخر أن الذي يقدم استعراضاً لكتاب علـيه أن يكون ملماً بموضوع الكتاب حتى يستطيع أن يبدي رأياً ناقداً في الكتاب ومادته. وهو أمـر لا أستطيعه وذلك لأن خبرتي محدودة بالحركة الوطنية الجزائرية. أما الحركة المغربية  أو التونسية فلـم يتسـن لي دراستهما دراسة علمية. ولذلك فهذه المقالة تعريف بالكتاب بصفته تراثاً حديثاً ولأنه تناول قضايا ما تزال حية حتى يومنا هذا، وهذه القضايا بعضها أو أكثرها من صنع الاحتـلال الأجنبي الذي ما زلنا نعاني منه حتى يومنا هذا أو حتى اليوم الذي يقيض الله لهذه الأمة من يعالجها من آثار الاحتلال الأجنبي الذي سمي خطأً استعماراً وما هو باستعمار.

وأبدأ أولاً بالتعريف بالأستاذ علاّل الفاسي فهو علاّل (أو محمد علال) بن عبد الواحد بن عبد السـلام بن علال بن المجذوب الفاسي الفهري، وصفه الزِرِكلي بأنه (زعيم وطني، من كبار الخطباء العلماء في المغرب… له مواقف ضد الاستعمار مشهودة منها موقفه من الظهير البربري (وما أشبه الليلة بالبارحة) الذي نادى بأن يعود البربر إلى شرائعهم القديمة  وأعرافهم الوثنية ويتركوا الإسـلام. واهتم هذا الظهير( المرسوم) بالتركيز على اللغة البربرية. وعرف الفرنسيون شجاعة وجرأة الفاسي فوقفوا في وجهه وحاربوه ونفوه من البلاد. وللفاسي مؤلفات منها النقد الذاتي،  والمغرب العربي منذ الحرب العالمية الأولى و دفاع عن الشريعة.

ووجدت الأستاذ الكبير أنور الجندي قد كتب عن الفاسي في كتابه القيم الفكر والثقافة في شمال أفريقيا(1385-1965)يقول:"هذا رجل عريض الاسم في مجال الحركة الوطنية، كما يذكر في مجال الحركة السلفية، ونذكره مجال العمل الفكري الثقافي الذي وهبه عدداً كبيراً من البحوث والدراسات في مجال الدراسات التاريخية والثقافية والإسلامي…" 

أما هذا الكتاب فتناول فيه الحركات الاستقلالية في بلاد المغرب الثلاث :تونس والجزائر والمغرب. تناول أوضاع تونس والجزائر بإيجاز بينما فصل في الحركة الاستقلالية في المغرب العربي. ولم يكن  إيجازه في الحديث عن تونس والجزائر الإيجاز المخل بل كان جيداً لأن الفاسي كان يهتم بالعالم الإسلامي كله - وهذا شأن المسلم في كل حين-.

وقد أعجبني تفسيره لعمل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تكونت في الجزائر برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله- عام 1349(1931) فهي جمعية تأسست لأهداف دينية حتى لا تصطدم بالسلطات الفرنسية المحتلة: "وإذا كانت هذه الجمعية ترمي بصفة رسمية إلى أهداف غير سياسية وهي تطهير العقيدة الإسلامية في الجزائر من الخرافات، وإحياء اللغة العربية في البلاد وتقوية الشعور بالشخصية العربية في الجزائر، فإن هذه المبادئ نفسها تعتبر في أرض ترزح تحت الاستعمار الفرنسي الذي يرمي رسمياً للقضاء على الإسلام الصحيح واللغة العربية والشخصية القومية في مستعمـرة الجزائر التي يجب أن تعد جزءاً لا يتجزأ من الوطن الوالد … هذه المبادئ نفسها تعتبر من صميم السياسة في نظر الفرنسيين." وهذا تحليل رائع لم يصل إليه كثير من الباحثين الجزائريين وغيرهم من المتغربين الذين ظنوا أن الوطنية والسياسة هي التشدق بالشعارات الوطنية والمطالبة بالاستقلال دون معرفة العمل الحقيقي الذي يتطلبه الاستقلال. وقد أدركت ذلك جمعية العلماء. 

وبعد أن نشرت مقالتي السابقة وأخذت في الاطلاع على كتاب الفاسي وجدته يتوقف عند أمـور تشبه النصوص التي تناولها الدكتور عبد العلي الودغيري في كتابه ومن ذلك إشارته في الحديث عن مسألة الظهير البربري إلى ما كتبه جودفروي دومنيين (Gaudefroy-Demonbynes)في كتابه (عمل فرنسا بالمغرب فيما يخص التعليم) (ص119): "من الخطر أن نترك كتلة ملتحمة من المغاربة تتكون، ولغتها واحدة وأنظمتها واحدة، لابد أن نستعمل لفائدتنا العبـارة القديمة "فرّق تسد". إن وجود العنصر البربري هو آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي) ويضيف المؤلف الفرنسي قائلا:" يجب أن تقوم اللغة الفرنسية لا البربرية مقام اللغة العربية كلغة مشتركة وكلغة للمدنية."

وينقل الفاسي أيضاً عبارة لأحد "كبار دعاة السياسة البربرية هو الكومندان مارتي في كتابه مغرب الغد:" إن المدرسة الفرنسية البربرية هي مدرسة فرنسية بتعليمها وحياتها ن بربرية بتلاميذها وبيئتها، إذن فليس ثمة واسطة أجنبي، كل تعليم عربي وكل تدخل من قبل الفقيه ن وكل ظاهرة إسلامية يجب منعها بصرامة تامة…."    

إنه كتاب يستحق أكثر من مقالة، ولكّني أحببت الإشارة إليه بصفته من التراث المغربي المعاصر.

تعليقات

  1. ااااااااااااااااااااااااااااااااا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية