ما ذا يقرأ أبناؤنا ؟

     
    كلما صحبت أبنائي إلى أحد المراكز التجارية أو البقالات المجاورة لمنزلنا طالبوا بشراء بعض المجلات الخاصة بالأطفال، فيسرني ذلك أيما سرور لأنني أجد أن التلفاز أو غيره من وسائل الترفيه لم تشغلهم عن القراءة . ويسرني أيضاً أن اتهامنا للأطفال جميعاً بالعزوف عن القراءة ليس صحيحاً تماماً . ولكني حين أعرف المجلات التي يرغبون منّي شراءها لهم يحزنني أنها لا تكاد تخرج عن بعض أسماء شخصيات أفلام كرتونية اخترعتها والت ديزني أو غيرها من شركات الإنتاج الغربية. ومن هذه مثلاً" ميكي" والملك الأسد” و " علاء الدين" وغيرها.هذا مع علمي بوجود مجلات جيدة مثل مجلة " سعد" و " باسم" و "ماجد" و " فراس" وغيرها.

    ورغبة مني في معرفة أسباب إعجابهم أشتري لهم بعض هذه المجلات - على مضض- لأراقب ما يقرؤون ، فأجدهم تستهويهم قصص البطولات والمغامرات والمسابقات بأنواعها. ولكن هذه المجلات تنطلق أساساً من ثقافة غربية تمجد القوة قبل أن تمجد الحق،  وتعتني البطولات قبل أن تمجد الأخلاق والقيم . وحتى وإن اهتمت بالأخلاق فإنها لا تربطها بالقيم الدينية . وهذه المجلات لا تحتوي على ذكر الله أبداً. كما إنني لاحظت أن هذه المجلات تشجع على إثارة الغرائز فلا بد أن تشترك المرأة أو الفتاة في المغامرات تختلط بالرجال وتتحدث معهم وهي في كامل زينتها مع أنهم ليسوا من المحارم. وهذا الأمر أكثر وضوحاً في أفلام الكرتون مثل" عدنان ولينا" وفي فيلم " علاء الدين " وفي غيرهما.

   وقبل أيام كنت في زيارة لصديق فوجدت في يد أحد أبنائه مجلة جميلة الإخراج والألوان ، فأخذ الصديق يمتدح المجلة وأن أطفاله أصبحوا متعلقين بها منذ أول عدد . فرغبت إليه أن يطلعني على العدد فإذ به يقدم إليّ مجموعة من الأعداد من هذه المجلة لأطلع عليها وأكتب عنها.

    إن هذه المجلة هي مجلة " فراس" التي بدأت منذ عدة أشهر عامها الثاني . وقد حرصت المجلة منذ الأعداد الأولى على أن تقدم للطفل كلما يتطلع إليه في المجلات الغربية أو المجلات العربية التي تأثرت بالفكر الغربي. وأضافت إلى ذلك أن قدمت السيرة النبوية الشريفة في حلقات متسلسلة ، كما قدمت بعض القصص التاريخي من التاريخ الإسلامي ،و اهتمت بترجمة بعض قصص المغامرات العالمية بعد استبعاد  بعض المكونات الغربية وتأكيد القيم الإسلامية ما أمكن.

    وبالرغم  من أن " فراس " في عامها الثاني لكنها لم تنل الدعاية اللازمة من قبل الناشرين  أو من شركات التوزيع التي من الممكن أن تحقق أرباحاً كبيرة لو اجتهدت في توزيعها في جميع منافذ التوزيع. ولعل الناشرين - كما هو حالهم في نشر الكتب- لم ينفقوا كما ينبغي على الدعاية . ولذلك فإنني أدعو هذا الناشر وغيره إلى تقديم أعداد من المجلة لعدد من الأساتذة المتخصصين في أدب الأطفال وفي شؤون التربية ليكتبوا كلمة أو كلمات عن المجلة . وحبذا لو عقد الناشر مؤتمراً صحفياً للإعلان عن المجلة فها هي شركات السيارات أو شركات استيراد العطور تعقد المؤتمرات الصحافية لعرض سيارة جديدة أو عطر جديد أفلا تستحق المجلة الجديدة أو الكتاب الجديد أن يعقد لها  وله مؤتمر صحافي للإعلان عنها؟ هل يكلف هذا الناشرون بعض المال؟ ألا يعرف الناشرون أن الكتاب أضحى سلعة تحتاج إلى الترويج كما تحتاج السلع الأخرى.

     ولعل من المناسب أن تهتم الأندية الأدبية بثقافة الطفل فلماذا لا تدعوا المتخصصين في الكتابة للأطفال بأن يعدوا محاضرات عن مجلات الأطفال الموجودة في الأسواق أو البرامج التلفزيونية وأن تختار أهل الثقة والأمانة؟ فهل لدينا ثروة أغلى من الطفل ؟

      لقد اهتمت الأمم الأخرى بثقافة الطفل فهناك عدد كبير من هذه المجلات في فرنسا وفي بريطانيا وفي الولايات المتحدة مقارنة بالمجلات التي تصدر في العالم العربي ، كما إن هذه المجلات التي تصدر في الغرب تعبر عن الثقافة الغربية وليست مستوردة. فإذا لم نتمكن من غرس الهوية العربية الإسلامية في أطفالنا في السنوات الأولى فمتى نستطيع ذلك؟

    وقد كتب الأخ الدكتور عبد القادر طاش قبل أسابيع حول الاهتمام الكبير التي تلاقيه مجلات الأسرة في الغرب  الآونة الأخيرة و رواجها في المجتمعات الغربية ، وقارن طاش بينها وبين المجلات التي تزعم أنها مجلات الأسرة في العالم العربي فنعى عليها إسفافها واهتمامها بسفاسف الأمور من صور الفنانين والفنانات وأخبار  الجريمة وأخبار الأزياء والموضة ، وإهمالها القضايا الجادة.وقد أحصيت في أحد أعداد مجلة تزعم أنها ( مجلة الأسرة العربية) أربعاً وخمسين صورة للفنانين والفنانات ، فتساءلت هل هؤلاء هم القدوة التي نريد لنسائنا وبناتنا؟

   وأعود إلى مجلة فراس فأقول حبذا لو قامت المدارس الابتدائية والمتوسطة للبنين والبنات بالاشتراك في عشرة أعداد لكل مدرسة ، وإن لم تتمكن هذه المدارس من الاشتراك في المجلة حين تنزل إلى الأسواق فإن هذه المجلة وسواها على استعداد لتقديم أعداد من الرجيع بسعر مخفض قد يصل إلى نصف القيمة، وما دامت المدارس تفيد من أرباح المقاصف في النشاطات الطلابية فهذه مناسبة جيدة لوضع هذه المجلة وغيرها من وسائل التثقيف والترفيه بين أيدي أبنائنا بدلاً من تركهم نهباً لمجلات ديزني لاند التي أثبتت حقدها على الاسلام والمسلمين بما أقدمت عليه مرات عديدة من تشويه لصورتنا في إنتاجها حتى إن الأستاذ محمد صلاح الدين دعا إلى مقاطعة منتجات هذه الشركة .
   وفي الختام أتقدم بالشكر للصديق الذي قدم إليّ أعداد مجلة فراس فإنها مجلة جديرة بأن نقدمها لأطفالنا، في المنازل وفي المدارس وليتيقن إخوتنا التربويون أنها لا تلهي أبداً عن الدراسة بل إنها ستكون عوناً لهم في تنشيط أذهان الأطفال وتشجيعهم في دراستهم في مختلف المواد الدراسية، وغن كان ثمة قرار بعدم الاشتراك في هذه المجلات فآمل أن يعاد النظر فيه ، والله الموفق. 

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية