من سياحتي الداخلية: يومان في ينبع


                                                     بسم الله الرحمن الرحيم

                                       

          كان التلفزيون السعودي يقدم برنامجاً رائعاً وناجحاً بعنوان (في ربوع بلادي) حيث يمتطي مقدم البرنامج مع عدد من الاخوة والأبناء سيارة صالون كبيرة (جيمس) يتجولون فيها في ربوع المملكة الحبيبة ، وأعتقد أن مادة هذا البرنامج قد نشرت في كتاب من عدة أجزاء بهذا العنوان، قامت بنشره الرئاسة العامة لرعاية الشباب. ولا شك أن البرنامج كان من البرامج الناجحة جداً لأنه يتيح الفرصة لأبناء هذه البلاد التعرف إلى بلادهم بطريقة جميلة وتعليمية مشوقة.

      وقبل أيام امتطيت وأسرتي سيارتنا(الجيمس) إلى مدينة ينبع لنستمتع بالبحر وللتعرف على جزء مهم من بلادنا الحبيبة . وقد وفر عليّ أحد الإخوة الأعزاء  التفكير في السكن حين استضافني في منزله في مساكن الهيئة الملكية للجبيل وينبع. ومع ذلك فقد علمت بوجود بعض الشقق المفروشة كما يوجد أكثر من فندق بالإضافة إلى المساكن البحرية .

       وصلنا إلى مساكن الهيئة الملكية بينبع فلم نجد كبير عناء في التعرف إلى المنزل الذي نريد ذلك أن  أحياء الهيئة لها أسماء مميزة وثمة خرائط على بعض المداخل وأرقام المنازل واضحة، وفي الشوارع لوحات تحمل أسماءها مما يسهل الوصول إلى المنزل المقصود بيسر وسهولة. وأسماء الشوارع جميلة في غالبها فهي تحمل أسماء الفهد والأمير عبد الله والأمير سلطان والأمير عبد المجيد وأسماء بعض المناطق الجغرافية في المملكة وأسماء أخرى وحبذا لو أضيف إلى هذه الأسماء بعض أسماء الشخصيات الإسلامية العظيمة كأسماء الخلفاء الراشدين وأسماء بعض الصحابة الكرام ، وبعض علماء هذه الأمة في القديم والحديث.

      وقد أعجبني تنظيم المدينة السكنية حيث الشوارع المعبدة فلا تجد فيها عوجاً ولا أمتاً فقد أمضيت يومين شعرت كأن السيارة تسير على بساط أو سجاد أو أرضية غرفة من الغرف. ووجدت أن الشوارع ليس فيها حفريات عرضية أو طولية وإن وجدت فهي نادرة جداً حتى إنها لا تختلف عن بقية الطريق.وسلامة الشوارع هذه أدت إلى أن يختفي من المدينة السكنية أي محلات لإصلاح أعطاب العجلات (محلات البنشر).وقد أوصلت الخدمات جميعها إلى المنازل فلم أشاهد خزانات المياه في أعلى المنازل أو في داخلها مما يبعد فرصة تلوث المياه. ولا أدري لماذا درسنا نظرية الأواني المستطرقة التي توضح أن الخزان العمومي يكون أعلى من أي منزل في المدينة فتصل المياه بقوة وتدفق إلى المنازل جميعاً دون الحاجة إلى مضخات. ولم أشاهد أماكن بيع المياه النقية حتى إنني سألت أحد الجيران لأشتري جالونا من الماء النقي فلم يعرف ما أقصد فالمياه في المنازل مياه نقية صالحة للشرب والطبخ.كما أن الكهرباء متوفرة في جميع المنازل بما يكفي استهلاك أي منزل فلا حاجة لتمديدات إضافية أو عدادات إضافية. وقد شاهدت هذا الأمر أيضاً في المساكن الجامعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

وفي كل حي من أحياء المدينة السكنية ناد ترفيهي يأتي إليه أبناء الحي لممارسة بعض الرياضات ومنها السباحة وبعض الألعاب الرياضية كالتنس والبلياردو وغيرهما. كما توجد أندية نسائية تقوم عليها بعض السيدات وهي خاصة بالنساء حيث يمكن أن يمارسن أنواع الرياضة المختلفة ونشاطات أخرى اجتماعية وثقافية.

إن حكومة بلادنا الرشيدة تبذل الكثير من أجل تطوير المدن بما ترصده من ميزانيات ضخمة للمشروعات العمرانية والسكنية والتعليمية والاجتماعية. ولكن تبقى مسؤولية الشركات والقطاع الخاص. فالمخططات التي تعطى التراخيص للبيع والبناء فيها حبذا لو قام أصحاب المخططات بتنفيذ التمديدات الأساسية حسب مواصفات تضعها الجهات المسؤولة كتمديدات المياه ، والكهرباء، والهاتف، والصرف الصحي. وقد احتاج أحد الجيران إلى الكهرباء فكانت الحفرية أكثر من مئة متر. وقد كان طول الحفرية بسبب الحاجة إلى إنشاء محطات تقوية. وقد أشار إلى هذه القضايا الصديق الدكتور سالم سحاب في مقالته عن زيارته للمنطقة الشرقية وحديثه عن الأحياء التي أنشأتها أرامكو واقتراحه أن تستفيد الأمانات والبلديات المتخصصة من عمل أرامكو.

 أما شكل المخطط فإن شوارع الهيئة لا تزيد في الغالب على عشرة أمتار إلاّ في بعض الشوارع الرئيسية التي تصل إلى العشرين والثلاثين والسبب في ذلك أن هذه الشوارع مخططة تخطيطاً سليما والأرصفة قد عملت وليس ثمة حاجة إلى هذه الشوارع الكبيرة. كما أن التخطيط لم يلتزم الزوايا الحادة وأشكال المربع والمستطيل حيث استخدمت المنحنيات والزوايا وغير ذلك. فهل غاب عن أصحاب المخططات أنهم يكسبون أكثر لو أفادوا من مثل تخطيط الهيئة والجامعات للأحياء السكنية. ويلاحظ أيضاً توفر المواقف في كل مكان فلا يمكن أن تجد وقوفاً مزدوجاً أو خاطئاً. إن هذه المدينة والمدن السكنية الجامعية تدل على أننا قادرون بحمد الله أن ننشىء أحسن المنشآت التي تجعل الحياة في مثل هذه المدن سهلة ميسورة فهل يلتفت أصحاب المخططات إلى هذه الأمور؟

 والكورنيش في الهيئة مخطط تخطيطاً جميلاً فقد قسم إلى قسمين أحدهما خاص بالعائلات والآخر للعزاب وقد غرست فيه الأشجار كما أقيمت فيه الملاعب والنجيل الأخضر وأقيمت فيه المظلات وأماكن الشواء ووضعت فيه أفياش للكهرباء . ويوجد في المكان محلات للاستحمام بالماء العذب بعد السباحة في البحر، كما توجد دورات مياه للرجال وأخرى للنساء.

وقد زرت مدينة ينبع البحر وتجولت قليلاً في المنطقة القريبة من الميناء فوجدت بيوتاً مبنية من الحجر تدل على ذوق معماري جميل وقدرة على الإفادة من المواد المتوفرة في المنطقة من حجر ونورة وغيره. وقد ساءني أن كثيراً من البيوت تبدو خربة ومهجورة مع أنه بالإمكان المحافظة عليها واستغلالها. فهل نفيد من هذه المنازل فقد قاومت مئات السنين وهي بإذن الله قادرة على البقاء أكثر إن قرر المهندسون ذلك، فتكون المحكمة في منزل وتكون الشرطة في منزل آخر ويقام متحف في منزل وهكذا.

وقفه : قرأت خبراً عن قرب إنشاء متحف الآثار في المدينة المنورة ففرحت كثيراً بهذا الخبر وبخاصة أنني قد كتبت قبل أكثر من سنتين أدعو إلى هذا الأمر وإنني أود أن أرى كل النجف والتحف التي كانت في المسجد النبوي الشريف وكذلك التحف الموجودة في مكتبة الملك عبد العزيز في هذا المتحف ليكون فرصة لاطلاع الحجاج والزوار على هذه الآثار الإسلامية الغالية. ولكن السؤال أين هذه النجف وهي ملك الأمة؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية