تفسير تركي الحمد الجديد للتاريخ


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                     

الدكتور تركي الحمد متخصص في العلوم السياسية وتقاعد مبكراً من الجامعة ونشر روايتين، ولكنه في مقالته الأخيرة (وتبقى العصبية هي الختام) (الشرق الأوسط، 21شوال 1419) أراد أن يقنعنا أننا ما زلنا نتمسك بالعصبية القبلية الجاهلية وأنه لم تنفع معنا كل القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام محاربة لهذه العصبية.
أولاً ليسمح لي الدكتور أن أتحدث عن انطباعاتي التي ليست مجرد عواطف وإن كان الارتباط قوياً بين العقل والعواطف. وقد خاطب القرآن الكريم العواطف والوجدان كما خاطب العقل حيث يتلازم الاثنان في أوقات كثيرة. أما انطباعاتي فهي أنني شعرت بأننا أمة لم تتجاوز المرحلة الجاهلية التي قال فيها عمر بن كلثوم : ونجهل فوق جهل الجاهلينا ولم نتجاوز العصبية التي قال عنها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (دعوها فإنها نتنة) فقلت يا سبحان الله هذه الأمة التي انتشرت حضارتها في كل صوب وعمت الدولة الإسلامية مشارق الأرض ومغاربها لم تتجاوز العصبية القبلية. أي قراءة هذه للتاريخ الإسلامي؟ ولنفترض جدلاً مع الدكتور تركي الحمد أن العرب لم يستطيعوا التغلب على القبلية الضيقة ولم يستطع الإسلام أن ينقلهم من هذه الروح فما الحل يا دكتور حمد؟
يا دكتور حمد كيف سمحت لنفسك أن تختصر تاريخ أمة بلغ أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلى سطور قليلة نقلت بعضها عن طه حسين من كتابه (على هامش السيرة) التي يزعم هو نفسه أنه لم يكتبه للعلماء ولا للمؤرخين ، ولكنه كتبه كما كتب اليونانيون أساطيرهم. وهو ليس كتاباً موثوقاً في الحديث عن سيرة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه. وكيف نسبت إلى تاريخنا ما قاله شاعر يفتخر في جاهليته بأمور أقرب إلى خيال الشعراء منه إلى حقيقة الفخر؟
 إن تاريخنا يا دكتور حمد يبدأ منذ اللحظة التي أعلن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى الناس كافة، وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نبذ الجاهلية وعصبيتها وتاراتها . إن تاريخنا يبدأ باللحظة التي جعلت بلال بن رباح الحبشي يقف كالصخرة شموخاً وعزة في وجه تعنت المشركين وعذابهم وجعل سمية رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام وجعل سلمان الفارسي من آل البيت (سلمان منّا آل البيت).
لو أن الأمة الإسلامية كانت بالصورة التي أتعب الدكتور حمد نفسه في رسمها لما بنت تلك الحضارة التي مازالت حضارات العالم كله قديماً وحديثاً لم تصل إلى ذراها. ولما ظهر فيها قادة عسكريون من مختلف القوميات كان لهم دور مبارك في تاريخ هذه الأمة ، ولما ظهر علماء في اللغة وفي الآداب وفي التفسير وفي الحديث من مختلف القوميات.وانظر كيف نأخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب جمعها علماء من بخارى وأواسط آسيا.
وأعود إلى العصبية القبلية التي أعمت بعض المشركين من قريش حتى رفضوا الرسالة والنبوة ولكنها لا يمكن أن تشمل الرسول صلى الله عليه وسلم فالقصص التي أوردها تركي الحمد تشير إلى خلافات في عهد الشباب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض المشركين ومنهم بصفة خاصة عمرو بن هشام ( أبو الحكم- أبو جهل) وتساوي في العصبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وهو أمر لا يمكن القبول به في رسول حارب العصبية القبلية الجاهلية ونجح في ذلك أيما نجاح وان هذه العصبية لا تعود إلى الظهور إلاّ حينما تخفت الروح الإسلامية والتمسك بالدين القويم.
ليت الدكتور تركي الحمد يقرأ التاريخ الإسلامي قراءة علمية صحيحة، ويترك المنهج الاستشراقي الذي يبدأ بأفكار مسبقة ويبدأ بحشد الأدلة الواهية والضعيفة والمتهافتة ليثبت صحة مقدماته التي لا تقف أمام المنهج العلمي الصحيح. إن المبادرة السعودية المباركة لإنقاذ شعب العراق انطلقت من قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وانطلقت من قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) وليس من العصبية القومية الجاهلية.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية