الإسراف مرض اجتماعي خطير


                            
لقيته بعد خروجي من المسجد فقال ما دمت قد أصبحت كاتباً يومياً فإليك موضوع يستحق أن تكتب فيه وبخاصة أننا في فصل الصيف وتكثر ولائم الأعراس وغيرها ويكثر فيها الإسراف والبذخ. فقلت له بل إن هذا الموضوع يستحق أن يكتب عنه طوال العام وليس في فصل الصيف وحده. فالإسراف داء خطير إذا ما أصاب مجتمع ما فإنه يدمّره تدميراً. ألم تقرأ قول الله تعالى ( وآت ذا القربى حقه والمساكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)

وكأن الآية الكريمة تشير إلى أن مما يجعل الإنفاق تبذيراً أن لا يكون في المستحقين من الأقارب وابن السبيل. وقد عجبت أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كلّفت أحد علمائها أن يقدم محاضرة في السرف المالي في الوقت الذي كانت البلاد تعاني من الاحتلال وتعيش ظروفاً اقتصادية صعبة.وفيما يأتي تلخيصا لتلك المحاضرة:

لقد ألقى المحاضرة الشيخ مبارك بن محمد الميلي بتكليف من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتضمنت الموضوعات الآتية: معنى السرف ، وذمه والوعيد عليه وعاقبته ، وحدّه في المحرم وفي المندوب وفي المباح ، كما تناول الموازنة بين السرف والاقتصاد وكيفية مقاومته وطرق المقاومة.

وبدأ بالتعريف فجاء فيه أن الإسراف هو:" تجاوز الحد في الإنفاق ، وهو أخو التبذير ، كلاهما إضاعة للمال . وذكر أن القرآن حذر منه في آيات منها ( ولا تأكلوا إسرافاً وبداراً أن يكبروا)  وقوله تعالى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) وقوله تعالى  (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً)

ومن المجالات التي يظهر فيها الإسراف الزواج وتوابعه من مهر وحفلات الزفاف. فقد يغالي البعض في الصداق ليقال فلان دفع مهراً قدره كذا وكذا. وقد ذكر الميلي رحمه الله أن من أثار الإسراف في المهر أنه يغرس الكراهية في نفس الزوج " لما يحدثه التكلف في الصداق من ضعف رابطة المحبة والرحمة التي هي مساك الحياة الزوجة وثمرة هذا الغرس هو سوء العشرة أو الفراق الذي يجرح العواطف ويسىء حياة الأبناء."

وعرّف الميلي الاقتصاد بأنه " الاستقامة على نهج الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط وهي الرتبة التي عناها ابن الوردي بقوله: بين تبذير وبخل رتبة   وكلا هذين إن زاد قتل.

وتناول الميلي الأمور التي يظهر فيها إسراف الناس في زمنه فذكر منها الدخان والشمّة والقهوة والشاي وذكر أننا لو وفرنا في هذه الأمور وأنفقنا ما وفرناه في المشروعات الخيرية فإننا نستطيع أن نقوم بكثير من المشروعات التي نعجز في الوقت الحاضر على القيام بها.

وأذكر في هذا المجال بعض الأقوال التي تدعو إلى الاقتصاد لعلها تكون تذكرة لمن يريد أن يعيش حياة هانئة. ومن ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى رجلاً يشتري لحما وسأله ما هذا قال اشتهينا اللحم فقال عمر ( أ كلما اشتهيتم اشتريتم؟) وفي قول آخر ( كفي بالمرء سرفاً أن يشتري كلما اشتهى) وأحب أن أتمثل عبارة جميلة في هذا المجال( من اشترى ما لا يحتاج إليه اضطر إلى بيع ما يحتاج إليه).وكان تاجر ذهب يردد عندما يرى أهله يسرفون : ومن أخذ البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد)

والذين يسرفون يبخلون في أمور ينبغي أن ينفقوا فيها. فالذي يسرف في الإنفاق على ملذاته وعلى الترف والنعيم الزائد تجده يبخل في الأمور التي ينبغي أن ينفق فيها وقد ذم القرآن الكريم البخل وجعل من يستطيع التغلب عليه من المفلحين( ومن يوق شح نفسه فأولئك هو المفلحون).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية