لماذا ندرس فقه السيرة؟ مما كتبته لطلابي ذات يوم



بسم الله الرحمن الرحيم
  
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين فمقرر "فقه السيرة النبوية يتناول دراسة الأحوال البشرية قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم دراسة سيرته وأثرها على التاريخ البشري، وما تنطوي عليه من مزايا عن سير السابقين، ورد الشبهات المثارة حول سيرته صلى الله عليه وسلم من قبل أعداء الاسلام.
ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها مجرد الوقوف علي الوقائع التاريخية ولا سرد ما طرف أو جمل من القصص والأحداث, ولذا فلا ينبغي أن نعتبر دراسة فقه السيرة النبوية من جملة الدراسة التاريخية شأنها شأن الاطلاع علي سيرة خليفة من الخلفاء أو عهد من العهود التاريخية الغابرة  أو ملك من الملوك أو أسرة من الأسر الحاكمة،  وإنما الغرض منها أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته صلي الله عليه وسلم بعد أن فهمها مبادئا وقواعدا وأحكاما مجردة في الذهن  أي أن دراسة السيرة النبوية ليست سوي عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة في مثلها الأعلى محمد صلي الله عليه وسلم وإذا أردنا أن نجزئ هذا الغرض ونصنف أجزاءه, فإن من الممكن حصرها في الأهداف التفصيلية التالية :
1-فهم شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم (النبوية) من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها للتأكد من ان محمدا عليه الصلاة والسلام لم يكن عبقريا سمت به عبقريته بين قومه ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده وتوفيق من لدنه.
 2-أن يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه. ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة، فإنه واجد كل ذلك في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم علي أعظم ما يكون من الوضوح والكمال، ولذا جعله الله قدوة للإنسانية بأسرها إذ قال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
3-أن يجد الإنسان في دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعنيه على فهم كتاب الله تعالي وتذوق روحه ومقاصده إذ أن كثيرا من آيات القرآن إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلي الله عليه وسلم ومواقفه منها.
  4-أن يتجمع لدي المسلم من خلال دراسة سيرته صلي الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق إذ لا ريب في أن حياته عليه الصلاة والسلام إنما هي صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.
5-أن يكون لدي المعلم والداعية الإسلامي نموذج حي عن طرق التربية والتعليم فلقد كان محمدا صلى الله عليه وسلم معلما ناضجا ومربيا فاضلا لم يأل جهدا في تلمس أجدي الطرق الصالحة في التربية والتعليم خلال مختلف فترات دعوته، وإن من أهم ما يجعل سيرته صلى الله عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الأهداف كلها أن حياته عليه الصلاة والسلام شاملة لكل النواحي الانسانية والاجتماعية التي توجد في الإنسان من حيث أنه فرد مستقل بذاته، أو من حيث أنه عضو فعال في المجتمع. فحياته عليه الصلاة والسلام تقدم إلينا نموذج سام للشاب المستقيم في سلوكه الأمين مع قومه وأصحابه كما تقدم النموذج الرائع للإنسان الداعي إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة, الباذل منتهي الطاقة في سبيل إبلاغ رسالته, ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة, وللزوج المثالي في حسن معاملته, وللأب في حنو عاطفته مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد, وللقائد الحربي الماهر, والسياسي الصادق المحنك, وللمسلم الجامع في دقة وعدل بين واجب التعبد والتبتل لربه والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية