ماجيك جونسون.. غياب نجم أم غياب حضارة، للدكتور مازن بليلة -عكاظ




لأنه يفيض بالحيوية والنشاط.. ولأنه محاط بالأضواء والمال.. ولأنه نجم محبوب.. كانت صدمة الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص عميقة الأثر بعد إعلان إصابة ماجيك جونسون بالإيدز.

الكارثة كانت أشبه بكارثة اغتيال كنيدي كما شبهتها الصحافة الأمريكية لتبث الخبر. لم يكن ينقصه شيء لقد جمع الشباب والمال والشهرة كان دخله السنوي 3 ملايين دولار وهو في الثانية والثلاثين من عمره وصاحب الفضل في تحويل كرة السلة إلى كرة استعراضية في الولايات المتحدة شدت أنظار العالم إليه. الحضارة الغربية التي صنعت ماجيك جونسون المليونير الرياضي الشاب لم تستطع أن تحمى جونسون المنحرف أخلاقياً من الإيدز لقد كانت الصدمة قاسية وشديدة وكان الإيدز مارد جبار أمسك بالحضارة الغربية من كتفيها وأصبح يهزها بشدة ويقول لا: كفى.. كفى إباحية ! ألم تستيقظي بعد ؟ لن أسمح لك بالاستمررا في فوضى الجنس التي تسميتنها (حضارة) أنني أستطيع أن أنتزع أعز أبنائك الذي أعطيتهم القوة والمال والشهرة سوف أنتزعه منك إلى الهلاك إذا لم تلتزمي بالفضيلة لن أفرق بين أحد من أبنائك الفقير والغني، والشاب والشيخ والطفل والمرأة.. كلهم عرضة للهلاك عندي. لقد كانت إصابة جونسون أبلغ من عشرات بل مئات الألوف من إصابات الشباب الأمريكي الذين حكم عليهم الإيدز بالموت في المحاجر الصحية طوال عشر سنوات هي عمر المرض في العالم. يقول الدكتور محمد الهرفي: "ظهر الإيدز في سان فرانسيسكو عاصمة الشواذ جنسياً في العالم وفي لوس أنجلوس وميامي ونيويورك بشكل وبائي عام 1981م في عالم ومجتمع الرذيلة والشذوذ)توقعات مركز أبحاث الإيدز تقول أن هناك مليونا إلى مليون ونصف المليون أمريكي مثل ماجيك جونسون اليوم وأن هناك ما يقارب عشرة ملايين مثله في العالم. المشكلة أن ضحية الفيروس لا يموت إلا بعد سنين من حمل المرض مما يعطيه فرصة أكبر ووقتا أوسع للانتشار ونقل هذا الفيروس لشخص أو عدة أشخاص قبل أن يموت. ينتقل الفيروس بالعلاقات الجنسية ونقل الدم وحقن المخدرات ومن الرجل للمرأة ومن المرأة للطفل من دمها أثناء الحمل أو من المهبل أثناء الولادة بل حتى في الرضاعة من الثدي بعد الولادة. الحضارة التي ترضع أبناءها الموت لم تعد مؤهلة لقيادة العالم. لم يعد هناك شك أن النظم العسكري أو السياسي الذي يعجز عن حماية الوطن ويفشل في حفظ أمن المواطنين.. نظام فاشل بجميع المقاييس الدولية ومحكوم عليه بالانهيار وغير جدير بالسيادة والقيادة فكيف إذا كان ضابط الأمن فيه هو مصدر الخطر والإرباك. كذلك فإن النظام الأخلاقي والاجتماعي الذي يفشل في تنظيم علاقة الأفراد وعلاقة الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والرجل بالمرأة ولا يستطيع حماية المواطن من خطر الموت فهو نظام فاشل غير جدير بالاحترام وقيادة المجتمع فضلاً عن قيادة العالم. والحضارة الغربية بظهور مرض الإيدز لعقد من الزمان فيها واختبارها يوم الأول من ديسمبر من كل عام للبكاء على ضحايا الإيدز قد أعلنت إفلاسها الأخلاقي وإدانة نظامها الاجتماعي وكشفت عورتها وسقطت منها ورقة التوت التي حاولت أن تغطى بها سوأتها لم يعد المال والشهرة والرفاهية أن تخفي هذا الفشل لقد قتل الإيدز فيها أكثر مما قتلت الحرب العالمية الثانية في العالم أجمع إضافة إلى ضحايا القنبلة النووية في هيروشيما ونجازاكي. فهل بعد هؤلاء الضحايا ما يؤهل الحضارة الغربية للبقاء.

من فلوريدا إلى واشنطن صاحبت الفتاة الأمريكية (كيمبرلي بيرجلز) صاحبة الثلاثة وعشرين ربيعا حملة إعلامية كبيرة لتدخل الكونجرس على كرسي متحرك في ضحية والدها وهي واحدة من خمس ضحايا المرض الإيدز الذي انتقل إليهم من طبيب أسنانهم !

في الحضارة الغريبة أصبح ضابط الصحة والعلاج هو خنجر مسموم في ظهر الصحة والعلاج جاءت كيمبرلي إلى الكونجرس وسط نقاش حام حول وجوب إخضاع الأفراد لفحوص الكشف عن الإصابة بالإيدز السلطات الفيدرالية نصحت بإجراء الفحوص الطبية اختياريا  لكل من يمارسون مهنا طبية. وهناك قال والدها وهو يبكي (كيمبرلي عار على أمريكا وعارف على الذين يتقاعسون في مجال التصدي لهذا المرض) المرض ينتشر سريعا وقد ظهر حتى الآن في 157 دولة في العالم. وعند إعلان نبأ إصابة ماجيك جونسون بهذا المرض راجع مراكز الفحوص عن الإيدز في يوم واحد 40.000 شخص بدلا من 3800.

حسب المعدل السابق وأصبح معدل الاتصال بالهاتف للسؤال عن المرض وأعراض المرض بمعدل 10.000 مكالمة في الساعة بدلاً من 200 مكالمة في الساعة حسب المعتاد سابقا. الموت بالإيدز خانق ومؤلم وبطيء وقد حاول دهاقنة وكهنة الحضارة الغربية إعادة أصل المرض إلى أفريقيا وإلى جزيرة هايتي وإلى القردة لكن الأخصائي الباحث السعودي حرب عطا الهرفي أثبت في كتابه عن (الإيدز) أن ذلك غير صحيح وأن المرض مصدره العلاقات الجنسية الشاذة والمحرمة في الحضارة الغربية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وأعلن هذا لهم ووافقه عليه المعتدلون من علماء الطب فيها. يقول الدكتور الهرفي (في بداية صيف عام 81 ظهر أول تقرير طبي نشر عن خمسة شبان ذكور من ذوي الشذوذ الجنسي أصيبوا بالتهاب رئوي نادر وماتوا كلهم ثم ظهرت 26 حالة لشباب من كاليفورنيا ونيويورك مصابين بسرطان نادر يسمى سرطان كابوسي وتتابعت الحالات بعد ذلك عندها تيقن الأطباء أن هذا مرض جديد.

ويقول أيضاً (في المؤتمر الدولي الذي عقد في الكويت فبراير 86 تحت رعاية منظمة الصحة العالمية عن الإيدز قدم البروفسور (مارك) من جامعة هارفارد دراسة أثبت فيها أن الفيروس الذي يصيب القرود في أفريقيا يختلف عن الفيروس الذي يصيب الأمريكان والأوروبيين ويقول بعد انتهاء الجلسة الأولى: وقفت وعلقت وفندت النظرية الأفريقية لمرض الإيدز ووقف بعدي البروفسور (ريتشارد تيد) من لندن مؤيدا لنقدي للنظرية الأفريقية للمرض) انتهى.

وقد أورد الدكتور الهرفي ذلك في كتابه وأوضح معاناة المصابين بهذا المرض كيف يصارعون الموت بعذاب شديد خصوصاً المصابين بالسرطان الكابوسي الذي ينشر في الجسم بقعا سوداء من الأورام الخبيثة والبكتريا التي تملأ فم المريض وحلقه والمرئي وتمنعه من بلع الطعام والالتهاب المزمن إضافة إلى الآثار النفسية البالغة للعذاب حين يرى أهله وذوبه ينفرون منه ويشعر بعقدة الذنب والخطيئة ويكره كل الناس من حوله. والكتاب جدير بالقراءة والإطلاع. وبعد:

فإن غياب النجم العالمي ماجيك جونسون ليس إلا عرضا لغياب أكبر وهو غياب الحضارة الغربية نفسها، أنه ليس زوال نجم رياضي بل زوال أمة بأسرها بكل قيمها ومفاهيمها وأخلاقها. إنه ليس أفول نجم واحد بل أفول شمس الحضارة الغربية وأن الأول من ديسمبر من كل عام ليس جديراً بأن يكون اليوم العالمي للإيدز ولكنه يوم العزاء العالمي لوفاة الضمير في الحضارة الغربية.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية