أسئلة حول الاستشراق وبعض الإجابات صارت قديمة فمعذرة

 

السؤال: للاستشراق بصماته الواضحة في الفكر والأدب العربي المعاصر، فهل أخذ ذلك الموضوع حقه من الدراسة والبحث وما مدى خطورته؟

الجواب: ما زلت أذكر كتاب الدكتور محمد محمد حسين بعنوان حصوننا مهدده من داخلها أو في وكر الهدامين  وكتابه الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث وكتابه الإسلام والحضارة الغربية وكتاب مصطفى الخالدي وعمر فروخ الاستعمار والتبشير في البلاد العربية  وكتب الشيخ محمود شاكر وبخاصة كتابه عن المتنبي ومقدمته التي عنونها ونشرت منفصلة رسالة في الطريق إلى ثقافتنا وكتب الشيخ عوض القرني عن الحداثة في ميزان الإسلام وكتب الدكتور عدنان النحوي عن الحداثة والأدب الإسلامي، وكتب الشيخ أنور الجندي الكثيرة في هذا المجال وكتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وغيرهم كثير.

وهكذا فالإنتاج الفكري حول أثر الاستشراق في الفكر والأدب ليس قليلاً ولكن النشاط الفكري والأدبي للمتأثرين بالاستشراق قوي ومنظم ويحتاج إلى متابعة ورصد ولا بد من الحوار والنقاش حول هذه القضايا ولكن أولئك المتأثرين بالاستشراق والتيارات الفكرية الغربية لا يسمحون بهذا النقاش فهم إذا ما امتلكوا منبراً من المنابر جعلوه خاصاً بهم ولم يسمحوا لغيرهم مع أنهم ينادون دائماً بضرورة الحوار والانفتاح على الآخر ولكنهم ربما يقصدون الآخر الغربي. وتشهد بذلك ندواتهم ومؤتمراتهم وغير ذلك من النشاطات.

  السؤال: يذكر بعض الدارسين أمثال أنور الجندي أن الأدب العربي تعرض إلى تشويه من المستشرقين، إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا التصور صحيحا؟

الجواب: إن الأدب العربي ليس وحده الذي تعرض إلى تشويه متعمد من المستشرقين والأستاذ أنور الجندي محق تماما في هذا الشأن ومن أبرز من يشاركه في هذا الرأي الأستاذ الجليل محمود شاكر في مقدمة كتابه المتنبي التي نشرت منفصلة بعنوان رسالة في الطريق إلى ثقافتنا حيث أكد على إفساد المستشرقين وتلاميذهم لما أسماه ب "الذائقة الأدبية ". وقد يكون في آراء الأستاذ محمود شاكر - رحمه الله تعالى- شيء من القسوة، لكن الرجل عانى معاناة شديدة من هذا الإفساد مع أدباء عصره حتى إن كتابه أباطيـل و أسمار في جزأيه يضج بالشكوى من المستشرقين وتلاميذهم من أمثال لويس عوض الذي يحلو لبعض كتابنا أن يطلقوا عليه (الأستاذ الكبير) أما تفاصيل إفساد الذائقة الأدبية والعبث بمناهج البحث الأدبي فيرجع إليها في كتاب الأستاذ محمود شاكر "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" لأنني غير متخصص في الدراسات الأدبية. ولكن يجب ملاحظة أن الساحة الأدبية رفعت قدر أناس حاربوا الإسلام ودعوا إلى الارتماء في أحضان الغرب ونال هؤلاء الألقاب التمجيدية من أمثال (عميد الأدب العربي) و(أستاذ الجيل) وقررت كتابات هؤلاء في المدارس، واعتمدت السينما والمسرح على هذه الكتابات فكم قدمت روايات إحسان عبد القدوس وروايات جورجي زيدان وغيرهما . ويلاحظ أن الدكتور مجمد العزب قد كتب في مجلة " القافلة " في أحد أعدادها الصادرة عام 1407 ينتقد المستشرق الفرنسي ريجس بلاشير في كتابه تاريخ الأدب العربي الذي يزعم فيه أن الإبداع والتميز في تاريخ الأدب العربي إنما هي ومضات سريعة ونادرة فرد عليه باستعراض نماذج من التميز والإبداع في الأدب العربي. وليست تلك التهمة الوحيدة، فأثر المستشرقين في الأدب العربي تعـود إلى نشاط حركة الترجمة التي قادها طه حسين في مجلة الكاتب وغيرها حيث ترجمت الكثير من القصص والروايات الفرنسية التي تدعو إلى نمط الحياة الغربية. كما أن انتشار كتابات أمثال يوسف السبـاعي، وإحسان عبد القدوس، ومحمد عبد الحليم عبد الله ،ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم التي دعـت في معظمها إلى الفكر الغربي والمادية وركزت على القصص الغرامية حتى أصبح لدينا كم هائل من هذا النوع من الكتابات على حساب الكتابات الإسلامية الجادة .وقد كتب الدكتور أبو بكر حميد عدة مقالات في الشرق الأوسط وألقى محاضرة في أحد الأندية الأدبية حول الحرب الشعواء التي واجهها الأديب المتميز الإسلامي علي أحمد باكثير رحمه الله تدل دلالة واضحة على مـدى نفوذ الفكر الاستشراقي . ويجب أن نتذكر أن جامعة القاهرة في بداية تأسيسها استضافت من المستشرقين الذين درسوا الأدب العربي. وقد رضينا أن يذهب أبناؤنا إلى الغرب للتخصص في الأدب العربي على أيدي المستشرقين.

السؤال: ما وسائل المستشرقين للتأثير في الفكر الإسلامي وما أساليبهم في صياغة فكر إسلامي موافق للتيار الغربي؟

الجواب: مثل هذا السؤال يحتاج إلى رسالة دكتوراه للإجابة عليه ولكن علينا أن نرجع إلى بداية البعثات العلمية منذ عهد محمد علي فكما قال الشيخ محمود شاكر إن الاستشراق كان له يد في هذه البعثات وحاول من خلالها أن يجتال عدداً من أبناء هذه الأمة ممن عرفوا بالذكاء والفطنة فيصنعهم على عينه فكانت البعثة المصرية في فرنسا يتم تعليمها تحت إشراف المستشرق جونار، وكانت البعثات من المغرب يشرف عليها مستشرقون آخرون. وقد طالب هؤلاء المشرفون أن يمكث طلاب البعثة وقتاً أطول من مدة البعثة (حتى يتشبعوا بعظمة فرنسا) كما ذكر ذلك الشيخ محمد المنوني في كتابه نهضة المغرب في العصر الحديث ولم يكتف المستشرقون بذلك فإن دولهم التي كانت تحتل معظم الدول الإسلامية مكنت لهؤلاء الذين درسوا في الغرب وتشبعوا بفكر الغرب وثقافته وفلسفته ومكنت لهم من منابر التوجيه. وارجع إن شئت إلى كتاب محمد محمد حسين الإسلام والحضارة الغربية لترى ما قاله عن كرومر في مصر وأثر مدرسة فيكتوريا التي درس فيها طلاب من معظم البلاد العربية. وكان للأمريكيين مدارسهم في المنطقة التي تحول بعضها إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة واسطنبول وبيروت. ومن المعروف أن الغرب عموماً يحتفي بالمفكرين العرب والمسلمين المتأثرين بالغرب وعلمانية فتفتح له الجامعات الغربية والمؤتمرات والندوات، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

السؤال: ما رأيك في النقد الإسلامي للاستشراق وتوجهات ذلك النقد؟

الجواب: النقد الإسلامي للاستشراق بدأ منذ فترة بعيدة وبخاصة في عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية الإسلامية وبخاصة بعد ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة. فهذه الحركات حينما ظهرت كان هـمهاً مقاومة الاحتلال الأجنبي الذي حاول طمس الهوية العربية الإسلامية وتجهيل الشعوب المحتـلة ونشر الفقر والمرض فيها. بالذي يراجع تلك الصحف منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية يجد نشاطات وافرة في نقد الاستشراق. وأذكر في هذه المناسبة ما كتبته الصحف الجزائرية الإصلاحية في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث كانت ترد على المستشرقين وافتراءاتهم وتعاونهم مع سلطات الاحتلال الأجنبي، ويمكن الرجوع إلى مجلة الرسالة على سبيل المثال لمعرفة أن نقد الاستشراق بدأ منذ عهد بعيد.

     ولا بد أن نذكر الجهود الرائدة للشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في نقد الاستشراق في كتابه السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي الذي اهتم فيه بنقد الكتابات الاستشراقية في مجال الحديث الشريف والفقه. ويذكر للشيخ السباعي ريادته في زيارة معاقل الاستشراق في الجامعات الأوروبية ومناقشة المستشرقين في كتاباتهم حول الإسلام. ولكن خطوات السباعي لم تجد من يواصلها بطريقة منهجية حتى عهد قريب وظهور كتاب مثل الدكتور قاسم السامرائي والدكتور محمود حمدي زقزوق وغيرهما ممن عرف الاستشراق عن قرب وعاش في بلاد الغرب. ويدخل في مجال نقد الاستشراق الرسائل العلمية التي أنجزت في قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة فهذه الرسائل تحتاج إلى الاهتمام بها ونشرها أو نشر المتميز منها، وهي جهود مباركة في نقد الاستشراق.

 السؤال: ماذا عن تجربة إدوارد سعيد؟

 الجواب: لاشك أن لتجربة إدوارد سعيد مكانتها وأهميتها في نقد الاستشراق، فهو انتقدهم بلغتهم وبلغة إنجليزية عالية مما أزعج كثير منهم إزعاجاً شديداً ، وقد ركزّ سعيد في نقده على جانب واحد وهو الارتباط بين الاستشراق وفكرة الهيمنة والسيطرة والتشويه. والاستشراق أوسع من ذلك بكثير ولعل إدوارد سعيد كما ذكر لم يقصد التأريخ للاستشراق وإنما أراد تقديم النموذج على نظرية فلسفية في المعرفة وتطبيقها على الاستشراق. وهنا لا بد أن نذكر أنه وجد من المسلمين من كتب عن الاستشراق باللغة الإنجليزية ولكنه لم يحظ بالانتشار ومن هؤلاء عبد اللطيف الطيباوي في مقالتيه " النقد الأول والثاني للمستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية" وقد نشرتا أولاً في مجلة المركز الثقافي الإسلامي في لندن ثم ترجمهما الدكتور قاسم السامرائي ونشرتا في كتاب عن إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتور إسماعيل راجي الفاروقي، والأعظمي وغيرهم

السؤال: ساهم الاستشراق في رسم صورة الإسلام والعرب في الغرب كما يؤكد ذلك الدكتور محمود حمدي زقزوق فهل هناك محاولات إسلامية لتغيير تلك الصورة؟

الجواب: نعم هناك محاولات كثيرة فهذه المعاهد والمراكز الإسلامية مثل "معهد العلوم الإسلامية والعربية" التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أمريكا، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، والمؤسسة المتحدة للبحوث والدراسات في الولايات المتحدة وكذلك رابطة الشباب العربي المسـلم وجمعية مسلمي أمريكا الشمالية وغيرها من المراكز والجمعيات والمساجد في أوروبا وأمريـكا تقوم بجهود مباركة لتقديم صورة صحيحة للإسلام والمسلمين. ولكن مازال كثير من العمل في انتظار المسلمين حيث إن الجامعات الغربية عموماً تستقطب للتدريس فيها والبحـث النماذج المتغربة والعلمانية ونحن بحاجة لعقد اتفاقات مع هذه الجامعات لتتاح الفرصة لأصحاب الاتجاه الإسلامي الصحيح أن يكون لهم وجود في هذه الجامعات.

      أما في مجال الإعلام فإن الغرب يسيطر على ثمانين بالمائة من هذه الوسائل المسموعة والمرئية والمقـروءة، ولا بد أن نبدأ في العمل ليكون لنا موقع في هذه الوسائل. فالوعي الإسلامي الصحيح للمسلـمين في الغرب أو في الشرق الذين يتعرضون لهذه الوسائل أن يكتبوا إليها وينتقدوا ما تقدمه فلا بد من الضغط على الإعلام الغربي بالوسائل التي يعرفها الغرب لتغيير الصورة. وهناك من الجهات التي تقوم ببعض الجهد مثل اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، وكذلك المجلس الإسلامي الأمريكي وغيرها من الهيئات العاملة في هذا الميدان. ولكن لندرك أن الطريق ما زال طويلاً حتى نصل إلى تغيير هذه الصورة، وأن ندرك أننا يجب أن نسعى إلى تغيير صورتنا أمام أنفسنا فنعود إلى الإسلام العودة الحقيقية حتى لا يتخذها الآخرون حجة لتشويه صورة الإسلام.

      ولا بد أن أضيف بأن للملكة جهوداً مباركة في هذا الصدد بالمراكز الإسلامية التي أسهمت في إنشائها وتمويلها وكراسي الدراسات الإسلامية التي أنشئت في بعض الجامعات الأوروبية والأمريكيـة. وكذلك أكاديميات الملك فهد في كل من لندن وواشنطن وبون. ومعهد العلوم الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا تقوم بجهود عظيمة في توضيح صورة الإسلام الحقيقية والرد على الشبهات التي يثيرها بعض أعداء الإسلام والمسلمين.

السؤال: بعض الأكاديميين العرب الدارسين في الجامعات الغربية يقلدون النعامة أمام الاستشراق وآثاره فما ذا تقول لهم؟

الجواب: هذا من الأسئلة التي تحتاج إلى تفسير ولكن انتشرت مقولة بأن الغزو الفكري وهم وليس حقيقة وأن الاستشراق لا تأثير له وأننا نضخم هذه الآثار. وفي محاضرة ألقيتها في النادي الأدبي الثقافي في مكة المكرمة تقدم أحدهم يقول: " أنت يا سيدي المناوئون للاستشراق ما ذا تفعلون من ازدياد حمى البث الفضائي التي تهدد العالم؟" هل المسألة أننا نناوئ الاستشراق وأنت تحب الاستشراق. إن المسألة أن الأمم مطالبة بالمحافظة على هويتها وذاتيتها وما يفعله الغرب اليوم بالوسائل الفضائية فعله أسلافه من قبل أكثر من ألفي سنة عندما خرج اليونانيون يحاولون أغرقة العالم من حولهم حتى إن فرنسا أخذت ما سمته" الفرنسة" عنهم، وفعل الإنجليز الشيء ذاته. فهؤلاء الذين لا يرون خطراً في الثقافات التي تحاول السيطرة إنما هم ممن أصابهم الإحباط وفقدوا الاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية وبهرتهم المنتوجات الغربية والفلسفة الغربية والأدب الغربي وغير ذلك. ليس ضعف الأمة أو قوتها فيما تملكه من وسائل مادية - وإن كان على المسلمين أن يملكوها ويصنعوها- فالقوة الحقيقية هي في القوة الذاتية في الإبداع والابتكار.

السؤال: يحاول بعض المستشرقين التخلص من صورة الاستشراق القديمة المرتبطة بالاستعمار ومحاولة السيطرة على الشرق، والإيحاء بأن ذلك الدور قد انتهى فما صحة ذلك؟

الجواب: هذه المحاولة تعود إلى الخمسينيات من هذا القرن واستمرت حتى استطاع الغربيون التخلص من هذه التسمية في المؤتمر الدولي للجمعية الدولية للمستشرقين وصوتوا على عدم استخدام هذا المصطلح. وللغربيين أن يتخذوا من الأسماء ما يناسبهم ولهم مبرراتهم في ذلك التي من بينها ما ارتبط بكلمة استشراق من معاني سلبية. ولكن من قال إن دور الاستشراق قد انتهى فإنه يخالف طبيعة الأشياء: أليس الغرب بحاجة إلى استمرار معرفة الشرق، ألا تستفيد الحكومات الغربية من الدراسات التي يعدها الباحثون الغربيون بل هم يستفيدون من الدراسات والبحوث التي نعدها نحن عن أنفسنا حتى يعدوا الخطط المناسبة لمواجهة أي تأثير لدراساتنا؟ إن مالك بن نبي رحمه الله تحدث في الصراع الفكري عن بعض وسائل الغرب في هذا الصراع. إنهم يفتعلون بعض المعارك الفكرية أحياناً في الأمة الإسلامية ليشغلونا عن معارك أهم.

السؤال: من معالم الاستشراق الحديث الاستشراق الإقليمي أو التخصصي وهو منهج المدرسة الأمريكية الحديثة فما الفرق بينه وبين الاستشراق التقليدي؟

الجواب: بدأت النشاطات الاستشراقية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية حيث تخلت بريطانيا عن نفوذها في المنطقة فوجدت أمريكا أنها بحاجة لمعرفة المنطقة معرفة دقيقة فنشأ فيها ما سمي" الدراسات الإقليمية " أو "دراسة الأقاليم" حيث يتخصص باحث أو أكثر في إقليم معين يعرفون كل ما يحتاجون إليه من معلومات عن ذلك الإقليم. والأمر ليس جديداً كما يظن البعض فإن البريطانيين في دليل الخليج ل "لويمر" تخصصوا في دراسة الخليج العربي فهذا الدليل يضم أربعة عشر مجلداً تناول هذه المنطقة من النواحي الجغرافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والفولكلور والاجتماع وغير ذلك من الجوانب.

       نعم بدأ الأمريكان بالتخصص في الدراسات الإقليمية ولكن بريطانيا أرسلت لجنة عام 1961 برئاسة وليام هايتر لدراسة التجربة الأمريكية في دراسة الأقاليم. والآن أصبح التخصص أدق بكثير من هذه الدراسات ففي جامعة كاليفورنيا في بيركلي يوجد ثمانية عشر قسماً تدرس ما يخص العالم الإسلامي والعربي ويتم التنسيق بينها تحت مظلة مركز دراسات الشرق الأوسط.

       أما الاستشراق التقليدي فكان المستشرق يعرف اللغة العربية أو الفارسية أو التركية ثم يدرس الإسلام في جميع التخصصات من فقه وحديث وقرآن ولغة عربية وآدابها وغير ذلك. فهذا الأمر لم يعد منطقياً أمام توسع المعارف والتخصصات والحاجة إلى المعلومات الأكثر دقة عن البلاد الأخرى.

السؤال: هل يمكن القول أن الاستشراق قد انتهت حقبته في ظل الطروحات الفكرية والسياسية الدولية؟

الجواب: الغرب رفض مصطلح الاستشراق لأسباب خاصة به، فهو لم يعد يرى أن هذا التخصص له أي وجود في عصرنا الحاضر. وقد نادى بذلك أحد المستشرقين الألمان منذ الخمسينيات من هذا القرن، وتجددت الدعوة إلى نبذ كلمة استشراق في المؤتمر السنوي للجمعية الدولية للاستشراق الذي عقد في باريس عام 1393(1973م) وكان هذا المؤتمر بمناسبة مرور مئة سنة على تأسيس هذه الجمعية. وقرر هذا المؤتمر إلغاء التسمية وكما قال برنارد لويس أن مصطلح الاستشراق قد ألقي في مزابل التاريخ. والسؤال المهم وما هذه الأقسام العلمية تحت مسمى قسم دراسات الشرق الأوسط او مركز دراسات الشرق الأوسط أو مركز الدراسات العربية و الإسلامية في الجامعات الغربية؟ والندوات التي تعقدهـا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كل شهر لدراسة الصحوة الإسلامي أو التيار الإسلامي في العالم. أليست هذه المسميات امتداد للاستشراق ولكن بالأسلوب المناسب في هذا العصر. فقسم دراسات الشرق الأوسط يقوم بالتنسيق بين عشرة إلى عشرين قسماً علمياً يخضع عالمنا العربي الإسلامي للدراسة فيها. ففي جامعة كاليفورنيا فرع بيركلي تتم دراسة العالم الإسلامي في ثمـانية عشر قسماً علميا تبدأ من العمارة فالزراعة فالاقتصاد فالفن والفولكلور والسياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا والجيولوجيا وغيرها. أما انتهاء الاستشراق في ظل الطروحات الفكرية والسياسية الدولية فقد ثبت أن الأمم المتحدة التي يراد أن تكون الحكومة العالمية المسيطرة فقد أصبحت تتبنى نشر الطروحات التي كانت تتولاها الدوائر الاستشراقية السابقة دون إنهاء دور مراكز البحوث و الجامعات ومن الأمثلة القريبة على هذا التحول إلى الطروحات الدولية المؤتمرات الثلاثة المتتالية: "مؤتمر السكان والتنمية " في القاهرة و" مؤتمر التنمية الاجتماعية" في كوبنهاجن، و" المؤتمر العالمي الرابع للمرأة" في بجين بالصين إنما هي أمثلة لنشر هذه الطروحات التي تسعى إلى سيطرة فكر الحضارة الغربية وثقافتها. أضف إلى ذلك رعاية النظام الدولي الجديد للمنحرفين والشاذين من العالم الإسلامي بخاصة من أمثال سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم من أصحاب الفكر المنحرف. ويمتطي الاستشراق أو الطروحات الاستشراقية متن وسائل الإعلام فالذين يتسنمون منابر العلم والتوجيه في هذه الوسائل يروجون لما يحارب الإسلام في نظامه الاجتماعي ومؤسساته الاجتماعية كالزواج والنظرة إلى المرأة والأسرة، والعلاقات الاجتماعية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية