الإجابة عن أسئلة الأستاذ خالد الغازي مندوب جريدة عكاظ بالأحساء



السؤال الأول: نود أن تتكرموا بإعطاء سيرة موجزة عن مسيرتكم العلمية والعملية؟
بدأت حياتي العلمية في المرحلة الابتدائية في مدينة الكرك بالأردن حيث كان للتعليم قدسيته وهيبته ومهابته، وحظيت مع التعليم بوالدين عظيمين  سعيا إلى أن يكون لأبنائهما شخصياتهم المستقلة. وأتممت التعليم الثانوي في المدينة المنورة وكان لطيبة الطيبة دورها في صقل شخصيتي العلمية وتوجيهي نحو دراسة العلوم. وشاء الله أن أحصل على بعثة دراسية لدراسة الإدارة الصناعية في الولايات المتحدة وكانت البعثة شبه مفتوحة بحيث كان بالإمكان دراسة أي شيء فدرست كثيراً من المواد العلمية على أمل أن ألتحق بكلية الطب فدرست الفيزياء والكيمياء والرياضيات والتشريح وغيرها من المواد العلمية ودرست أيضاً مواد في تخصص اللغة الإنجليزية وأكملت خمس سنوات دون الوصول إلى درجة علمية فقررت قطع البعثة والعودة إلى أرض الوطن آملاً أن أجد تخصصاً يستهويني.
وهنا وجدت أن الحصول على وظيفة يتطلب شهادة أي شهادة فقررت الالتحاق بالجامعة مجدداً فكانت الفرصة متاحة بالانتساب لقسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز، فوجدت ضالتي في هذا التخصص، فأتممت الحصول على البكالوريوس في الآداب من قسم التاريخ وكان هذا عام 1397هـ/ 1977م، ثم التحقت ببرنامج الماجستير في التاريخ وحصلت على الدرجة عام 1406هـ/1986م وكانت رسالتي بعنوان (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية) ثم التحقت بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية (كلية الدعوة حالياً) بالمدينة المنورة لدراسة الدكتوراه في الاستشراق فسجلت البحث وأمضيت سنوات في البحث حتى كنت أول من حصل على الدكتوراه من هذا القسم عام 1415هـ/1995م، وكانت بعنوان(منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الجوانب الفكرية في التاريخ الإسلامي)
وفي أثناء إعداد بحث الدكتوراه أصدرت العديد من المؤلفات منها
-  جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودروها في الحركة الوطنية الجزائرية
- عبد الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي،
- المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق، وكان الكتاب عبارة عن بحوث أعددها من خلال خطة بحث للدكتوراه في الاستشراق الفرنسي لم يقدر لها القبول في المعهد
- من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر،
الغرب في مواجهة الإسلام
وتضمنت مسيرتي العلمية تقديم المحاضرات العامة في معظم الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية، كما شاركت في مهرجان الجنادرية عدة أعوام بالإضافة إلى حضور عدد من المؤتمرات العالمية ممثلاً لبلادي المملكة أهمها:
- المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين ، عقد في ليدن عام 1996م
-                                 المؤتمر العالمي الخامس والثلاثين للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية وعقد في بودابست بالمجر عام 1998م
-المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلامية عقد في المغرب عام 1997م
-  المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلامية عقد في جامعة وهران عام 1990
- المؤتمر الدولي الخامس للرابطة العربية الأمريكية لأساتذة الاتصال عقد في جامعة اليرموك عام 1990م،
وأصدرت بعد الحصول على الدكتوراه عدداً من الكتب:
-  صراع الغرب مع الإسلام :استعراض للعداء التقليدي للإسلام في الغرب تأليف آصف حسين (ترجمة عن الإنجليزية)
- الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام
-  الغرب من الداخل دراسة للظواهر الاجتماعية في الغرب
- حقيقة الدين في عصرنا (تأليف المستشرق مونتجمري وات) ترجمة عن الإنجليزية( تحت الطبع)(وطبع أخيراً لدى دار طروس بالكويت)
السؤال الثاني: ما هي في رأيكم أبرز الفوارق بين حركز الاستشراق قديماً وحديثاً؟
      حركة الاستشراق القديمة يمكن التعرف إليها من خلال الإنتاج العلمي لأساتذة الجامعات الغربية في الكتب والمجلات وسجلات المعاهد والجامعات الغربية، وأذكر على سبيل المثال أن مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية تصدر كتاباً سنوياً بعنوان (التقرير السنوي لحكومة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية) يتضمن نشاطات أعضاء هيئة التدريس في تلك المدرسة كما يتضمن أيضاً ميزانيتها وأمورها المالية والإدارية –وحبذا لو توجه بعض الباحثين لدينا بعمل دراسات ميدانية علمية حول تلك المعاهد والجامعات- أما الاستشراق المعاصر فيمكن التعرف إليه من خلال شبكة الإنترنت ومن خلال زيارة هذه الجامعات والمراكز والمعاهد، وحضور المؤتمرات والندوات والاطلاع على الإنتاج العلمي لهذه المؤسسات والهيئات .
ويمكن أن نقول إن أبرز الفروق بين الاستشراق القديم والحديث ما يأتي
-  ازدياد نزعة التخصص لدى الباحثين المعاصرين.
-  ازدياد النشاط في الوقت الحاضر في الندوات والمؤتمرات
-  الاستقلال الظاهري للجامعات الغربية عن السياسة
- ارتفاع عدد العرب والمسلمين العاملين في العصر الحاضر ضمن المؤسسات الاستشراقية وكأنهم أعضاء أساسيين فيها.
-    ازدياد الدعم العربي الإسلامي للمراكز الاستشراقية المعاصرة
-  قرار المستشرقين التخلي عن مصطلح "الاستشراق" عام 1973 في مؤتمر باريس وهو ما أدى إلى ظن البعض أن الاستشراق قد انتهى.
-  ازدياد النشاط الإعلامي للمستشرقين المعاصرين.

السؤال الثالث: هناك عدد من المفكرين – ومن أبرزهم المفكر علي حرب- يؤكدون أن الاستشراق بكل تداعياته قد انتهى، والحديث عنه يعد حالياً انشغالاً عن أمور أهم. فما رأيكم.

          من الطريف أن تبدأ سؤالك عن هذه القضية بكلمة الأستاذ علي حرب وقد جعلتها بداية لمحاضرة ألقيتها – أصبحت فيما بعد بحثاً نشر في مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت- فتلك الكلمة التي يزعم أصحابها أن الاستشراق قد انتهي تدل على أن الذين يقولون بهذا الأمر إما أنهم لا يعرفون الاستشراق أصلاً أو إنهم لا يعرفون ما يدور في العالم، حولهم مع أن وسائل الاتصال في وقتنا الحاضر أكثر فعالية وقوة واتساعاً. إذا كان من الصعب علينا أن نعرف ما يدور في جامعة لندن قبل عشر سنوات فإننا اليوم بالضغط على بضعة أزرار وفي خلال ثوان نستطيع أن نعرف ما يفعله الأساتذة في تلك الجامعة وما حولها أو ما يودون هم الإعلان عنه من نشاطاتهم وأهدافهم.
          كيف يقال إن الاستشراق انتهى، عجيب مثل هذا القول الذي لا ينسجم مع الواقع إطلاقاً فما ذا تفعل أقسام الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الغربية؟ وماذا تفعل أقسام دراسات الشرق الأوسط والأدنى في جامعات أوروبا وأمريكا؟  في هذه الأقسام تقدم آلاف المواد العلمية حول الإسلام والمسلمين في جميع المجالات من العقيدة والشريعة والقرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي، ثم تتنوع هذه المواد حتى تشمل جميع مجالات الحياة في العالم الإسلامي. بل أصبحت دراسة الإسلام والمسلمين تتم في أكثر من عشرة أقسام في بعض الجامعات تتعاون فيما بينها وتتقاسم الاهتمام والإشراف.
ومع المواد الدراسية هناك المحاضرات العامة والندوات والمؤتمرات وحلقات البحث العلمي التي يحضرها الألوف من الأساتذة المتخصصين في شتى مجالات المعرفة الخاصة بالعالم الإسلامي؟ أليس هذا من الاستشراق أو عندما تغير الاسم ظننا أن الاستشراق قد انتهى. لا يا سيدي الاستشراق لم ينته بل هو قوي قوته بالأمس وأكثر، وأضف إلى هذه القوة مئات العرب والمسلمين الذين يتلقون العلم في الجامعات الغربية فيعدون البحوث عن أدق التفاصيل في حياة المسلمين فتوفر للجامعات الغربية وبالتالي للحكومات الغربية أدق المعلومات والإحصائيات عنّا.
نحن لا ننشغل بالاستشراق أو بالدراسات العربية الإسلامية نحن حتى لا ننشغل بأنفسنا بالطريقة الصحيحة فالغربيون يدرسوننا في شتى المجالات كما يدرسون أنفسهم فمثلاً لديهم عشرات أو مئات المؤتمرات والندوات في مجال التربية والتعليم وفي مجال القضايا الاجتماعية فماذا فعلنا نحن في الأمور التي تخصنا؟ ماذا قدم المتخصصون من أبناء الأمة العربية والإسلامية لحل هذه المشكلات؟ كم من العرب و المسلمين حضر مؤتمراً متخصصاً حول المشكلات التربوية التي تخص المجتمع الأمريكي مثلاً أو المجتمع الإنجليزي؟ بينما في الوقت نفسه لا تخلو مؤتمراتهم عن الخوض في القضايا التي تخص أدق التفاصيل في حياتنا وفي مجتمعاتنا.
ويمكن الرجوع إلى بحثي (هل انتهى الاستشراق حقاً؟) في كتابي (الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام، الرياض: دار اشبيليا،1421هـ)

السؤال الرابع: من خلال اطلاعكم الواسع على حركتي الاستشراق الفرنسية والأمريكية ما هي أبرز الفروق إن وجدت بينهما؟
حركة الاستشراق الفرنسية حركة قديمة ارتبطت مدة طويلة بالاستعمار الفرنسي في المغرب العربي وفي أفريقيا اهتمت بدراسة الدول التي كانت تخضع للاحتلال الفرنسي فكان الاهتمام من جميع الجوانب لغوياً وعقدياً وتاريخياً وسياسياً واجتماعياً. وبدأت حركة الاستشراق الفرنسي بإنشاء المعاهد المتخصصة في دراسة مجتمعات العالم الإسلامي منذ القديم.
بينما انطلقت حركة الاستشراق الأمريكي المعاصر بقوة بعد الحرب العالمية الثانية وبنفس مختلف وبروح مختلفة ولكنها في النهاية تصب في الاتجاه نفسه هو التعرف إلى العالم الإسلامي من الداخل والسعي إلى أن يكون لأمريكا اليد الطولى في القرار السياسي والاجتماعي في هذه الدول.
ربما يختلف الاستشراق الفرنسي عن الأمريكي أنه اكتفى في الغالب بالمستشرقين الفرنسيين وبعدد قليل من أبناء المستعمرات السابقات الذين تأثروا بالفكر الغربي وداروا في فلكه ولكن الاستشراق الأمريكي انطلق بعد الحرب العالمية الثانية بانياً وجوده على عدد كبير من المستشرقين الأوروبيين ثم استعان بأعداد من الباحثين العرب والمسلمين الذين سعى إلى أن يحصل من خلالهم على المعلومات عن بلادهم وكذلك حاول التأثير فيهم وتوجيههم الوجهة التي تخدم الفكر الغربي وتسلخهم عن هويتهم الإسلامية.
ولا شك أن الاستشراق الأمريكي مازال الأقوى لقوة الدولة التي ينتمي إليها وأن الإنفاق الأمريكي في هذا المجال فاق الإنفاق الأوروبي كثيراً، دون أن نقلل من شأن استمرارية الاستشراق الأوروبي ونفوذه وقوته.

السؤال الخامس: يعد إنشاء قسم الاستشراق في كلية الدعوة في المدينة المنورة خطوة عملية دالة على وعي بأهمية هذا المجال وخطره، من خلال اطلاعكم، كيف تقوّمون اهتمام الجامعات ومراكز البحث العلمي في العالم الإسلامي بهذا المجال؟
          نعم إنه وعي كبير أن يتم إنشاء قسم لدراسة الاستشراق في كلية الدعوة بالمدينة المنورة وقد قدّم الدكتور السيد محمد الشاهد تصوراً لجامعة الإمام بإنشاء كلية للدراسات الأوروبية يكون قسم الاستشراق أحد أقسامها. ولعل الجامعة اكتفت بالقسم وقد ذكرت أكثر من مرة أن جامعة الإمام سبق الجامعات العربية والإسلامية خمسين سنة على الأقل بإنشاء هذا القسم – المعطل الآن- وقد أدركت أهمية هذا القسم في مرات عديدة كنت أحضر مؤتمرات في البلاد الغربية فيتعجب المستشرقون- الباحثون الغربيون في الدراسات الإسلامية- كيف وصلنا إلى درجة أن ندرس إنتاجهم ونبحث فيهم. فهم يرون أنهم هم الذين يدرسوننا ويبحثون في قضايانا.
إن دراسة الاستشراق ليست فقط دراسة ما كتبه المستشرقون القدامى أو المعاصرين حول الإسلام والمسلمين ولكن دراسة الاستشراق هو معرفة ما يدور في الجامعات الغربية من دراسات وكتابات حولنا وما يحوم حول الهوية العربية والإسلامية من كتابات ودراسات. قد يهتم باحث مسلم بما كتبه المستشرقون في مجال الفقه مثلاً فتبقى معرفته مقتصرة على هذا المجال، أما أن تكون متخصصاً في الاستشراق فأنت تملك الصورة الشاملة لهذه الدراسات منطلقاتها وأهدافها وعلاقاتها الداخلية والخارجية ومكانتها في السياق العام للمجتمع الغربي.
أما اهتمام الجامعات ومراكز البحث في العالم الإسلامي بهذا المجال فأمر يحتاج إلى دراسة متأنية فأين هي أخبار الجامعات العربية الإسلامية ومن يستطيع أن يعرف أخبار جامعة أخرى في المدينة نفسها التي يعيش فيها حتى يعرف بما يدور في بلد تبعد عنه آلاف الكيلومترات؟
ومع ذلك فأقول إن جامعة وهران اهتمت بالاستشراق وعقد حوله مؤتمراً قبل عامين وهم يفكرون بإنشاء قسم للدراسات الاستشراقية، وكذلك فعلت جامعة عبد المالك السعدي بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وعقد في الجامعة الأردنية قبل سنتين مؤتمر عن العلاقات العربية الأمريكية وكان من المقرر أن تؤسس الجامعة الأردنية معهداً للدراسات الأمريكية. فهل تنجح في ذلك؟
والقسم الآن شبه معطل إلاّ من بعض رسائل الدكتوراه التي ستتم قريباً وبعدها يعد القسم شبه مغلق، فحبذا لو فتحت الجامعة الدراسة في هذا القسم لأبناء المسلمين الذين يتقنون في العادة إحدى اللغات الأوروبية لأنهم سيكونون دعماً مهماً لهذا القسم، وحبذا لو تم التفاهم مع وزارة الخارجية لتوجيه الخريجين في هذا القسم للعمل في أقسام الدراسات والبحوث في الوزارة، وكذلك في مجالات حكومية أخرى أسوة بما تفعله الدول الغربية في الدارسين في مجال الدراسات العربية والإسلامية.

السؤال السادس: هل للدراسات الاستشراقية القديمة أثرها في اهتمام الدراسات الأمريكية الواضح بما يسمونه (الأصولية الإسلامية)
          بدأت دراسة ما يسمى ب (الأصولية الإسلامية) بالاهتمام بحركات التحرر في البلاد العربية الإسلامية التي كانت تخضع للاحتلال الأجنبي. فالذين قاموا لمقاومة هذا الاحتلال كانوا في الغالب هم علماء الدين الإسلامي فالدين الإسلامي يأمر بمقاومة الأجنبي والتحرر من الاحتلال فكانت كل حركات التحرر أساسها الدين الإسلامي(عدا بعض الحركات الوطنية التي لم يخشاها الغرب)
          وبعد أن منّ الله عز وجل على الأمة الإسلامية بالتحرر من الأجنبي تسلم السلطة في العالم العربي والإسلامي -في الغالب- حكومات كأنها كما قال أحد المفكرين المسلمين:" ذهب المحتل الأبيض وحل محله المحتل الأسمر" فكانت البلاد العربية الإسلامية امتداداً لعهد الاستعمار بل يرى البعض أن عهد الاستعمار كان أكثر رحمة في بعض الأمور من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا.
          فظهرت في البلاد العربية والإسلامية حركات تطالب بتطبيق الإسلام والعودة إلى هذا الدين أو على الأقل إعطاء أبناء الأمة الإسلامية الحرية في ممارسة دينهم أسوة بما يحصل عليه الأحزاب المختلفة. فقد تحدث باحث مسلم في المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين قائلاً إذا كانت إسرائيل تسمح بقيام أحزاب دينية – معروفة بتطرفها- فلماذا لا تسمح الدول العربية بقيام أحزاب سياسية دينية وهي غير متطرفة؟
          المهم الحركات الإسلامية شي والأصولية شيء آخر فهذا المصطلح غربي أطلق على جماعات نصرانية تدعو إلى التطبيق الحرفي للنصرانية وتنتقد الحياة المادية التي انحرفت عن الفهم الصحيح للنصرانية، كما عرفت هذه الحركات بالنزعة إلى الحرفية والتقليد والجمود. أما في الإسلام فليس لدينا أصولية بهذا  المعنى فالإسلام أعلى شأن العقل والمرونة ومراعاة أحوال الناس باختلاف البلاد والزمان.  فمصطلح "الأصولية" حين يطلق على الإسلام إنما هو من قبيل حرب النعوت والألقاب. فليس حقيقة وإن وجدت بعض الفرق والطوائف في العالم الإسلامي متشددة في فهمها.
          والباحث في الاستشراق الأمريكي يدرك مدى سعة اهتمام أمريكا بهذه الحركات التي تطلق عليها "الأًصولية" فهناك الكونجرس الأمريكي واهتمامه ب "الأصولية" ولجامعة شيكاغو مشروعها الضخم في هذا المجال ، وكذلك لوكالة الاستخبارات المركزية اهتمامها به أيضاً. ويوجد اهتمام واسع بهذه الحركات في معظم الجامعات الأمريكية بل بلغ التخصص في هذا المجال مبلغاً دقيقاً حتى إن بعض الباحثين يتخصص في الحركات الإسلامية في دولة واحدة بل ربما مدينة من مدن العالم الإسلامي.

السؤال السابع: هل تنم كتابات المستشرقين قديماً وحديثاً عن فهم صحيح لحقيقة وضع المرأة في الإسلام؟
          لا يختلف فهم المستشرقين لوضع المرأة عن فهمهم لكافة القضايا الخاصة بالدين الإسلامي، وإن كان موضوع المرأة نال اهتماماً خاصاً وأفردت له كتابات كثيرة وأصبح لديهم جمعيات خاصة بالدارسين لأوضاع المرأة في العالم الإسلامي. ولكن كيف يمكن أن نعمم الحكم على فهم المستشرقين لوضع المرأة في الإسلام. ولكن يمكن القول إن دراسة المستشرقين للإسلام وقضاياه تقع في عدد من الأخطاء المنهجية منها ما يأتي
- محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى اليهودية والنصرانية
- التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف
-   النفي الكيفي والتشكيك في الإسلام
- البحث عن الروايات الشاذة والضعيفة
-  منهج الإسقاط وهو إسقاط الوقائع المعاصرة على الماضي وأحداثه.
     فالمستشرقون في الغالب حينما يدرسون الإسلام يقعون في هذه الأخطاء المنهجية، فالمثال عندهم هو المرأة الغربية ولا بد أن يكون في العالم الإسلامي حركات تحرر كما في العالم الغربي، لكن تحرر من ماذا؟ إنهم يريدون المرأة المسلمة أن تكون صورة طبق الأصل للمرأة الغربية؟ لقد ناقش مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في قسنطينة في الجزائر عام 1934م مسألة خروج المرأة المسلمة من بيتها ومسألة الحجاب.
          ولو كان الفهم الغربي أو الاستشراقي صحيحاً لما ثارت ثائرة فرنسا لحجاب المرأة المسلمة فيها. لقد نظروا إلى الحجاب نظرة بعيدة عن حقيقته بأنه دعوة إلى العفة والفضيلة وتقدير المرأة واحترامها وأن المرأة ليست مجرد جسد كما تنظر إليها الحضارة الغربية.
          وقد انتشرت النظرة الاستشراقية للمرأة المسلمة من خلال الجامعات الغربية والطلاب العرب والمسلمين فيها ومن خلال الإنتاج العلمي لهذه الجامعات، وقد انضمت لهذه الجامعات مؤسسات عالمية مثل اليونسكو التي شجعت مجموعة من الباحثين والباحثات العرب والمسلمين للكتابة حول موضوع المرأة من وجهة نظر استشراقية تدعو إلى خروج المرأة من بيتها بلا قيود وبالتمرد على الحجاب الإسلامي وكذلك بالتمرد على الشريعة الإسلامية التي صانت للمرأة حقوقها.

السؤال الثامن :ما هو موقع كتاب الدكتور إدوارد سعيد (الاستشراق) وتعقيباته في مجال الاستشراق؟ وهل كان له أثره في الاستشراق الأمريكي؟
          بالطبع كان لكتاب الدكتور إدوارد سعيد (الاستشراق) وتعقيباته في مجال الاستشراق أثر كبير في أمريكا فقد نبهت الكثيرين إلى أن هذا المجال الذي يعملون فيه إنما هو مجال للسيطرة والهيمنة وتمثيل الآخر نيابة عنه وتصويره ليس كما هو في الواقع ولكن كما هو في المخيلة الغربية. وقد ظهرت دراسات وكتابات كثيرة حول كتاب الدكتور إدوارد سعيد. وأتساءل أحياناً لماذا كل هذه الضجة حول كتاب إدوراد سعيد في الوقت الذي سبقته دراسات كثيرة وقوية للاستشراق في العالم الإسلامي وعرفها المستشرقون؟
          لا يمكن أن ننكر أهمية هذا الكتاب وفضله في هز صورة الاستشراق التقليدي الإنجليزي والفرنسي بينما لم يتناول إدوارد سعيد الاستشراق في الدول الأخرى التي لا تقل أهمية عن الاستشراق الإنجليزي والفرنسي. والمسلم في الأصل يشكر لكل من أسدى إليه معروفاً فإدوارد أسدى للإسلام معروفاً كبيراً في أن نبه الغربيين إلى خطئهم في تصورهم للإسلام وتصويرهم له وبخاصة في كتاب تغطية الإسلام ولا يملك الإنسان أحياناً إلاّ أن يدعو الله عز وجل له بالهداية فقد أدرك من عيوب الاستشراق ومخاطره ما لم يدركه كثير من المسلمين الذين يدعون التمسك بالإسلام وهم في الغالب قد وقعوا فريسة الصورة المشوهة للإسلام التي بثها المستشرقون على مدى قرون عديدة.
          من الصعب أن نقيس أثر كتاب إدوارد سعيد الاستشراق في الوقت الذي ظهرت فيه كتابات كثيرة ووجد عرب ومسلمون متمسكون بإسلامهم كما دخل في الإسلام الألوف من أبناء الغرب فهؤلاء كذلك كان لهم تأثيرهم.
          وأضيف هنا أن إدوارد سعيد رغم أنه كتب هذا الكتاب المهم الخطير لكنه لا يعرف الاستشراق  وتفاصيله مثل المتخصص فيه الذي جال في أقسام الدراسات العربية والإسلامية وحضر المؤتمرات والندوات واطلع على آلاف النشرات وعرف أسماء الكثير من الباحثين الغربيين في مجال الإسلام والمسلمين وعرف نشاطاتهم. إن معرفة إدوارد سعيد ربما توقفت مع صدور كتابه أو بعد ذلك بقليل ولكن الاستشراق بحر واسع يحتاج إلى العشرات من المختصين لمعرفة تفاصيله وتطوراته.

السؤال التاسع:ما أبرز ظواهر ومجالات اهتمام الاستشراق بالأدب العربي الحديث؟
          اهتم الاستشراق قديماً وحديثاً بالأدب العربي لأن الأدب مرآة الأمة كما الصحافة فيما يقال، وقد كان الاهتمام بالأدب يتضمن الاهتمام بالتيارات الأدبية التي تظهر في البلاد العربية، وكذلك الاهتمام بالقضايا التي يتناولها الأدب العربي، والاهتمام بالأدباء العرب وخلفياتهم الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد اهتم المستشرقون بالتيارات الفكرية الحديثة في الأدب العربي كالحداثة مثلاً كما اهتموا بالأدباء الذين تأثروا بالفكر الغربي والتيارات الفكرية الغربية من مادية وشيوعية وفلسفات وجودية وغيرها من التيارات الفكرية المخالفة للإسلام. ولعل من المناسب أن نذكر أنهم أعطوا هؤلاء أكثر من حجمهم من الاهتمام والعناية وحتى لو كانوا أقل مستوى في القدرات والمواهب الأدبية، بينما أهمل الاستشراق المعاصر وحتى القديم التيارات الأصيلة التي تعتز بالهوية العربية الإسلامية بل حاولوا التعتيم عليها بشتى الوسائل.
          اهتم الاستشراق مثلاً بنجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل بل ربما كان اهتمامهم بنجيب محفوظ هو الذي قاده إلى جائزة نوبل ، ومن الطريف أن الأشخاص الذين يطمعون أو يطمع البعض أن يوصلهم إلى نوبل من أمثال أدونيس ويوسف إدريس وأشباههم.
          واهتم الاستشراق بالشعر الحر أو الحديث أو ما يطلق عليه قصيدة النثر، واهتم أيضاً بالشعر الشعبي وأعدوا له الدراسات وجعلوه في مقام مساو للشعر الفصيح بل تجرأ بعض تلامذة المستشرقين على المطالبة بأن تقوم أقسام الأدب العربي واللغة العربية بدراسة الشعر العامي أو الشعبي – وتلك طامة من الطامات- ومن الطريف أن نعرف أن بعض من حصلوا على الدكتوراه في الجامعات الغربية والأمريكية حصلوا عليها في دراساتهم للفلوكلور والشعر الشعبي العامي وغيره.
          ويمكنك الرجوع إلى بحثي المعنون " الأدب العربي الحديث في الدراسات الاستشراقية المعاصرة " الذي نشر ضمن كتاب (الأدب والبناء الحضاري) إعداد الدكتور حسن الأمراني( وجدة (المغرب): منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2000م)الصفحات 218-253 فالبحث يتضمن خمسة محاور هي :
-  المحور الأول: الاهتمام بالأدب العربي الحديث
-  المحور الثاني: القيم والمثل والأخلاق في الأدب
-  المحور الثالث: لغة الكتابة والشعر الحر أو المرسل أو المنثور
-  المحور الرابع: الاهتمام بنماذج من الأدباء والأديبات العرب
-   المحور الخامس: نماذج من المؤتمرات والندوات والمحاضرات والكتب الاستشراقية حول الأدب العربي الحديث.
السؤال العاشر: ثمة اهتمام آخذ بالتنامي عند عدد من العلماء والمفكرين بإنشاء (علم الاستغراب)-كما يسميه الدكتور حسن حنفي- لمواجهة علم الاستشراق من وجهة، وتأسيس وعي بنّاء بالغرب من جهة أخرى. ما مدى تأييدكم لهذا التوجه؟
          لو قلنا إن الاهتمام بالآخر بدأ من حسن حنفي أو تنامي الاهتمام بالغرب في ما يسمى علم الاستغراب أو مواجهة الاستشراق لظلمنا الأمة الإسلامية التي كانت رائدة بحق في معرفة الشعوب الأخرى ودراستها والتعمق في فهمها، ولظلمنا كتاب الله عز وجل الذي نبه إلى الأمم الأخرى والمعتقدات الأخرى لدى الأقوام والشعوب المختلفة حتى إن الآيات التي تذكر أهل الكتاب عموماً وبني إسرائيل بخاصة لتعد بالمئات. ثم لو رجعنا إلى تراثنا الفكري لوجدنا الرحالة المسلمون الذين كتبوا عن الشعوب الأخرى بدقة وبتفاصيل مثيرة حتى إن أوروبا لم تعرف عن بعض نواحيها إلاّ من هؤلاء الرحالة المسلمون.
          ومن نماذج الاهتمام بالآخر ما كتبه أسامة بن منقذ في كتابه (الاعتبار، تحقيق الدكتور قاسم السامرائي)يصف الصليبيين وأخلاقهم وأشكالهم وهيآتهم وغير ذلك)
          أما في العصر الحاضر فيشير رودي بارت في كتابه ( الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية) إلى لقاء مستشرق مع عالم مسلم في الخمسينيات في أحد المؤتمرات والمستشرق يسأل الباحث المسلم متى تنشأ لديكم دراسات حول أوروبا وأمريكا تشبه الدراسات العربية والإسلامية عندنا؟
          فدراسة الغرب ليست مواجهة للاستشراق فالأمة الإسلامية هي الأمة الشهيدة على الأمم كما قال الله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)الآية. فكيف تتحقق لنا الشهادة على الأمم الأخرى بدون المعرفة الحقيقية. لقد دخل رسول الجيش الإسلامي على قائد الفرس قبيل معركة القادسية فرأى منظراً لم يعجبه فقال تلك القولة العميقة:" كنّا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال." فقلت من علّم هذا البدوي القادم من الصحراء هذه الفلسفة العميقة في قيام الدول وسقوطها. لقد قال كلمة جوهرية وحكى بسنة ربانية حتى قال ابن خلدون في كتابه المقدمة (والظلم إذا دام دمّر) وأي ظلم أكثر من أن تستعبد طائفةٌ الشعبَ أو طائفةٌ طائفةً أخرى؟
          نعم كتاب الدكتور حسن حنفي في أهمية دراسة الغرب وما قدمه من بحوث عميقة وقوية عمل متميز لكن مثل هذه المبادرات كان من الواجب أن تهتم بها الجامعات فتطورها إلى أقسام حقيقية لدراسة الغرب دراسة علمية منظمة، على أسس أكاديمية متينة. كما ينبغي أن يكون الدارس للغرب على معرفة بالإسلام معرفة حقيقية فإن دراسة الغرب ينبغي أن تكون دراسة تقويمية تحليلية نقدية وليست دراسة وصفية –مع أهمية الدراسات الوصفية- فإننا بحاجة إلى العالم المسلم الذي يعرف الشعوب الأخرى ويوضح لنا ولتلك الشعوب ما يتفق وما يختلف مع الإسلام وحتى نقدم النصح والتوجيه للأمم الأخرى إلى ما فيه صالح البشرية جمعاء. فهذا المؤرخ البريطاني المشهور يرى أن على الحضارة الغربية أن تأخذ من الحضارة الإسلامية تلك القيم العظمية في البعد عن المادية والتمسك بالأخلاق ولكنه يرى أن الحضارة الغربية ستسعى إلى استبعاد هذا الأخذ.
          المهم نحن بالفعل بحاجة لدراسة الغرب لمعرفة تلك الإيجابيات التي جعلت الغرب يبني حضارته على نظام المؤسسات ويستطيع أن يكون شعوباً منجزة عاملة وأن يفيد من معطيات الشعوب الأخرى ويعلي من شأن العلم والعلماء، وعلينا أيضاً أن ندرك السلبيات في المجتمعات الغربية حتى لا نقع في تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سَننَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، قالوا اليهود والنصارى يا رسول الله ؟. قال( فمن إذن؟)
          ولقد دعوت إلى نشأة علم الاستغراب في مقالة نشرتها في مجلة الفيصل ونشرت أيضاً في مجلة أهلاً وسهلاً بعنوان (متى ينشأ علم الاستغراب ) جاء فيها ما يأتي:" ولعل سائلاً يسأل لماذا ندرس الغرب؟ وكيف لنا أن ندرس هذا العالم الذي سبقنا بمراحل عديدة أو بعدة قرون؟ الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً فالمسلمون الأوائل حينما خرجوا لنشر الدعوة كانوا  على علم بعقائد الأمم الأخرى وعاداتها وتقاليدها وكانوا يعرفون أرض الدعوة سياسياً واقتصادياً وجغرافيا....: وأشرت في مقالتي تلك إلى ما قاله الدكتور حسن حنفي عن أهمية دراسة الغرب وهو قوله :" إن من أهداف دراسة الغرب فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى ذات مدروسة والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع  مدروس إلى ذات دارس مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب لغة وثقافة وعلماً ومذاهب  ونظريات وآراء "
          ولكن من يعلق الجرس؟من يبادر  إلى إنشاء كليات للدراسات الأوروبية إن كندا القريبة من أمريكا( من أقرب منها) لديها معهد أو أكثر للدراسات الأمريكية، وهذه بريطانيا التي تشترك مع أمريكا في الكثير الكثير لديها في جامعة لندن معهد للدراسات الأمريكية...! فمتى يكون لنا معاهد وأقسام وكليات للدراسات الأوروبية والأمريكية بل متى ندرس الشعوب الأخرى دراسة علمية كما تدرسنا؟ بدأنا ببعض هذه الأقسام لكن المشوار طويل ويحتاج إلى إنفاق حقيقي وقبله وعي بأهمية الدراسة ووعي قبله بأهمية العلم فمتى نصحو؟؟؟

السؤال الحادي عشر: نود أن تعطونا نبذة عن ( مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق) الذي قمتم بتأسيسه.
    تأسس هذا المركز في شهر رمضان المبارك من عام 1420هجرية بجهد فني مبارك من الأخ صلاح عبد العزيز الذي تفاني في وضع تصميم الموقع والعمل على بنائه وتطويره مدة تزيد على السنة والنصف الأولى من عمره.
         لماذا تأسس المركز؟ إن دراسة الاستشراق ليست ترفاً فكرياً ولا عملاً ينبغي أن يختص به بعض الباحثين القلائل في أبراج عاجية بل كان ينبغي أن تنتشر المعرفة بهذا المجال المعرفي الخطير الذي نشأ منذ عدة قرون في أوروبا وكان له دور كبير في حياة الأمة الإسلامية إما بشكل مباشر عن طريق الاحتلال الأجنبي لمعظم البلاد العربية الإسلامية وكان الاستشراق مختلطاً بالاستعمار فلا يكاد يوجد فرق كبير من هو مستشرق ومن هو مستعمر بل كانا شيئاً واحداً في غالب الأحيان.
       وفي أثناء الاحتلال أسس الغرب المدارس والمعاهد في بلادنا وأرسل الآلاف من أبنائنا للدراسة في الخارج فتكون لديه جيوش من الأتباع الذي عملوا كما رغب الغرب جسراً بين الثقافتين كما يزعم وإلاّ فهم كما وصفهم جمال الدين الأفغاني أحدثوا كوة في الجدار بيننا وبين الغرب تنفذ منها أفكار الغرب ومعتقداته وعاداته وتقاليده وسلوكياته إلى حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
        وخرج الاستعمار فتولى أمور العالم العربي والإسلامي زعماء حرصوا على استمرار المد الفكري الغربي إما بالميل إلى الاشتراكية في بعض الدول والإعلان صراحة بالعداء للإسلام، أو بالميل إلى معسكر الرأسمالية ومعادة الإسلام والعروبة بأسلوب فيه كثير من الخبث والمكر والدهاء وأحياناً بالصراحة
والوقاحة.
          نعم لا بد من دراسة الاستشراق وإعداد البحوث حول ما كتبه المستشرقون حول الإسلام والمسلمين؛ فالقرآن الكريم وجهنا إلى معرفة ما يقوله الآخر عنّا، فهذه كلمة قال يقول ومشتقاتها ترد أكثر من خمسمائة مرة، حتى إن بعضها يرد في ذكر صفات ذميمة ألصقها اليهود عليهم اللعنة بالله سبحانه وتعالى ورد عليهم ومن أمثلة ذلك قوله تعالى  (وقالت اليهود يد الله مغلولة، بل غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)()
          وهكذا أنشئ المركز وبدأ نشاطه في إصدار نشرة شهرية تتكون من تسعة أبواب ثابتة ترصد نشاطات المستشرقين وتقدم في كل عدد قضية استشراقية، وتعرف بمركز استشراقي وكذلك بشخصية استشراقية بالإضافة إلى محتويات النشرة الأخرى، وقدم المركز على مدى العامين كثيراً من الاستشارات العلمية للطلاب وبخاصة طلاب الدراسات العليا في مجال الدراسات الإسلامية.
          وعقد المركز صلات علمية مع العديد من مراكز البحوث والدراسات والجامعات ولعل من آخرها الاتصال الذي تم مع جامعة أوروبا الإسلامية بهولندا التي تأسست حديثاً، وكذلك التعاون المتوقع قريباً مع مركز زايد للتنسيق والمتابعة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.
          كما تلقى المركز العديد من الطلبات لطلاب يرغبون في إتمام دراستهم العليا (الماجستير والدكتوراه) في مجال الاستشراق، بل إن بعضهم أرسل مقترحاً خطة بحث في هذا المجال كما فعل أحد الباحثين من السويد وباحث آخر من الدنمارك وغيرهم كثير. وتقدم البعض بشكرهم المركز على ما قدمه لهم من مادة علميه ساعدتهم في إعداد خطط بحوثهم للماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية في مجال الاستشراق.
          وقد دعي المركز من قبل وزارة الشؤون الإسلامية للمشاركة في معرض وسائل الدعوة الثاني الذي عقد في جدة في الفترة من 10-17 جمادى الثانية 1422هـ الموافق 29-5 سبتمبر 2001 وقدم المركز خلال المعرض تعريفاً بالاستشراق وتعريفاً بعلم الاستغراب وأجاب عن كثير من التساؤلات حول أهمية دراسة الاستشراق وعقد صلات علمية مع العديد من المؤسسات والهيئات العاملة في مجال الدعوة إلى الإسلام.
          ويضم موقع المركز في الإنترنت عدة أقسام من أبرزها
- الاستشراق وفيه عدد من البحوث وتقريراً عن قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة
-       الإسلام والغرب
-     المرأة والطفل
-    الأسئلة المتداولة وقد قسمت إلى خمسة أبواب وفيها عشرات الأسئلة الأكثر وروداً حول الاستشراق والعلاقة بين الإسلام والغرب
-  بحوث حول الاستشراق والقرآن الكريم
- تعريف ببعض الرسائل العلمية التي أنجزت حول الدراسات الاستشراقية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية