الغرب مصدر الخوف سياسياً




بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إرسال الرسائل إلى الملوك والأمراء داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكان من هذه الرسائل إلى قيصر الروم وإلى المقوقس عظيم القبط، وإلى ملوك آخرين وتضمنت رسالته إلى هرقل أنه إن أسلم فيمكنه البقاء في ملكه أو عليه أن يدفع الجزية ويمكن المسلمين من الدعوة إلى الإسلام ويبقى في ملكه كذلك.  

هل الحديث عن التهديد (المزعوم) للإسلام ذريعة لمنع أو إيقاف الحديث عن تهديد الغرب للإسلام؟ إن الغرب أو الشمال النصراني كما يسميه محمود شاكر رحمه الله- لا يزيد تعداده عن عشرين في المئة من سكان الكرة الأرضية ويستهلك حوالي ثمانين بالمائة من مواردها وثرواتها. هذا الغرب هو الذي ينتج أكبر كمية من السلاح في العالم، ولا تقع حرب في أي بقعة من الأرض حتى تتداعى دول الغرب تبيع السلاح لهذا الطرف أو ذاك وتقف تتفرج على الفريقين وقد تساعد فريقاً على الفريق الآخر إما لإطالة أمد الحرب واستمرار الحاجة للسلاح الغربي أو لأهداف أخرى. وقد سمع العالم وعرف ما سمي بإيران جيت وكونترا جيت وغيرها من الجتات أو الفضائح حتى إن إحدى القنوات الفضائية أعدت برنامجاً اسمه فضائح القرن العشرين. ومن صاحب هذه الفضائح غالباً- إن لم يكن الغرب؟

وتأتي خطورة الغرب في الجانب السياسي أنه لا يرى أن العالم عرف نظاماً سياسياً على مر العصور أفضل من النظام الديموقراطي صرح بذلك  المستشرق برنارد لويس قبل أكثر من خمسين سنة وجاء فوكوياما ليكرر الزعم نفسه - ولذلك فهو يسعى لنشر هذا النظام حتى إن جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة قد أنشأت مؤسسة بعنوان (مؤسسة الديموقراطية والتغيير السياسي في الشرق الأوسط) ورئيسها هو البروفسور دانيال برمبيرج Daniel Brumberg ويعمل فيها ستيفن هايديمان. وتعقد هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات ومراكز البحث العلمي الندوات والمؤتمرات لتنظر في كيفية تصدير الديمقراطية إلى العالم كله([1]) وقد عقدت ندوة بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الفرنسية في الدار البيضاء عام 1997م([2])

واستمرت تطلعات الغرب إلى فرض نظرياته السياسية على العالم العربي وبخاصة فيما عرف منذ سنوات قليلة بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وبدأت الإدارة الأمريكية في التحرك لتحقيق نشر الديمقراطية. وزيادة على ذلك فإن الأمم المتحدة قامت بإعداد تقارير عن التنمية البشرية (أطلقوا عليها إنسانية) في الشرق الأوسط لتوضح مدى الوضع الخطير الذي نعيشه والتخلف غير المحدود الذي يخيم على البلاد العربية الإسلامية، ولذلك فلا بد من الديموقراطية الغربية لتنقذنا من هذه الأزمة.([3])

ويمكن للمرء أن يتساءل كيف يريد الغرب أن ينشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي والشركات المتعددة الجنسيات التي أصبحت هي التي تدير السياسة الدولية-إلى حد كبير- تكره الأنظمة الديمقراطية لأن تلك الأنظمة يصعب فيها رشوة المسؤولين بدون فضائح ولا يتم تسليم الامتيازات وغيرها دون الرجوع إلى البرلمانات والمجالس المختلفة بينما في النظم غير الديمقراطية يمكن للشركات الأجنبية أن تفعل ما تشاء. أما الأمر الآخر فإن الدول الغربية لا تفتأ تزعم أن الدول النامية (تعبير لطيف) "غير مؤهلة للحكم الديمقراطي، يتحدثون باستمرار عن تناقض الديمقراطية مع الإسلام بصورة خاصة لكنهم قلما يذكرون الدور الذي قامت به شركاتهم وحكوماتهم في قتل النبتة الديمقراطية حينما بدأت بالتبرعم والتجذر في العالم الثالث، وفي دعمهم للأنظمة الفاشية التي فتكت بألوف الأحرار من المناضلين من أجل الديمقراطية والشرعية."([4])

أما التساؤلات فإن الغرب لم يعد خافياً عليه أن هذه اللعبة أو هذه السياسة لم تعد خافية على الشعوب العربية الإسلامية والشعوب في العالم الثالث فالمسؤولون الأمريكيون يتجولون في أنحاء العالم العربي الإسلامي يقابلون المثقفين ويعرفون منهم حقيقة موقفهم من سياسات الولايات المتحدة واعتمادها على المعايير المزدوجة.([5])

        وكتب الأستاذ فائق فهيم أنّ الرؤساء الذين وصلوا إلى الحكم بالانقلابات العسكرية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية المدعومة من أمريكا، وخدموا أسيادهم ثم إذا انتهى دورهم تنوعت مصائرهم بين ذل وقتل أو طرد وتشريد. وقدم الأستاذ فهيم نصيحته لهؤلاء الرؤساء بقوله: "فبعض الحكام لا يظن أنه مجرد مرحلة وأن القاعدة هي الزوال وإنما يتصرف وكأنما سيقف الزمان عنده ولا يتحرك." ([6])

ومن الخطر الأوروبي الحقيقي ما حدث للمسلمين في البوسنة وفي الشيشان. ففي الوقت الذي كان الصرب ومن معهم من شعوب أوروبا بدعم صريح وواضح يرتكبون المجازر التي راح ضحيتها مئات الألوف من المسلمين يتداعى العالم كله لاستنكار مقتل عدد من اليهود في فلسطين. وقد ظهر في الأوروبيين من يعترض على ما فعله الغرب بهذا كاتب بريطاني قد  أصدر كتاباً بعنوان: (الجيب الآمن :سربيرينتسا: أبشع مذبحة عرفتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية)، وفي هذا الكتاب يوضح حجم المجازر التي ارتكبت من قبل الصرب وسكوت الغرب بل ومعونته للمجرمين.([7]) حتى لقد كتب مصطفى أمين –رحمه الله- غاضباً يقول:" عجز الدول الكبرى عن مساعدة البوسنة فضحية كبرى، العمالقة يتحولون إلى أقزام.والدول الصغيرة تقف ذاهلة أمام تردد الأقوياء وضعفهم وهزالهم ولا تريد أن نقول وجبنهم."([8])

ويضيف مصطفى أمين: "ذنب البوسنة أنها شعب مسلم، وأنه اعتمد على الأمم المتحدة فخذلته، وصدّق كلام الدول الكبرى فخدعته، وتصور أن ميثاق الأمم المتحدة هو وثيقة محترمة وإذ به يكتشف أن هذه الوثيقة هي قطعة ورق وقعتها الدول الكبرى ونسيت أنها وضعت إمضاءها عليها"([9])

ولماذا لم يعاقب النظام الروسي الذي دمّر العاصمة الشيشانية تدميراً شاملاً؟ بل إن البنك الدول ضخ آلاف الملايين من الدولارات في الاقتصاد الروسي وما يزال- لدعم الروس. ويتساءل –بحق- عبد الواحد الحميد :" أي متابع لأحوال العالم لا بد أن يعرف لماذا"يستأسد" الروس على المسلمين في جمهورية الشيشان وفي جمهورية البوسنة والهرسك في  الوقت الذي يسجلون تراجعاً على الساحة الدولية في كل المجالات؟"([10])

إن المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي قد أقرّ عضوية إسرائيل الكاملة في برنامج الأبحاث والدراسات العلمية لاتحاد الدول الأوروبية ....وتتيح هذه العضوية للدولة الصهيونية المشاركة الكاملة في كل برامج ومشاريع الدراسات والبحوث العلمية للاتحاد الأوروبي والاطلاع على نتائجها، وهو أمر لم تتمتع به أية دول في العالم خارج عضوية الاتحاد.





[1] -http://www.carnegieendowment.org/experts/index.cfm?fa=expert_view&expert_id=162

[2] -http://www.volunteermatch.org/orgs/org2468.html
[3] -
1- خالد القشطيني. الشرق الأوسط في 7/9/1997م
1- حضرت العديد من اللقاءات في القنصلية الأمريكية بجدة بين مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية وعدد من المثقفين والكتّاب البارزين وأساتذة الجامعات، ودار الحديث حول قضايا شتى ومنها مسألة الديمقراطية في العالم العربي ومساندة أمريكا لأنظمة شمولية في العالم العربي وغير ذلك من القضايا.
1- صحيفة المدينة المنورة 22شعبان 1419هـ.
1-الشرق الأوسط، 7/9/1997م)
2- مصطفى أمين، "فكرة-زاوية يومية" صحيفة الأخبار، العدد (13479)، 21صفر 1416هـ )19 يوليو 1995م.
3- المرجع نفسه
1- عبد الواحد الحميد. "روسيا ... ذلك الوجه القبيح" في صحيفة عكاظ ، العدد (10358) في 15 رجب 1415هـ(17 ديسمبر 1994م).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية