النقائض من نشاطاتي القديمة
النقائض
هو نوع من الشعر ظهر في العصر الأموي وكان
من أبرز أبطاله الفرزدق وجرير والأخطل. وهو أن يقول الشاعر قصيدة فيرد عليه شاعر
آخر بقصيدة من البحر نفسه والروي نفسه. وقد لا تكون القصيدة خاصة بالهجاء ولكن يرد
فيها الهجاء ضمن أغراض الشعر الأخرى كالغزل والمديح أو حتى الرثاء.
والنقائض قصائد تحتوي على الفخر بالنفس
والقبيلة من صفات الشجاعة والإقدام والكرم والنبل والإنجازات والوقائع الحربية.
وتتضمن في الوقت نفسه هجاء الخصم في نفسه وفي قبيلته والبحث عن المعايب الخُلُقية
في الشاعر الآخر وفي قبيلته. وكذلك تستبعد النقائض العيوب الخلقية كالعور والعرج
أو العيوب الأخرى.
يرى بعض دارسي الأدب أن النقائض نشأت
امتداداً للهجاء القبلي في الجاهلية الذي ينطلق من عداء بين قبلتين أو أكثر فينبري
الشعراء في كل قبيلة بهجاء القبيلة الأخرى.فيقول شاعر قصيدة فيرد عليه الآخر بقصيدة
من نفس البحر والروي وقد يعود الشاعر الأول إلى الهجاء ويقوم الشارع الثاني
بالهجاء وهكذا.
ويرى الباحثون في تاريخ الأدب أن للنقائض
قيمة أدبية حيث إنها توضح الاضطراب الفكري والسياسي في هذا العصر حيث كانت
الخلافات السياسية بين بني أمة وخصومهم وقد انحاز الشعراء إلى الفرق المختلفة وظهر
الاختلاف أيضاً قبلياً بين القيسية واليمانية. وكان بعض الشعراء يغيرون انتماءاتهم
السياسية طلباً للكسب والمال والشهرة.
أما الوجه الاجتماعي للنقائض فهو استمرار
البعد البدوي في الحياة الاجتماعية حيث إن ألفاظ الشعر وأخيلته ظلت تدور حول
المعاني التي عرفها العرب في جاهليتهم وفي المعيشة البدوية.كما أظهرت أن العصبية
القبلية التي حاربها الإسلام ظلت لدى البعض ممن لم يتمكن الإسلام من قلوبهم. فهذه
العصبية انتهت لدى الجيل الأول الذي تمكن الإيمان منه فكانوا أخواناً متحابين
استطاعوا بهذه الأخوة فتح البلاد.
ومع ذلك فإن الأثر الإسلامي كان واضحاً في
شعر النقائض حيث دخلت كثير من المصطلحات الإسلامية في هذا الشعر كالصلاة والزكاة
والصيام وغيرها من الشعائر الإسلامية.
وكان للنقائض وجه أدبي حيث ظهرت كأنها
تقليد للمعلقات من عدة نواح من أبرزها شكل القصيدة وطولها وكثرة الأغراض الشعرية
الواردة فيها وإن كان أبرز الموضوعات هي الفخر والحماسة والاعتزاز بالأنساب والهجاء
القبلي والتمسك بالنسيب وهو الغزل الرقيق في بداية القصائد.
والآن يمكن أن نستعرض بعض هذه النقائض:
قال الأخطل ( من البحر البسيط وقافية
الراء المضمومة)
خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا وأزعجتهم
نوى في صرفها غير
فرد عليه جرير
قل للديار سقى أطلالك المطر قد هجت شوقاً وما ذا تنفع الذكر
وقال الفرذدق
إن الذي سمك السما بنا لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
فرد عليه جريرك
لمن الديار كأنها لم تُحلل بين الكناس وبين طلح الأعزل
ومن النقائض قول الفرزدق:
يا ابن المراغة والهجاء إذا التقت أعناقه وتماحك الخصمان
فرد عليه جرير
لمن الديار ببرقة الروحان إنّا لا نبيع زماننا بزمان.
ودخل الأخطل في هذا
الهجاء فقال يرد على جرير:
بكر العواذل يبتدرن ملامتى والعالمون، فكلهم يلحاني.
وقد كنت العامة تحب
شعر جرير لسهولته ورقته وعذوبته بينما كان الفرزدق والأخطل أفضل منه من الناحية
الشعرية في انتقاء الألفاظ وجزالتها وقوتها.
تعليقات
إرسال تعليق