الزكاة والمنح الدراسية


                                بسم الله الرحمن الرحيم

                            

                                                               

بدأت أعداد الخريجين في الثانوية العامة تزداد في الأعوام القليلة الماضية إلى درجة لم تعد الجامعات الموجودة والكليات الجديدة تستطيع استيعابهم للدراسة الجامعية، وبدأت شروط القبول ترتفع حتى بلغت التسعين في المائة فما فوق. أما الذي حصل على الثمانين فما دونها فإنما عليه أن يبحث له عن كلية خارج المملكة ولذلك ازدهرت الجامعات والكليات الأهلية في الدول المجاورة.
وشاء الله أن يسعى بعض المواطنين في هذه البلاد إلى فتح كليات أهلية محاولة لاجتذاب بعض هؤلاء الخريجين للدراسة داخل المملكة بين أهليهم وأسرهم ويعيشون في جو محافظ كما هو معروف والحمد لله عن هذه البلاد الطيبة. وكذلك بعض أبناء إخواننا المقيمين في هذه البلاد الطيبة الذين نسعى ليدرسوا في بلادنا فيكونون خير دعاية كريمة لهذا البلاد. ومن هذه الكليات كلية الأمير سلطان الأهلية وكلية عفت وكلية الحكمة وغيرها من المعاهد والكليات التي في طريقها للافتتاح في القريب العاجل بإذن الله.
ولكن التعليم الجامعي ليس كالتعليم في المراحل الأخرى له متطلباته الكثيرة من أساتذة جامعات على مستوى رفيع في الناحية العلمية والخبرة، ومعامل ومختبرات ومكتبات وتجهيزات جامعية بالإضافة إلى النشاطات الجامعية الأخرى التي تحتاج إلى نفقات عالية جداً. فالطالب الجامعي لا تقتصر تكاليف دراسته على نفقات المعلمين والمباني ولكن هناك من المصروفات الكثيرة التي تحتاج إلى مساحة واسعة لتفصيلها. ولذلك حين تنشأ الكليات وتطلب رسوماً عالية يظن البعض أن هذه الكليات إنما تبالغ في الرسوم والأمر ليس كذلك.
وقد عرفت الكليات والمعاهد والجامعات الخاصة في دول العالم هذا الأمر فسعت إلى تغطية هذه النفقات الباهظة بأساليب متعددة منها الحصول على المنح الدراسية من الأثرياء، والهبات العينية والنقدية، وسعت كذلك إلى الخريجين من هذه الكليات تشجعهم على أن يكونوا أوفياء مع جامعاتهم والكليات التي درسوا فيها فأنشأت رابطات الخريجين ليقدموا ما تجود به أنفسهم بطريقة ثابتة ومستمرة لدعم هذه الكليات والجامعات.
أما نحن في عالمنا الإسلامي فما تزال الجامعات الأهلية في بدايتها ولذلك عليها أن تتعرف على الأساليب والوسائل التي تستطيع بها الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة في الغرب أن تنهض بمهمتها العلمية. ويسعى أصحاب الكليات في الوقت الحاضر ومنهم كلية عفت الحصول على دعم بعض أثريائنا لتقديم منح دراسية للمتفوقين من أبنائنا للدراسة في هذه الكلية.
والحقيقة إن هذه الأمة كما قال عنها سيد الخلق كالمطر لا يُعرف أوله خير أم آخره ، فالخير في هذه الأمة وفي رسولها صلى الله عليه وسلم ( الخير فيّ وفي أمتي إلى أن تقوم الساعة) وأبواب الخير في هذه الأمة لا حدود لها. وقد عرف التاريخ الإنجازات العلمية  العظيمة التي كانت نتيجة لتبرعات المحسنين والأوقاف بصفة خاصة. ومن يشأ فليرجع إلى الكتاب القيم للدكتور الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله ( من روائع حضارتنا) وبخاصة في الفصول التي تحدث فيها عن الوقف والمؤسسات العلمية.
وثمة جانب مهم أدركه علماؤنا منذ القديم وإن لم يتوسعوا فيه وهو باب الزكاة وبخاصة في أحد مصارف الزكاة وهو ( وفي سبيل الله) فإن علماؤنا رحمهم الله في القديم تناولوا هذا الجانب وبحثوا هل يمكن أن يدخل الإنفاق على العلم والمتعلمين من هذا السهم فمنهم من تشدد وجعله خاصاً بالجهاد في سبيل الله أي في الغزو وما يلحق به في النواحي العسكرية والحربية، ومنهم من  جعله عاماً. ومع تطور أوضاع الأمة الإسلامية والأوضاع العالمية ووجود أبواب كثيرة يمكن أن تُعد من الجهاد في سبيل الله فكان التعليم أحد هذه الأبواب بلا شك حيث إن الأمة استهدفت في مجال العلم والفكر أكثر من استهدافها في المجال العسكري والحربي.
وقد سئل علماء هذه البلاد ومنهم العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن صرف بعض أموال الزكاة في الإنفاق على العلم والمتعلمين فكان السؤال حول برامج تحفيظ القرآن التابعة لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في كثير من دول العالم وأن هذه البرامج تساعد في إعداد المسلمين لمواجهة هجمات المنصرين والغربيين فهل يمكن صرف الإعانات والرواتب للطلاب والمعلمين من أموال الزكاة. فكانت إجابته رحمه الله أنه ( لا مانع من صرف الزكاة للطلبة الفقراء والمدرسين الفقراء لكونهم من أهل الزكاة ولما في ذلك من تشجيعهم على التعلم والتعليم والتفقه في دين الله ) وكذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بهذا الأمر في فتواها التي أخذت بها الندوة العالمية للشباب الإسلامي في دعم نشاطاتها وبرامجها التعليمية.
ولعل من أكثر من توسع في شرح هذه القضية الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم ( فقه الزكاة) ففي باب ( وفي سبيل الله) تناول هذه المسألة بتوسع كبير فأوضح موقف الفقهاء في المذاهب الأربعة، وأوضح لماذا كان موقف الفقهاء في القديم يميل إلى أن يقتصر سهم في سبيل الله على الجهاد والغزو وما يلحق به من استعدادات. ثم أوضح كيف أن بعض الفقهاء حتى في القديم جعلوا معنى (في سبيل الله ) يشمل أبواب الخير جميعها.
ومما قاله الشيخ القرضاوي في هذا الكتاب القيم :" وإذا كنّا قد اخترنا أن الجهاد الإسلامي لا ينحصر في الجانب المادي العسكري وحده، وأنه يتسع لأنواع أخرى من الجهاد لعل المسلمين أكثر حاجة إليها اليوم من غيرها ، فإننا نستطيع أن نضع عدة صور وأمثلة للجهاد الإسلامي المنشود في هذا العصر. لهذا نرى أن توجيه هذا المصرف إلى الجهاد الثقافي والتربوي والإعلامي أولى في عصرنا بشرط أن يكون جهاداً إسلامياً خالصاً وإسلامياً صحيحاً.."(ص 667-669)
وعلى هذا فإن المنح الدراسية التي تقدمها الكليات الأهلية ومنها كلية عفت الأهلية لتقع بإذن الله في مجال تقوية الأمة لتواجه الغزو الفكري والاستعداد لعودة هذه الأمة إلى القوة التي يتطلبها الإسلام كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) والأمة الإسلامية مدعوة إلى أن تكون قوية مرهوبة الجانب فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وهكذا فإن المنح الدراسية التي لا يستفيد منها الطالب وحده بل إنها تهيئ الفرصة لفتح أقسام علمية جديدة وكليات ومعامل ومختبرات ونشر المجلات العلمية والكتب وعقد الندوات والمؤتمرات أمر محمود أن يكون وسيلة لبعض أثريائنا لينفقوا مما أعطاهم الله ليكون لهم ذخراً عند الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
فهيا يا إخوتنا ممن منّ الله عليكم بالمال الوفير بادروا إلى أن تقدموا المنح الدراسية فإن هذه المنح تعود على بلادكم بالخير الوفير بأن توفر لشاب أن يدخل الجامعة فلعله يكون نابغة فتفيد منه أمته كما أنه يمنع من ضياع شاب عندما لا يجد الفرصة متاحة أمامه للتعليم ، وفوق كل ذلك فإن ما تقدمونه اليوم سيبقى لأبنائكم وأحفادكم وأبناء أحفادكم فقد يحصلون هم على منحة وهبها ثري آخر فإن قدمتم اليوم منحة دراسية أو أكثر فإنما تقدموا لأنفسكم ولبلادكم بعض ما عليكم من واجب تجاهها والله الموفق.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية