الجزء الأخير من اللقاء في منتدى جامعة الإمام


س:بما أنكـ عالم متبحر في الاستشراق هكذا نحسبك فما الذي تراه إلى الآن يحتاج إلى مزيد بحث لأني كلما بحثت عن شيء فيه أجده مبحوثاً فتفضل بالإشارة علي مشكوراً مأجوراً بإذن الله تعالى.

    أعترض أولاً على كلمة متبحر فما معنى التبحر؟ لو تخصصت في الاستشراق في بريطانيا مثلاً لاحتجت إلى مثل عمري أعماراً. فما بالك بالاستشراق في عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا لا يا سيدي أنا بعيد عن التبحر. أما من قال لك إن كل الموضوعات في الاستشراق قد بحثت فهذا الذي قرأ عدة كتب مترجمة من كتابات المستشرقين وظن أن الفيل هو ساقه أو أذنه. ما زال هذا الميدان بكراً بكراً وفيه آلاف الموضوعات التي تحتاج إلى مئات الرسائل العلمية.

       رابطة دراسات الشرق الأوسط مؤسسة تعمل منذ عام 1967م إلى اليوم وعقدت عشرات المؤتمرات ونشرت المجلات ولها جمعيات وروابط تابعة لها مثل جمعية دراسات الخليج، ورابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط، وجمعية دراسات المغرب العربي وغيرها كثير. ويحضر مؤتمرها السنوي أكثر من ألف باحث فهل هناك دراسة لمثل هذه المؤسسة.

      الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط EURMES تأسست في السبعينيات وتجمع الدول الأوروبية المختلفة وتقعد المؤتمرات والندوات وغير ذلك وله قانون وعضوية وما إلى ذلك ألا يمكن دراستها خلال هذه السنوات الطويلة التي زادت على ثلاثين سنة حتى الآن.

      الجامعات الغربية منحت مئات أو على الأصح آلاف الدرجات العلمية من ماجستير ودكتوراه وتخرج فيها الألوف بالبكالوريوس كما قدمت مواد دراسية التحق بها الألوف من غير المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية هل درسناها....

       الحكومات الغربية قدمت الدعم للدراسات العربية والإسلامية ودراسات الشرق الأوسط وما تزال هل تمت دراسة مثل هذه القضايا؟ والله إنها تستحق الاهتمام ونحن غافلون في العالم الإسلامي عن دعم دراسات الشعوب الأخرى نكتفي في غالب الوقت باستئجار أو بتكليف من يقوم لنا بدراسات حول الدول الأخرى أو لا نعطي مثل هذه الدراسات ما يستحقها.

      لأضرب لك المثال بجامعة الإمام كان فيها الدكتور سمير عبد الحميد نوح أستاذ مصري متخصص في اللغة الأردية وثقافتها وآدابها وعمل في الجامعة ما يزيد على عشرين سنة لم تستطع الجامعة أن تبتعث شخصاً واحداً أو عشرة ليحلوا محله إذا غاب. صحيح أن صلاته الشخصية بوكيل الجامعة للدراسات العليا السابق كانت قوية ولكن ماذا لو أعطت الجامعة منحة أو منحاً لعدد من الطلبة ليدرسوا اللغة الأردية إذا كانت مهمة- وهي مهمة بلا شك- أو إن سمير عبد الحميد سيبقى معهم إلى الأبد أو هم من قول الشاعر

إذا مت ظمأنا فلا نزل القطر

 س: ماذا عن حياتك الجامعية (البكالوريوس) كيف كنت َ في قاعة المحاضرات؟ وكيف كنت تدرس؟ وماذا عن أيام الاختبارات؟ وهل كان لك نشاطات أثناء دراستك؟

      درست المرحلة الجامعية مرتين إحداهما في أمريكا حيث ابتعثت بعد الثانوية العامة، وكانت البعثة لدراسة الإدارة الصناعية ولكن كان الأهل يريدون طبيباً أو مهندساً فبدأت في كلية صغيرة درست الرياضيات والكيمياء وبعض المواد العلمية كما درست علم نفس وجغرافيا ومرت السنة على خير  وفي الصيف التحقت بجامعة أوريقن بمدينة يوجين فدرست مادة الأحياء ومادة الكتابة الإبداعية ومادة أحياء مختبر، ومادة معمل علم نفس. وكنت منسجماً مع الدراسة وأتقدم بطريقة طيبة، ثم شاء الله أن أنتقل إلى جامعة أريزونا الحكومية بمدينة تمبي ولم أكن مسروراً فمستوى تلك الجامعة أقل من مستوى جامعات أوربجن، فسجلت بعض المواد العلمية وبعض المواد في الأدب الإنجليزي ونجحت في المواد الأدبية ولم أفلح في المواد العلمية، وكنت مازلت أحاول أن ألبي رغبة الأهل في دراسة الطب أو الهندسة ولكن كان ذلك صعباً فلم أشعر باستقرار نفسي ولا برغبة في دراسة الطب وبدأت أرى نفسي كاتباً. حتى إنني التحقت بالعمل في مطعم سكن للطلاب لغسل الصحون ومكثت في هذا العمل أسبوعين أو ربما أكثر وفكرت أنني كاتب (مشروع كاتب ومشروع طويل الأجل) فقررت أن أترك العمل مغسلاً للصحون، وكان معي زميل سعودي قدم على حساب أهله وكان قد ترقى في الوظيفة فصار يغسل القدور. ولذلك من مهامي في البيت أحياناً غسل الصحون ولكن أقول لزوجتي غسلي للصحون ليس مائة بالمائة خمسة وثمانين أو سبعة وثمانين وأحياناً تعيد غسل ما غسلت.

      ومن خلال دراستي لمواد في الأدب الإنجليزي التحقت بورشة الكتاب في الجامعة وكان لنا مشرف من الجامعة هو الدكتور جيمس قرينJames Green وقد أمضيت معهم وقتاً كانوا يلقبونني بالشاعر المقيم في أريزونا، وكانت لي كتابات عدوها شعراً مرسلاً حراً لأنني لم أتعلم الأوزان الإنجليزية أو الطريقة في الكتابة ولكن كانت تلفت انتباههم.

   ومضت خمس سنوات وإن كان قبلها جاءنا الملحق الثقافي عبد العزيز المنقور فقال ألا تريدون الحصول على شهادة عليكم بكلية كذا، أو كلية كذا فهم يعطون الشهادة على الحضور. وقد زرت أحد زملائي (كان مبتعثاً معي) فوجدته يدرس في قرية يربون الدجاج في الشوارع وكانت تقع على طريق الحافلة وينزل الناس على الشارع العام أو إن الحافلة كانت تقطع الشارع الرئيسي في تلك القرية. وحصل على الشهادة وعاد وتسلم المناصب فلا أحد يسأل من أين حصل على الشهادة وكيف. ولكني رفضت الفكرة ثم إنني أصبحت في ذلك الحين متمرداً على الشهادات وما إلى ذلك من الأنظمة وتمردت على فكرة ربط الشهادة بالعلم. حتى إنني في فصل اللغة الإنجليزية للطلاب الأجانب قلت للمدرسة ذات مرة لقد مللنا من محاضراتك ما رأيك أن نجعل هذه المحاضرة للترفيه، فقالت كن المسؤول عن الفصل وافعل ما شئت فكتبت على السبورة لماذا نحن هنا؟ هل نريد الشهادة أو العلم، ودار نقاش حاد بين من يقول جئنا للشهادة ومن يصر أنه جاء للعلم. وعدت بعد خمس سنوات وظن والدي أنني أحمل شهادة فأقام لي حفلة ودعا إليها الأقارب والأصدقاء فرحاً بعودتي ظافراً ناجحاً ولم يكن والدي يعمل أنني عدت خالي الوفاض لا أحمل شهادة ولا يحزنون، وعرف بعد ذلك فكانت صدمته شديدة وبكى ثم فكر أنني عدت سليماً غير مدمن للمخدرات أو الخمور وأنني بصحة طيبة. وشاء الله أن أحصل على البكالوريوس ثم حضر والدي رحمه الله مناقشة رسالتي للماجستير واستضاف وزير الشؤون الدينية في الجزائر في بيته (كنت خارج المدينة حينها) وكان الوزير يحمل في يده كتابي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودروها في الحركة الوطنية الجزائرية وكان هذا مبعث سرور لولدي، وشهد والدي بدايات كتابتي في الصحافة فكان لا يعلق بالنقد على الرغم من أنني كنت مبتدئاً وكان يمكن أن ينتقد فهل حس أدبي وذائقة رائعة وهو يستطيع أن يكتب لو أراد ولكنه كان عازفاً عن هذا الأمر. ولكن كنت أرى نظرات الأب الحنون المشجع، وكان يقول اكتب ولا يهمك أن ينشر لك فسيأتي يوم تجد نفسك في مكان بارز من الصحيفة. وهو لم يشترط أن أتعلم أو أطور نفسي لأنه ربما كان يعلم أنني سأفعل هذا بلا شك. لأن هناك كتاب يبدأون ويبقون على مستوى واحد فتكون خبرتهم سنة مكررة عدد من المرات.

     أما في قاعات المحاضرات فكان الأمر يعتمد على المحاضرة ومن المحاضر ففي مرات كنت أجلس في آخر القاعة وربما أشرب الشاي وأنشغل بأي أمر، وذات يوم نمت في المحاضرة حتى خرج الأستاذ وجاء أستاذ آخر وطلبة آخرون. ولكن في محاضرات أخرى أكون من أكثر الطلاب إنصاتاً للأستاذ وتفاعلاً مع المحاضرة، حتى إذا كنت في جامعة الملك عبد العزيز وأبديت اهتماماً بالدراسة كان أحد الأستاذ وهو الدكتور حسن حبشي رحمه الله يقول أنت نبيه جداً أو ذكي جداً وبالإنجليزية Brilliant   

     كنت أقضي وقتاً طويلاً في الدراسة أقرأ وأقرأ وأحياناً أختبر نفسي كتابة وأحياناً أظن نفسي حفظت وما حفظت شيئاً وأذكر أنني كنت منتسباً لقسم التاريخ ونصل إلى آخر العام وأقرأ المذكرة من أولها إلى آخرها وأظن أنني حفظتها وأكتشف أنه ليس في مخي شيء منها. وذاكرت مع أحد زملائي وهو الأستاذ فيصل براده ومع زميل آخر نسيت اسمه كان أستاذاً في مدرسة الفلاح بجدة وهو يمني.

     وكنت لا أخاف الاختبارات (وعلى مبدأ أن ثلاثة لا يخافون الطفل والمجنون والملك) فأنا أحدهم. أو الحقيقة كنت أشعر دائماً بثقة كبيرة وأقول أنا لا أبحث عن النجاح فالأغبياء والكسالي يبحثون عن النجاح كنت دائماً منذ المرحلة الابتدائية أبحث عن التفوق وأصور الأمر كمن يريد أن يقفز فوق حفرة فإن كان يريد أن يصل إلى الطرف الثاني فقد يسقط وأما إن كان يريد أن يتجاوز ذلك بكثير فلا بد أنه يتجاوزها وقد يصل إلى هدفه. ولذلك أحب القفز الثلاثي.

    نعم كان لي نشاطات أثناء الدراسة لأنني دائماً أحب أن أخرج عن المألوف ولكن كانت نشاطاتي ثقافية فكرية وليست رياضية أو اجتماعية، وعلى الرغم أنني تعلمت البلوت في أمريكا (كانت الشهادة الوحيدة) لكنني لم أكن مغرماً به حيث إني لا أعتقد أن يضيع الإنسان طاقته العقلية في متابعة كم عدد الأوراق التي نزلت من الأسود السبات أو الأسود الشرية أو الأحمد الديموند، أعتقد أن مثل هذا الأمر سخافة ولكني ألعب للتسلية.

س: بحكم تخصصك في الاستشراق ما تقييمك لمؤسساتنا الثقافية مقارنة مع المؤسسات الثقافية الأمريكية !هناك تجد الدعم المادي من قبل الحكومة فيما يتعلق بالدراسات حول الإسلام و المسلمين باختلاف الأسباب و الابحاث المقدمة من قبل تلك المؤسسات أدت الغرض !و هنا أيضا نجد الدعم المادي من قبل الحكومة ,, فأين الخلل ؟!

      وهذا سؤال كبير أيضاً فالفرق كبير بين مؤسساتنا الثقافية ومؤسساتهم، أول الخلل عندنا هو في فهمنا معنى المؤسسة الثقافية فالمؤسسة الثقافية لها أهمية رسالة كبرى في نشر الوعي والثقافة وفي تشجيع البحث العلمي والتفكير وبحث المشكلات التي يعاني منها المجتمع، والمؤسسة الثقافية لا تعمل إن لم يكن لها ميزانية حقيقية وفيها شفافية ومحاسبية، ثم يأتي موضوع اختيار المسؤولين عن إدارة تلك المؤسسات، فالمعروف عندنا يؤخر الكفاءة ويقدم مواصفات أخرى. فهذه بداية الفشل. لقد رأيت حالة الأندية الأدبية لقد وقفت أمام شباك يعرض الإنتاج الذي نشره أحد الأندية الأدبية فوجدت أن معظمه لأعضاء مجلس إدارة النادي الذين لا يتغيرون حتى الممات، لا يزيدون ولا ينقصون كما قلت إلاّ بالموت. وبقي بعض الرؤساء سنوات طويلة جداً على الرغم من أن صلتهم بالواقع قد انقطعت وأصبح بعضهم منتهي الصلاحية. وفي رؤساء تحرير الصحف أيضاً نعاني وعانينا من رؤساء تحرير صحف لا يتغيرون حتى بعد ثلاثين سنة. وأذكر أحدهم كان ينشر مقالات عن صحافتنا والصحافة الغربية، ولم يكن يستحي أنه ترأس تحرير صحيفة كبرى ولم يقدم الكثير لتخريج قيادات صحفية أو مواهب صحفية بل عرف عنه أنه لا يظهر صحفي متميز حتى يحيك له مؤامرة يخرجه من الصحيفة.

س:حدثنا عن مركز المدينة ,, هل أدى الغرض من إنشائه ؟ و هل يلقى الدعم اللازم ؟!

     لست أنا من يقول أنه أدى غرضه أو لا ، ولكني من خلال رسائل القراء وعدد الزوار ومتابعة العلماء والباحثين وزياراتهم المتكررة. بل إن كثيراً من الزوار يظن أن هذا المركز يقوم عليه هيئة وعدد من الباحثين والمشرفين والعاملين، وهو مركز لشخص واحد فقط، وقد قام أخ سوداني بتصميم الموقع لأول مرة ثم تم تطويره على يد زوجتي خديجة رفوح جزاها الله كل خير، ولكن قلة خبرتي بالتعامل مع الإنترنت أضاع علينا اسم النطاق القديم فضاع الموقع وإن كان لدينا نسخًاً منه. أشعر أحياناً أنه أدى الغرض ولو أحببت الحديث لقلت الكثير عن نجاحات المركز ولكن الطموح أن يكون أكبر من تلك النجاحات تجعلني ما زلت أتطلع إلى تطوير أكبر وأكبر من الوضع الحالي. ولكن تقدمت بهذا المشروع إلى مجلس البحث العلمي للنظر في احتسابه عملاً إبداعياً وإعطائه نقطة في الترقية فرفضوا لأسباب لم أفهمها. وفي جامعة أمريكية الجامعة ترعى موقعاً لأستاذ مسلم والموقع هو الأضخم عن الإسلام في الإنترنت وهو للبروفيسور ألن عبد الحق قدلاس Alan Godlas وعنوان الموقع www.uga.edu/islam فمن يرغب فليطلع عليه، وكنت كتبت عدة مرات لمدير جامعة الإمام للاطلاع على الموقع وتبني الجامعة له وقلت له كلاماً مجاملة (يتطلع الموقع لتوجيهات معاليكم) – وهو في الحقيقة لا يملك أن يوجهه على أي حال- فلم يرد وفي آخر مرة رد علي بشكري على تهنئته بشهر رمضان ولم يذكر الموقع بكلمة، ومرة كنت أمشي خلفه بعد صلاة الظهر وقال لأحدهم ساخراً (تبي تعرف عن الاستشراق للدكتور مازن موقع خاص بالاستشراق) وعرفت أنها سخرية ولكن سكت وكان علي أن أرد السخرية بسخرية مثلها ولكن أحياناً تضيع منّا الشجاعة أو يكون في ذهننا الخوف من عدم تحقيق مطلب آخر نراه أهم. ولكن لا بد من الشجاعة دائماً.

س: هل سبق لك زيارة جامعة برينستون ؟! و هل تؤيد بافتتاح قسم يعنى بدراسة الغرب على غرار الـ Near Eastern Studies ؟

     نعم زرت جامعة برنستون مرتين أولاهما في أثناء بحث الدكتوراه  عام 1408هـ (1988م) والثانية عام 1415هـ (1995م) عندما كنت ضيفاً لبرنامج الزائر الدولي حيث رتبت لي وزارة الخارجية الأمريكية وبخاصة وكالة إعلام الولايات المتحدة بترتيب من القنصل الثقافي في جدة جون موران أن أزور عدداً من أقسام دراسات الشرق الأوسط ومعاهده في أمريكا وكنت وحيداً في هذا البرنامج وهو أمر لا تفعله الوزارة عادة حيث معظم البرامج لعدد من الأشخاص. وفي الوقت الذي كنت وحيداً كان محمد عابد الجابري وبعض أقطاب الفكر العلماني في مجموعة من ستة أشخاص.

    وبخصوص افتتاح قسم أو أقسام لدراسات الغرب فهذا حلم لي منذ مدة طويلة ولعلي حاولت تقديم الفكرة في مقالاتي بعد عودتي من أمريكا التي نشرت في مجلة المجتمع بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) عام 1395هـ(1975م) ثم أعدت نشرها في كتاب بعنوان رحلاتي إلى أمريكا ثم قدمت محاضرة في النادي الأدبي بأبها بعنوان (المعرفة بالآخر دراسة للظواهر الاجتماعية في الغرب) ونشرت في كتاب بعنوان الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية ونشرت في طبعة ثانية مزيدة ومنقحة. وقد نشرت مقالة بعنوان (متى ينشأ علم الاستغراب؟) نشرت في مجلة الفيصل وفي مجلة أهلاً وسهلاً، وانظري الموقع في قسم الاستغراب. وظهرت في قناة المجد في برنامج (ساعة حوار ) مع فهد السنيدي في حلقة بعنوان (فقه الاستغراب) وكذلك في قناة إقرأ، وأعددت مشروعاً لإنشاء أقسام الدراسات الإقليمية ومراكز البحوث في الجامعات السعودية في مركز الملك فيصل، وشاركت أخيراً مع مؤسسة المملكة لدعم فكرة إنشاء مركز الدراسات الأمريكية في إحدى الجامعات السعودية. وأرجو أن يتحقق مثل هذا الحلم. وللطرافة فجامعة الإمام كان فيها خبير باللغة الأردية وثقافتها وتاريخ بلاد الهند مدة عشرين سنة ولم تستطع الجامعة لذكائها المفرط أو ذكاء الخبير المصري المفرط أن تعد من يخلفه إذا غادر الجامعة. ولكن كان لهذا الخبير مؤهلات أو علاقات شخصية مع كثير من المسؤولين في الجامعة وبخاصة وكيلها للدراسات العليا والبحث العلمي، وكان من الصعب الاستغناء عنه. ولكن إعداد خبير بديل لم يكن ليؤثر على تلك العلاقة فما يضر الجامعة لو كان فيها اثنان.
س: تخصصك في الاستشراق واهتمامك بالعلاقة مع الغرب عموماً كيف ترى هذه العلاقة وبخاصة في ضوء الحملات العسكرية على بلاد المسلمين، وحرص الغرب على السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية على العالم الإسلامي؟

    شاركت في مؤتمر في جامعة فيلادلفيا بالأردن قبل سنوات في موضوع ثقافة الخوف، وكان موضوعي هو: (الإسلام والغرب أيهما مصدر الخوف) وكان لا بد من تقديم الافتراض والعمل على تقديم الأدلة والبراهين أو الحقائق. وسبقني باحث من ألبانيا تحدث عن مصائب الغرب في سكوته عن المجازر التي ارتكبت في البلقان. فقلت سأبدأ بالقول إن الفرضية إنما هي حقيقة فالغرب هو مصدر الخوف. وقد بدأت بالقول (لقد قال دومينيك شوفالييه)-مستشرق فرنسي ألقى كلمة افتتاحية- أيها العرب إن لم تملكوا القوة فإن عدوكم يزداد قوة وتزدادون ضعفاً، وأضيف وعلينا بالتالي الانسحاب من معاهدات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التي اسميها معاهدات الذل. وأضيف أن أحدهم تساءل كيف يرقأ لكم جفن وتغمض لكم عين وجارتكم إسرائيل تملك مئات الرؤوس النووية؟ وبعد أشهر قرأت للشيخ عائض القرني يرسلها صرخة مدوية : "أسرعوا أيها العرب إلى امتلاك القوة"

      الغرب غزت قواته بلادنا فاحتل العراق وهو يحتل أفغانستان وفلسطين محتلة وكشمير تعاني والمسلمون في الصين يعانون وفي بورما. العالم الغربي قامت قيامته وهدد إندونيسيا إن لم تعط تيمور الشرقية استقلالها ورضخت إندونيسيا فمن للعرب والمسلمين إن لم يمتلكوا القوة ويستعيدوا حقوقهم بأنفسهم. ولكن تحقيق القوة العسكرية لا يمكن أن يتم حتى تتحقق القوة الداخلية أي أن تصبح العلاقات بين الشعوب والحكومات علاقات طبيعية تكفل فيها هذه الحكومات كرامة المواطن وحريته، الكرامة التي قال الله فيها في كتابه الكريم (ولقد كرّمنا بني آدم) والحرية التي قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) فالشعوب العربية والإسلامية اليوم مستعبدة بالرغيف فهذه بلاد يجري فيها النيل العظيم ولا تزرع القمح بل تزرع الفراولة أو تستورد الحبوب من إسرائيل على يد وزير زراعة ضالع في هذه الأمور... نحن بحاجة إلى اليقظة الحقيقية حكاماً ومحكومين. إلى متى تغرق الشعوب العربية والإسلامي في اللهو والترف؟ لقد قدم الاتحاد الأوروبي (العظيم) أضخم جائزة في أضخم مسابقة لاكتشاف مواهب الغناء في العالم العربي وأشرفت عليها إذاعة مونتي كارلو ، إلى متى إلى متى؟


س: لماذا لا تدرس (الثقافة الإسلامية ) في المرحلة المتوسطة والثانوية؟؟ لأنني لاحظت أنها تُــقــوي تعلق الإنسان بربه ودينه.

    نحن ندرس كثيراً من الإسلام ولكن تركيزنا على آلية الدين أو الجانب العملي مثل أركان الصلاة وواجباتها وسننها وواجبات الوضوء وسننه ونواقضه، ولكننا لا ندرس روح الصلاة بل لا ندرس روح الدين عموما. يجب أن نعرف هذه المسائل ومسائل الاعتقاد ولكن هناك بعد أعمق لدراسة الدين لا ندرسه في مدارسنا فحالما يخرج الواحد منّا خارج حدود المملكة لا نعرف كيف نرد على من يلقي علينا أية شبهة. لقد كتبت مقالة طويلة لمجلة فرنسية حول هذا الموضوع وأرجو أن أجدها قريبة لأنقل منها بعض الكلمات. ولكن المشكلة أن الذين وضعوا المناهج لديهم همٌّ واحد وهو أن يحشوا أدمغة الأطفال بمعلومات عن الدين دون فهم حقيقي لروح الدين. لقد اكتشفت روح الدين عندما حاورت الغربيين وحينما رأيت حياتهم وحينما قرأت لمن أسلم منهم. ألم يقل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (لم يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية)

س سبق وأن شعرت بغربة عميقة تجتاح استقرار ذاتك ..تجعلك تشعر بالتشتت أو ربما الشعور بالفقد لأشياء تجهلها ولكنك تشعر بالحاجة إليها في أحد مراحل حياتك..؟! وإن لم يحدث ذلك لك..هل ترى من الطبيعي أن تشعر الروح المناضلة في هذه الحياة بمثل هذه البراكين أحياناً؟!

     أكاد أقول إن كل مراحل حياتي غربة، غربة بدنية وغربة عقلية ونفسية، بدأت الغربة من المرحلة المتوسطة حين انتقلت من الكرك بالأردن إلى المدينة المنورة فكنت أرتدي البنطلون فسمعت من كان يقول لي (أبو شام) ودخلت المدرسة فكانت لهجتي مختلفة فلم أتعلم أن أنطق الكلمات بالساء بدل الثاء ولا بالزاي بدل الذال، ولا أعرف أن أقول يا واد، وكانت غربتي أكثر حين وجدت صراعاً على من يستطيع أن يسيطر على غيره أخلاقياً ولا أخلاقياً فانطويت على نفسي وتركت الاختلاط بزملائي إلاّ قليلاً جداً، بل إنني كنت لا أعرف الخروج من البيت إذا غربت الشمس، وكان والدي يرى أني مثل البنت في البقاء في البيت. ولكن إذا كنت لا أمتلك النفسية المقاتلة أو محبة القتال البدني فماذا أعمل. ولكن استطعت المحافظة على قوتي العقلية بأن كنت أقضي وقتاً طيباً في القراءة والاطلاع. وكان والدي رحمه الله يصحبني معه في رحلاته مع زملائه وذات مرة سمح لي أن أذهب معهم لمشاهدة السينما (كانت في حوش أحد المنازل في حي من أحياء المدينة) وسمح لي مرة أن أرافق أحد زملائه لأداء العمرة.

     وعندما وصلت الثانوية كانت غربتي تشتد فثلاث سنوات لم أعرف طريقاً لمقصف المدرسة أو البوفيه، والسبب أنه لم يكن لي مصروفاً ثابتاً وكانت نفسي لا تطيق أن يضيفني أحد ولا أستطيع أن أرد دينه، فكنت أقضي تلك الأوقات في الفصل أو في المكتبة.

     وزادت الغربة حين سافرت إلى أمريكا وكان الأهل يدفعونني إلى دراسة الطب أو الهندسة ودرست العديد من المواد العلمية من رياضيات وفيزياء وكيمياء وحتى كيمياء حيوية وعلم النبات وعلم الحشرات والتشريح. وكنت أدخل قاعة المحاضرات وأخرج فالطلاب عادة يبحثون عن طالبة جميلة يتعرفون إليها، وما كنت أتقن هذا الفن، والأمر الآخر أنني لم أكن أؤمن بالعلاقات السريعة هذه القائمة على الكذب والخداع –في غالبها- إلاّ التي يصدق فيها الطرفان ويريدان الزواج حقاً ولكن دون عمل المحرمات، فكم من مواد دراسية درستها لم أتعرف إلى أحد. وما أصبح لي معارف وأصدقاء من الأمريكيين إلاّ عندما بدأت أدرس اللغة الإنجليزية وفي ذات مرة تحدثت أستاذة المادة عن الوجودية وكانت تتحدث بالذات عن قصة الحائط لجان بول سارتر فأخذت تطعن في الوجودية، وما كنت أعرف ما الوجودية ولكني اعترضت أن تستغل الفصل الدراسي لعرض أفكارها الخاصة، فقالت سألني أحد الطلاب عن رأيي، فأجبت ولكن نحن ستة وثلاثون طالباً ولو كل واحد سألك عن رأيك في قضية لما عرفنا ما القصة القصيرة ولما درسنا المادة. فردت في الأخير بإصرار هذا فصلي وأنا أعمل فيه ما أريد. وهنا تجرأ عدد من الطلاب عليها ولكنهم عادوا ليعتذروا لها خوفاً على درجاتهم، فقابلت بعضهم فقلت لهم أنتم منافقون لماذا الاعتذار، ولما لم أعتذر فقد حصلت على مقبول فقط ( D) وفي تلك الجلسة سأل أحد الطلاب عن دفتر كنت أحمله فكان فيه بعض خربشاتي (التي أطلقوا عليها شعراً) فدعوني للمشاركة في ورشة الكتاب، وهنا كانت لي علاقة بعدد منهم استمرت سنوات طويلة وحتى بعد أن عدت كانت بيني وبين اثنين منهم مراسلات.

      وكان من مظاهر الغربة في أمريكا أنني كنت أرى معظم الطلاب هناك يلهون أكثر مما يدرسون وحتى إني شاهدت المسؤولين في جمعية الطلاب العرب يلعبون القمار ويشربون فتعجبت من النضال الذي يزعمون كيف يتفق مع هذه السلوكيات المنحرفة. وكذلك كنت أحمل في يدي دفتراً أسود أدون فيه ملاحظاتي ومشاهداتي فاعتقد بعضهم أنني أتجسس عليهم، ومن الغباء أن الذي يتجسس يحمل معه دفتراً ليدون أمام الناس، ولكن لم تنعقد بيني وبينهم صلات، كما أن الحياة المادية في الغربة أو التي تحول إليها كثير من الطلاب أبعدتني عنهم.

         وربما كانت أشد غربة حين ظننت أنني وجدت المكان المناسب وهو المعهد العالي للدعوة الإسلامية بل كان اعتقادي أنني جئت لأعيش حياة الصفاء والطهر والنقاء، حياة أشبه بحياة الصحابة الكرام، وكنت متقدماً في السن وعرفت المال الوفير والسفر وكانوا أغلبهم أصغر مني سنّاً وطموحاتهم تختلف عن طموحاتي. فعرفت كيف يمكن أن يكون الدين ستاراً وفرصة لكسب العيش وليس للدين نفسه.

تجتاحني الغربة كثيراً عندما أفكر في مسيرتي في الحياة وأين أخذتني وأين يمكن أن أكون، وأسمع عن أخبار بعض زملائي، بل حدث أن اجتمعت ببعضهم فرأيت أننا نعيش عوالم مختلفة.

      بل إن الغربة هي الشيء الجميل في حياة الإنسان ففي الحالات التي أشعر فيها بهذه الغربة تكون الفرصة لمعرفة موقعي في هذه الدنيا وأين وصلت وإلى أين أريد أن أصل، ولكن هل الإحساس بالغربة جزء من حياة الكفاح والعمل والإنجاز؟ لا أعرف كيف يشعر غيري ولكني أستمتع بالغربة وأحياناً أحب لحظات الضياع حين أسير في شارع في مدينة ما ولا يعرفني أحد ولا أعرف أحداً فأهيم على وجهي دون أن يكون لي أي هدف. ولكنها لحظات مؤقتة حيث إن كل هذه اللحظات لا بد أن تنتهي لأعود إلى واقعي وما ينبغي أن أفعل لأواصل مشوار الحياة.

س: عندما تهدأ عواصف العمل الشاق والسير نحو الطموح بالوصول هل تشعر بالسعادة والفخر..أم بالفراغ الموحش؟!

    أشعر بكثير من الارتياح عندما أشعر أنني حققت بعض طموحاتي وآمالي وتعلمت شيئاً جديداً، فمن اللحظات السعيدة أنني تغلبت إلى حد كبير على الرهبة والخوف في أثناء إلقاء المحاضرات أو المشاركات في المؤتمرات والندوات. وكانت أول محاضرة عامة لي في النادي الأدبي بالمدينة المنورة حيث ذهبت إلى رئيس النادي الأستاذ محمد هاشم رشيد رحمه الله فأخبرته أنني أريد أن ألقي محاضرة عن رحلتي العلمية إلى أمريكا والتي اقترح علي الدكتور أحمد الخراط أن أسميها (من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر) وقد أعددتها في عشرين صفحة مكتوبة بخط اليد في أوراق توضع في ملف –كنت أستعمله منذ عملي في الخطوط السعودية ومنذ دراستي في أمريكا، فوافق. وهنا أتعجب ما الذي جعلني أذهب وأطلب أن أحاضر وكانت تجربة مخيفة فيها كثير من التوتر وكان ريقي جافاً منذ اللحظة الأولى وحضر فيها شخصيات مهمة في المدينة المنورة منهم الدكتور أكرم ضياء العمري ومشرفي الأول في الدكتوراه وبعض أساتذة القسم وابني غيث، وعلى الرغم من توتري تقول خديجة إن صوتي كان واضحاً ولم يكن يبدو علي الارتباك. فشعرت بعد انتهائها بإنجاز ولكن بتحفز وتطلع متى تكون التجربة الثانية حتى أرى كيف يتطور أدائي، ولكن لم أشعر أبداً بفراغ  موحش لأن الأفكار الجديدة تظهر مباشرة وأحياناً كثير من الأفكار تظهر بلا موعد وسأحكي إن شاء الله في بداية الحلقة الثانية قصة مشاركتي في برنامج (حوار بلا أسوار) مع جاسم المطوع في بيروت.

س:  كثير من الصور البائسة تمر علينا ونحن نلهث في طرقات شتى لإرضاء عقولنا الطامحة... أخبرني هنا من فضلك كيف نتحرر من الشعور بالذنب والمسئوولية تجاه هذه الصور التي تلقي بلومٍ متعب على قلوبنا الرقيقة تجعلها تشعر برغبة شديدة بالصراخ في حين تلتفت عقولنا لترى أن ذلك جلداً للذات لا نستحقه من أنفسنا..؟!

     أنت تعرفين أن مصائب البشر ليست في مأساوية العيش وفقدان الكرامة بسبب تلك اللقمة، ولذلك أجدني أحياناً لو قبلت أن يمسح أحدهم حذائي فإني أقدم له ما يمكن أن يجمعه في ذلك النهار كله. وكم رأيت من الصور الحزينة ومعها رأيت بعض المؤمنين بالله، جاءني ذات يوم من يريد أن يساعدني في حمل بعض الخضروات فقلت له لا أحتاج أحد فانصرف وهو يقول الرزق على الله، فأثر في فعدت إليه لأقول أرجو أن تحمل أغراضي فكان له رزق عندي وأعجبني عفافه واغتناءه بالله عز وجل.

   لا يملك الإنسان الحساس المفعم قلبه بحب أخيه الإنسان وبخاصة الحب الذي أساسه رابطة العقيدة أن يتألم وتحسر ويندم على ما يرى من مآسي بل أحياناً يصل بنا الغضب لأمور نرى أنها تمس جوهر وجودنا وتاريخنا وتراثنا، لقد مررت بشارع ضيق أو زقاق تخيلت فيه أزقة المدينة المنورة القديمة فانفعلت وأنا أتحدث كيف تحولت المدينة المنورة وبخاصة بجوار الحرم النبوي الشريف إلى غابات الإسمنت المسلح. الشعور بالذنب يأتي عندما يكون الإنسان طرفاً في مصيبة حصلت لغيره أو لسكوته عما يرى من كوارث، ولكن إذا كان له قلب يقظ وحساس فإنه ينكر بقلبه ثم ينكر بلسانه وقلمه. فلا أتوقف كثيراً للوم لأن اللوم يعطل عن العمل ولكن أسعى إلى بذل الجهد والطاقة لأداء رسالتي.

س: ما نصيحتك للطلبة المبتعثين للدول الغربية ؟وما أسباب انبهار بعض المبتعثين بالغرب حتى أنهم يرون كل ما في الغرب حسن وجميل . وما سبب تنازل بعض المبتعثين عن قيمهم ودينهم وعن اعتزازهم بالإسلام؟

    النصيحة الأولى: هي أن يختار الرفقة الطيبة عملاً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الرفيق الطيب والرفيق السوء. فإما أن يكون معه أصحاب وأصدقاء ممن يذكّره بالله أو آخرون يقودونه إلى مواطن الفساد وما أكثرها في كل مكان الآن. ومن الأماكن الطيبة التي يبحث فيها عن الأصدقاء أن يحرص على المسجد والتعرف إلى رواد المساجد فهم بإذن الله أبعد عن الرذيلة والفساد.

      النصيحة الثانية: فهي أن يعلم أنه جاء إلى هذه البلاد من أجل رسالة سامية وهي تحصيل العلم، وما أكثر أبواب العلم هنا، فهي لا تنحصر في الدروس التي يتلقاها في معهد اللغة والجامعة بل هناك المكتبات والمتاحف ومن خلال الصحافة والإعلام والمحاضرات والنشاطات الثقافية في الجامعة.

   النصيحة الثالثة: أن يدرك أنه يحمل رسالة سامية  وهذه الرسالة لا تنحصر في أن يحصل على الشهادة وأن يبدع في تخصصه فيحصل على كل ما يستطيع من علم في تخصصه، فهو مسؤول عن تبليغ رسالة الإسلام عملاً بقوله تعالى (قل  هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرئً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فرب مبلغ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، ولا شك أن تبليغ رسالة الإسلام في مثل هذه المجتمعات (الغربية) له شروطه وهي أن نفهم العقلية الغربية وما الطريقة الأنسب لتبليغ هذه الرسالة، فهي عقلية تؤمن أولاً بالمصالح المادية الدنيوية، وهي عقلية كما يقال نفعية، وثالثاً هم لا يؤمنون برسولنا ولا بأنه مرسل من عند الله. وأما من الناحية المادية فهناك تشريعات إسلامية تضع الحلول لكل مشكلات البشر أينما كانوا وفي أي زمان. ولكن قبل أن ننطلق في الدعوة لا بد أن نكون نحن على قناعة عالية بصدق الرسالة وأنها الرسالة الخاتمة التي جاءت لتتم وتهيمن على الرسالات السابقة. وليس الإيمان فحسب ولكن الاعتزاز والاعتداد بهذه الرسالة وما جاء فيها في كل المجالات.

      ومن وسائل الدعوة إلى هذا الدين أن نعرف حال المدعويين وما يواجهونه في حياتهم وما يعانون منه. فقد يتهمنا أحدهم بأن الإسلام يسمح بضرب المرأة وأن المرأة مضطهدة فلا يسرع الإنسان إلى الدفاع عن الإسلام أو الوقوف في موقف الضعف فليقل إن الإسلام جعل الضرب غير المبرح الذي لا يزيد أن يكون بعود سواك بعد مراحل ثلاث الوعظ والهجر ثم الضرب، ويرجع إلى الحديث الشريف أن الذين يضربون نساءهم لا يكون من خيار المسلمين، ثم يذكر كيف أن الضرب ليس الأمر الشائع ولكنه النادر جداً، ولكن ماذا عن المرأة في الغرب والعنف ضدها، لقد دخلت موقع مجلة أمريكية في علم النفس فكتبت عبارة (العنف ضد المرأة) باللغة الإنجليزية ولو فعلت الأمر نفسه في قوقل لوجدت عجباً تشيب من هوله الرؤوس. ثم لينظر الإنسان في وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم التي تأمر بالإحسان إلى المرأة، واضطهاد المرأة إن حدث بين المسلمين فليس مردّه إلى الإسلام ولكن الابتعاد عن الإسلام هو السبب. هذا فقط أنموذج سريع وإلاّ فإن الأمر يحتاج إلى تفصيل وتفصيل.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية