مؤتمر عالمي حول الشرق الأوسط بألمانيا



المؤتمرات فن يحذقه الأوروبيون والأمريكيون حتى أصبح لهم فيه القدح المعلى، فهم يعقدونها بدون توقف وحول موضوعات كثيرة جداً، يسعون فيها إلى تجنيد كل طاقاته العقلية، كما يفيدون من الطاقات العقلية لغيرهم من الأمم. ومن المؤتمرات التي تهمنا في العالم العربي الإسلامي ما يخص بلادنا من اهتمامات عند الغربيين. ويكفي للاطلاع على عدد هذه المؤتمرات وتنوعها الرجوع إلى موقع رابطة دراسات الشرق الأوسط في شمال أمريكا أو جمعية دراسات الشرق الأوسط البريطانية أو غيرها من المواقع.

ومن هذه المؤتمرات الذي بذل الأوروبيون والأمريكيون جهوداً ضخمة لعقده المؤتمر العالمي الأول حول دراسات الشرق الأوسط الذي عقد في شهر رجب من عام 1422هـ(سبتمبر 2002م) في جامعة جوتنبرج (رائد الطباعة) بمدينة مينزر  بألمانيا. وقد شارك في التخطيط له أكثر من عشرين هيئة علمية أوروبية وأمريكية (ليس بينها هيئة واحدة عربية أو إسلامية!!) وتضمن المؤتمر أكثر من ألف وخمسمائة بحث بالإضافة إلى المناشط الأخرى للمؤتمر من معارض فنية وعروض سينمائية منها معرض عن الملك عبد العزيز رحمه الله قدمته دارة الملك عبد العزيز ومعرض مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق عرض بعضاً من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مجال الاستشراق وبعض إنتاج المركز في مجال دراسة الاستشراق ونقده.

لقد عقدت العديد من المؤتمرات حول دراسات الشرق الأوسط، بل كان من آخرها مؤتمر عقدته جامعة إكستر ببريطانيا حول إعادة النظر في الاستشراق وتناول هذه الدراسات بالنقد. ولكن هذا المؤتمر تميز بعدة ميزات أولها أنه كان واسعاً جداً بحيث لم يترك مجالاً من مجالات البحث حول العالم الإسلامي إلاّ وتناولها بالبحث فمثلاً كانت هناك حلقات في المجال العقدي وفي مجال القرآن الكريم والحديث الشريف، كما اهتم المؤتمر بالتاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً واهتم بالحياة الاجتماعية في العالم العربي الإسلامي واهتم بصفة خاصة بالمرأة حتى كانت هناك أكثر من عشرة جلسات تخص المرأة.

وبالإضافة إلى هذا التميز في كثرة المجالات والموضوعات فإن نوعية الباحثين والحضور لم تكن كغيرها من المؤتمرات. فلم يقتصر الحضور في هذا المؤتمر على الباحثين الأكاديميين بل إن من أهداف المؤتمر أن يكون فرصة للقاء العلماء والباحثين مع العاملين في مجال الشرق الأوسط في السياسة والاقتصاد والإعلام والتربية حتى تلتقي الخبرة مع العلم للتخطيط لمستقبل المنطقة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومما أكد على أهمية المؤتمر أن ظهرت أصوات في الغرب تزعم فشل دراسات الشرق الأوسط في فهم المنطقة فهماً صحيحاً، فكأنهم يسعون إلى تأكيد أهمية هذه الدراسات وتصحيح مسارها إن شاب هذا المسار شوائب ويخرجوها من الدراسات الأكاديمية البحتة إلى الدراسات العملية الميدانية والإفادة من خبرة السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين والاستخباراتيين.

ومن اللافت للانتباه ضعف التمثيل العربي الإسلامي في هذا المؤتمر فبالرغم من أن الحاضرين من الجامعة الأمريكية بالقاهرة كانوا أكثر من عشرين باحثاً (بعضهم أمريكيون) بالإضافة إلى عدد من الأساتذة من الجامعات المصرية الأخرى إلاّ أن الحضور العربي الإسلامي كان غير ممثل تمثيلاً حقيقياً للإسلام والمسلمين فلم يشترك من المملكة العربية السعودية أكثر من اثني عشر باحثاً نصفهم من مجلس الشورى ومن دارة الملك عبد العزيز. أما إسرائيل فقد مثلها أربعاً وأربعون باحثاً. ومن الذين انتقدوا الحضور العربي الإسلامي جمال سلطان في مقالة له في مجلة الحج (رمضان 1423هـ) حيث يرى أن الذين مثلوا العالم العربي الإسلامي إنما هم من "أهل الاغتراب الفكري والسلوكي ...فبعضهم أكثر تطرفاً في معادة الأمة وهويتها من المستشرقين الخلص، وبعضهم كان يزايد في نقد الإسلام وتاريخه بقصد زيادة التودد إلى الدوائر الاستشراقية التي يطرب بعضها مثل هذا الحديث وتحتضن عادة كل متمرد على الأمة مهما كان ضحلاً أو حتى تافهاً في قيمته الثقافية والفكرية.."

وكم نادينا من قبل أن لا نترك المجال في مثل هذه المؤتمرات إلى هذه الفئة أو الفئة المتدينة الضعيفة في قدرتها على الحوار مع الغرب. وطالبنا أن يزداد تمثيلنا في هذه المؤتمرات كما شكى الدكتور فهد السماري- أمين عام دارة الملك عبد العزيز- حينما شكى ضعف تمثيلنا في مؤتمر رابطة دراسات الشرق الأوسط الذي عقد في شهر رمضان الماضي في واشنطن العاصمة وطالب بدعم حضور طلاب الدراسات العليا السعوديون في أمريكا.

نعم إن هذه المسؤولية إنما هي مسؤولية جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية ومسؤولية الهيئات والأندية والجمعيات الفكرية المختلفة. إن حضور هذه المنتديات من قبل من يعتز بهذه الأمة هوية وتاريخاً وعقيدة ويملك القدرات على الحوار مع الغرب أمر لازب. وإن الشكوى المزمنة من ضعف الإمكانات لا يؤيدها ما تنفقه الجامعات على كثير من المظاهر الاحتفالية أو سفر كبار المسؤولين فيها شرقاً وغرباً. وإن كانت الشكوى من الإجراءات فإن هذه الإجراءات لا بد من تعديلها لتناسب المرحلة الراهنة التي يتعرض فيها الإسلام والمسلمين للهجوم العنيف من قبل وسائل الإعلام الغربية وحتى من قبل المؤسسات العلمية هناك وقد نال المملكة نصيب وافر من هذا الهجوم فهل ندافع عن أنفسنا ونعرض ديننا كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية