المسلمة والإعلام الغربي






لو كان سهماً واحداً لاتقيته*** ولكنه سهم وثان وثالث

لا أدري لماذا تذكرت هذا البيت من الشعر حينما كنت أحرك مؤشر المذياع بحثاً عن إذاعة ما خالية من التشويش فإذ بإذاعة تتحدث اللغة العربية من تلك الإذاعات الموجهة ألا وهي "الإذاعة الألمانية" فأوقفت الحركة لأسمع حواراً بين المذيعة وامرأة فلسطينية . فماذا كان موضوع البرنامج؟

لقد كان حواراً مع امرأة فلسطينية دعيت هي وزميلات لها من قِبَل الحزب الاشتراكي الألمـاني لزيارة ألمانيا والاجتماع بالجمعيات والاتحادات النسائية الألمانية. وسألت المذيعة الضيفة عن رأيها في وضع المرأة العربية فأثنت على المرأة الجزائرية في أثناء حرب التحرير حيث شاركت في النضال مشاركة فعالة ، ولكنها تنعي عليها الآن عودتها إلى البيت وترك ساحة النضال. وطالبت الضيفة الفلسطينية أن تشارك المرأة الفلسطينية في الإدارة وفي غيرها من الأعمال سعياً لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.

وانتهى الحوار لتبدأ التساؤلات في ذهني حول أهداف دعوة الحزب الاشتراكي الألماني لنساء فلسطينيات لزيارة ألمانيا. فهاهي واحدة منهن تدعو إلى  المساواة (المزعومة) وخروج المرأة مـن بيتها . ولا شك أن مثل هذه الدعوة تجد تأييداً ودعماً قوياً من الجمعيات النسائية الألمانية لأنه انتصار لمبادئهن وقيمهن الغربية التي أخرجت المرأة من مكانتها التي خلقها الله لها.

وتساءلت كم من البرامج واللقاءات التي تقدمها( الإذاعة الألمانية ) تخصصها لتشجيع هذه الاتجـاهات في بلادنا العربية الإسلامية لنبقى في دائرة التقليد لغيرنا من الأمم. ولا أدري هل تحرص هذه الإذاعة على " الموضوعية" التي تتشدق بها الإذاعات الموجهة فتعرض لنا الآراء التي تخالف التوجهات الغربية ، وتنادي بالحفاظ على مكانة المرأة السامية التي نادى بها الإسلام؟

ولكنّي سرعان ما طرحت فكرة ( الموضوعية) جانباً وقلت أية موضوعية هذه التي أنتظرها من الإذاعات الموجهة فالغرب كل الغرب لا يرى في الدنيا إلاّ قيمه ومبادئه. فهذا وزير خارجية ألمانيا كلاوس كينكل الذي كان يرأس الاتحاد الأوروبي يدافع عن المارقة تسليمه نسرين دفاعاً مستميتاً، وينادي بشدة (كأن له الحق في هذه المطالبة) بان تمنح حكومة بنجلاديش الحرية لهذه المارقة لتخرج إلى أي مكان تشاء. وتذكرت عدة مقالات للكاتب الأستاذ فهمي هويدي التي يستعرض فيها تزعم ألمانيا لنشاطات سياسية داخل القارة الأوروبية للتحذير والتخويف من الحركـات الإسلامية التي يصفونها خطأ ب(الأصولية) وتذكرت أيضاً أن ألمانيا تعامل اللاجئين إليها من بعض البلاد الإسلامية معاملة مشوبة بالقسوة وتقييد الحرية.(*)

لم أتعجب طويلاً فألمانيا هي بلد مارتن لوثر زعيم حركة المحتجين لذي عرف الإسلام معرفة جيدة وقادته هذه المعرفة ليثور على استبداد الكنيسة الكاثوليكية ، وينادي بأمور لم تكن لتخطر على بال أوروبي لولا احتكاكه بالثقافة الإسلامية. ورغم هذا الفضل فقد كان لوثر من أشد المعادين للإسلام وبخاصة الدولة العثمانية التي كانت القوة العظمى حينذاك.

ولم أتعجب لموقف ألمانيا فهو التي ما تزال حتى يومنا هذا تقدم المساعدات السخية لدولة العدو الصهيوني بحجة التعويض عن جرائم زعم أن الحكومة النازية قد ارتكبتها في حق اليهود فخمسون سنة من الكرم المتواصل لا تكفي لغسل تلك الذنوب.

نعم " لو كان سهماً واحداً لاتقيته "(** )لأنه في الوقت الذي تدعو فيه ألمانيا هؤلاء النسوة فإن الأندية الأدبية ومؤسسات البحث العلمي في أوروبا وأمريكا تكرم كثيراً من الخارجين على  أمتهم وتحتفي بهم وتروج لأفكارهم زاعمة أنها تمثل الإسلام . ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث.





* - في هذا اليوم الذي أعيد طباعة هذا المقال (16جمادى الأولى 1418، 17سبتمبر 1997)نشرت الشرق الأوسط تقريراً مطولاً عن قيام السلطات الألمانية بحملة واسعة لترحيل اللاجئين إليها أو المقيمين من غير الألمان . وقد نقلت الصحف أنباء بعض الأعمال الإجرامية التي قام بها بعض الألمان ضد المسلمين من أصل تركي.
** في صبيحة يوم الاثنين 14جمادى الأولى (13 سبتمبر 1997) استضافت إذاعة لندن (القسم العربي) أحد المسؤولين التونسيين ليتحدث في برنامج حول العالم العربي عن ندوة تعقد في تونس هذه الأيام حول المرأة . وقد أشاد بالقوانين (العظيمة) التي سنّها بورقيبة ومصطفى كمال وزين العابدين بمنع تعدد الزوجات ومنع الطلاق والمساواة بين الرجل والمرأة . بينما تحدثت الإذاعة نفسها عن مؤتمر عقد في الدوحة وكان إسلامياً بسخرية مريرة . فأين الموضوعية!!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية