علو الهمة والطموح، وأين أنا منهما ولكن...


الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض

إدارة التطوير والتحفيظ

مركز نورين للتدريب والتطوير



علو الهمة والطموح







إعداد

مازن بن صلاح مطبقاني

أستاذ الاستشراق المشارك بقسم الثقافة الإسلامية

كلية التربية- جامعة الملك سعود


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد تلقيت اتصالاً هاتفياً من هذه المؤسسة المباركة (مؤسسة نورين لرعاية الموهوبين في الحلقات القرآنية) تدعوني لإلقاء محاضرة عن علو الهمة والطموح، ففكرت فيما أنا في السيارة في مشوار قصير: هل علو الهمّة موضوع يمكن أن يخصص له محاضرة، ومن اخترع بدعة المحاضرات، فكرت في خطب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودروسه فتخيلت أنها كانت غالباً قصيرة، وكما جاء في الحديث (كان صلى الله عليه وسلم يتخيرنا  أو يتخولنا بالموعظة، مخافة السآمة) فإن كان ذلك الجيل العظيم يخشى عليه من السآمة فما بالنا في هذا العصر الذي كله سآمة في سآمة في سآمة... لأنك تقود سيارتك إلى عمل فتصيبك السآمة من القيادة،

      فهل علو الهمة والطموح يحتاجان إلى موعظة؟ بحثت في الذاكرة عن أحاديث عن علو الهمة فتذكرت منها قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله -تعالى - يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها) وفي حديث آخر عن الهمة (لو تعلقت همة ابن آدم بالثريا لبلغها) وفي حديث آخر إن الإنسان إذا تمنى فلينظر ما يتمنى فقد يكون باب السماء مفتوحاً ، يعني أن يتمنى أعلى الأمور وأعظمها..... وربما تعرفون قصة بعض السلف وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير، فقد كانوا يجلسون في صحن الكعبة فتمنى عبد الله بن الزبير أن يصبح خليفة، وتمنى مصعب أن يحكم العراق وتمنى عروة أن يؤخذ العلم عنه، أما عبد الله بن عمر فقد تمنّى الجنة، وقد تحقق للثلاثة ما تمنوا ويقول راوي القصة وأسأل الله عز وجل أن يتحقق ما تمنى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

      وقد وجدت كلاماً جميلاً للدكتور علي بادحدح في تعريف الهمة أنقله لكم فيما يأتي:  "الهمّة : " مشتقة من الهمّ ، والهمّ : هو ما يُهمّ به من أمرٍ ليُفعل ، قال أهل اللغة: الهمّة هي الباعث على الفعل ، وتُوصف بعلو وسفول، أي فيقال : همّة عالية .. وهمّة سافلة وفي بعض القواميس:الهمّة بالكسر هي أول العزم ، وقد تُلق وتُخص بالعزم القوي، فيقال: همّة عالية أي قوية .

ونرى أيضاً التعريف الذي يُوضح الصلة بين الهمّ والهمّة .

وما يتعلق أيضاً بالعزم ، فيما ذكره ابن القيم - رحمه الله - حيث قال : " الهمّة فعلة من الهمّ " ، وهو مبدأ الإرادة . أي الهمّ مبدأ الإرادة ، ولكن خصّوها - أي الهمّة - بنهاية الإرادة  فالهمّ مبدأها ، والهمّة نهايتها ، والجامع بينهما أنهما - أي الهم والهمة - أمر نفسي يبعث على العمل ، فأوله وبدايته همّ ونهايته أي التي تكون أعلى مراتبه وأسمى مقاصده هي الهمّة يقول ابن الجوزي رحمه الله :" وقد عُرف بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر فيه فقصر بعض الهمم في بعض الأوقات .. تفتر أو تقتر ، فإذا حُثت سارت .فمتى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعِم ، أو كسلاً فسل الموفِّق ..

فلن تنال خيراً إلا بطاعته .. فمن الذي أقبل عليه ولم يرد كل مراد " .

هذا أمر مهم ؛ لأن بعض الناس يقول :من أين سآتي بالهمّة العالية ؟

الجواب : فتش عنها بين جنبيك ..ابحث عنها في أعماق نفسك ..إنها في قلبك ..

إنها أمر لا تستجلبه من خارجك .. بل تستنطقه وتستحثه من داخلك .

وأذكر كتيباً صغيراً بعنوان (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) للفقيه الأندلسي الكبير أبو محمد علي بن أحمد سعيد بن حزم القرطبي، تحدث فيه أن كل إنسان له هم معين يرتبط به ويفكر فيه في كل وقت ويشغله ربما ليل نهار، فمن الناس من همّه أن يكثر ماله وتمتلئ خزائنه بالمال (منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال)، ومن الناس من همه السيارات (لم يكن في زمن ابن حزم)، ومن الناس من همّه السفر والارتحال، ومن الناس من همّه جمع كذا وكذا، ومن الناس من همّه الآخرة وطلب رضوان الله عز وجل ويتساءل من أي الناس أنت ويحث في كتابه القيم على أن يكون هم المسلم السعي إلى رضوان الله عز وجل.

        ومع ذلك أتساءل هل يُتَعَلّم علو الهمة، صحيح أن الأدب العربي زاخر بالحديث عن الهمة وما أجمل كلامنا نحن العرب ولكننا نحتاج أن نكمل القول بالعمل حتى لا نقع في ما حذر منه القرآن الكريم في سورة الحشر {يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}

أما من الشعر فأول ما أذكر قول الشاعر

ومن تكن العلياء همة نفسه          فكل الذي يلقاه فيها محبب.


وقول الشاعر:

               إذا غامرت في شرف مروم               فلا تقنع بما دون النجـوم

                 فطعم الموت في أمر حقير                كطعم الموت في أمر عظيم

       و علو الهمة سلوك فأعتقد أن ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم كان أبلغ من كل الكلام الذي يمكن أن يقال ويخطب. فلو رجعنا إلى كتب المناقب في كتب الحديث لوجدنا ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إنما هو للتحفيز ورفع شأن من فعل شيئاً. وقبل الحديث الشريف هناك الآيات الكثيرة في الثناء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فمن الأنبياء الذين جاء الثناء عليهم في القرآن الكريم إبراهيم عليه السلام حيث قال الله عز وجل فيه {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} (سورة النحل آية 120)، ووصف بعض الأنبياء بصفات جميلة تدل على تحقيقهم مكانة عالية ومن ذلك الآيات التي تبدأ بقول الله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}(سورة مريم آية 41)


      وحث القرآن الكريم على الاقتداء بالأنبياء في عدد من الآيات ومنها قوله تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35] وكذلك في قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }(سورة الأنعام آية 90)

      وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال عز وجل {سابقوا إلى مغفرة من ربكم}(الحديد: 21) وقال تعالى:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } (آل عمران: 133) وقال تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون}(الصافات61) وقال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (المطففين: 26)

        وفي الحديث الشريف أن العبد إذا سأل الله الجنة فليسأله الفردوس الأعلى، وفي هذا دلالة على أن يتطلع المسلم إلى أعلى الدرجات ليكون رفيقاً لسيد الخلق والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. يقول صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ) صحيح البخاري حديث رقم 2581 (موسوعة حرف)

       تجارب شخصية

ولا بد أن أذكر والدي رحمه الله فقد كانت تربيته مميزة حيث كان يعطيني من الثقة قدر الجبال، وهذه الثقة هي التي جعلتني أعمل وأعمل حتى في أحلك اللحظات عندما عدت بلا شهادة من أمريكا كان ينتظر مني شيئاً، وعاد ليشجعني على الالتحاق بالجامعة من جديد ويقدم دعمه وحثه ونصائحه حتى أكملت المرحلة الجامعية في ثلاث سنواتونصل، والتحقت ببرنامج الماجستير في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز. وأحمد الله عز وجل أنه حضر مناقشة الماجستير وسمع بعض الثناء على جهدي. وسمعه فيما بعد من وزير الشؤون الإسلامية في الجزائر ومن الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي كتب مقدمة رائعة للرسالة حين طبعت كتاباً.

وتربية والدي كما ذكرت ذات مرة بالتلميح فبيت الشعر الذي قاله المتنبي

              يقولون لي ما أنت في كل بلدة              وما تبغي أبتغي جل ما يسمى

لم يشرحه أبي ولم يقل هكذا تكون الهمم، كما أن والدي أحضر لي أول ما قرأت سير الأنبياء ولعلها كانت قصص عبد الحميد جودة السحار رحمه الله، ومن أعظم من الأنبياء أن تفتح أعين أبنائك على سيرهم، وليس سير لاعبي كرة القدم أو سير المغنين والمغنيات. ما أعظم أبي رحمه الله رحمة واسعة.

مجلة العربي ومقالة أحمد زكي رحمه الله       

وهناك محطات في حياة الإنسان تؤثر فيه وتقوده إلى الطموح وعلو الهمّة فما زلت أذكر مقالة قرأتها وأنا في الثالثة عشرة من عمري في مجلة العربي للدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية وكان ذلك في أوائل الثمانينيات الهجرية بعنوان: "ماذا يعني أن تكون رجلاً يشار إليك بالبنان" وكان يتحدث فيها عن الشخص الذي يصبح بارزاً في علم من العلوم أو فن من الفنون أو مهنة من المهن أو صنعة من الصنائع فيصير مشهوراً إلى درجة أن يشار إليه بالبنان. فلا أدري هل كنت أتخيل أن أكون واحداً من هؤلاء الذين يشار إليهم بالبنان، ولكن لا أخفيكم أنه وقع في نفسي حب ذلك الشيء أي أن أكون بارزاً في تخصص ما.

         المحاضرات العامة:

أذكر كذلك محاضرة للشيخ سعيد حوّى رحمه الله ألقاها في مسرح كلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز بجدة في التسعينيات الهجرية وكنت في ذلك الوقت في بداية التحاقي ببرنامج الانتساب في قسم التاريخ وكان ملخصها أن المسلم ينبغي أن يكون الأول أو أن يأتي أولاً بعكس المثل الذي نردده بسبب الهزيمة النفسية (فرنجي برنجي) وضرب الأمثلة من المواهب العظيمة التي كانت للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وكيف أن كل واحد منهم كان قمة في مجال من المجالات فهذا الصديق رضي الله عنه كان قمة في إيمانه وتصديقه حتى لقّب ب (الصدّيق) وكان قمة في القيادة حيث تولى الخلافة في أصعب ظروف مرت بها الأمة المسلمة حتى وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها حال الأمة بأنهم كانوا كالغنم في الليلة المطيرة، وأن ما أصاب المسلمين لو أصاب الجبال الرواسي لهاضها لولا أن قيّض الله أبا بكر الصديق رضي الله عنه. وعمر بن الخطاب كان عبقرياً ومحدثاً كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عثمان قمة في الكرم والسخاء والحياء، وكان علي رضي الله عنه قمة في الشجاعة والعلم والفقه،    وكان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قمة في الشجاعة والتضحية، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رامياً حتى إنه لما وقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي المشركين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ارم سعد فداك أبي وأمي)

     وذكر أمثلة معاصرة من مسلمين متفوقين أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم للتقدير والاحترام. فقد عمل مهندس جيولوجي في شركة في بلد عربي وكان خبيراً لا يستغنى عنه وكان يصر على أن يرتدي الزي العربي وأصرت الشركة على أن يرتدي الملابس الإفرنجية ولكن لمّا كانوا بحاجته تنازلوا عن شرطهم وسمحوا له بارتداء الزي الذي يريد.

     وسأل بعض الشباب أبا الأعلى المودودي رحمه الله النصيحة فقال لهم: "ليكن كل واحد منكم مرجعاً في مجاله أو في تخصصه" والأمة لن ترقى ولن تنهض إلاّ بمجموعة كبيرة من القمم، فالمتوسطون أو من هم دون المتوسط لا يمكن أن ينهضوا ولا أن يبنوا أمة أو حضارة. وأمثلة التفوق والطموح في هذه الأمة حين كانت في أيام عزها ومجدها لا حدود لها. فقد أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاثة رجال إلى سعد بن أبي وقاص مدداً له في القادسية وقال له " إن الواحد من هؤلاء بألف" فكأنه أرسل إليه ثلاثة آلاف.

وأعود هل الهمة العالية تحتاج إلى محاضرة؟ لكم أن تجيبوا والسلام.

للاستزادة حول علو الهمّة والطموح يمكنكم أن تطلعوا على المواقع الآتية:

1-             محاضرة الشيخ محمد حسن يعقوب والرابط هو الآتي:


2-            همم سمت نحو القمم



*        نبذة عن المحاضرة : تكلّم فَضِيلَةُ الشَّيْخِ - حَفِظَهُ اللهُ – عن أصحاب الهمم العالية والطموح السامية فالهمة تحرك القلوب إلى علام الغيوب، وتحدو بالنفوس للعمل لما يرضي الملك القدوس، هي مع ذلك صرخةٌ وحدا. صرخة تهتف: أن أغلق باب الدعة والسكون والراحة، وافتح على المصراعين باب العمل بهمة وطُموح في اتزان وبصيرةٍ، وانْزِل السَّاحة، والأهم فالأهم تكن الراحة. أن أغلق باب الكرى، وافتح باب النَّصب والعمل، رقيًا مشروعًا مع أولي النُّهى، أَمِط عن رأسك قناع الغافلين، ولا تتجاوز الحد في المشروع تكن مع الهالكين، سِر بخُطى ثابتة في الميدان، ولا تَغربَنَّ عليك الشمس وأنت لازلت في تواكل أو توان. سَدِّد وقارب، فما النَّاس وأنا وأنت منهم إلا كإبل مائة هُزَال مترنحة مسترخية، ولا تكاد تجد فيها راحلة.

الإحباط:

       يشكو كثيرون من الإحباط والتثبيط وهما حقيقتان في حياتنا وفي عالمنا العربي الإسلامي، فلا يستطيع الإنسان أن ينجح حقيقة إلاّ إذا استطاع أن يتغلب على الإحباط والتثبيط وإن لي مقولة أعتقد أنها مفتاح التغلب على الإحباط والتثبيط (إنه لا يحبط إلاّ من كان قابلاً للإحباط والتثبيط) وكأن هذه المقولة تشبه ما قاله مالك بن نبي رحمه الله في أن الدول تُستَعمر لأن لديها القابلية للاستعمار) وكذلك الإحباط والتثبيط. فإذا شعرت أنك تتعرض للإحباط أو التثبيط فكن كالسيل الذي لا تقف في طريقه صخرة كبيرة أو صغيرة إلاّ التف حولها، وكلما واجهت إخفاقاً أو عقبة فتذكر أن طريق المجد ليس مفروشاً بالورود والزهور والرياحين، وكم رددنا مع الشاعر

لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله     لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.

أليس مُحْبَطاً من يقول

وما العيش إلاّ نوم وتبطح    تحت النخيل وماءُ


كتابات مختلفة حول علو الهمة

أسباب دنو الهمة الهمة

        فإذا كان لعلو الهمة أسباب فإن ثمة أسباب تؤدي إلى دنو الهمة وقد وجدت في أحد مواقع الإنترنت حديثاً في هذا الموضوع أقدمه بين أيديكم وهو كما يأتي:

"وأكثر الأشياء التي تؤدي إلى دنو الهمم في نظري هو الجهل الجهل بالنفس وبدورها في هذه الدنيا، وكذلك الجهل بهذا الدين وعظمته، والجهل بالأحكام الشرعية، والبعد عن الأجواء العلمية التي تعطرها آيات الكتاب المبين وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إن التي تجهل أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة حيث الخيرات الحسان، والنعيم المقيم، وحيث الراحة والسعادة الأبدية سوف تخسر كثيرا، وهذه الخسارة فادحة؛ لأن مجرد كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ولأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولأن السيئة بمثلها، ولذلك يا لخيبة من غلبت سيئاته حسناته رغم هذا الفضل والإكرام !!
       وثاني الأسباب العجز والكسل ولذلك أكثر النبي صلى الله عليه وسلم التعوذ منهما .. الكسل في أمور الدراسة شيء سيئ، والكسل في الدعوة وعدم ابتكار طرق ووسائل جديدة أمر مزعج، والكسل في تكوين علاقات طيبة تكون بداية لأخوة في الله تكسب حلاوة في هذه الدنيا والكسل في طلب العلم ينـتج شخصية معتمدة على الآخرين في كل شيء، والكسل في القيام بحقوق الناس من خوارم المروءة كل هذا يصِمُ صاحبه بدنو الهمة .
       وثالث هذه الأسباب سماع الباطل من الغناء وقراءة الروايات الهابطة من مثل روايات نجيب محفوظ أم غيره، وكذلك مشاهدة المسلسلات والبرامج التي تقضي على الحياء وتشجع على الرذيلة وتهون من شأن القيم والمبادئ الإسلامية، وتحرض على التمرد على الآداب.. وهذا كله باسم الحرية الشخصية. فهذا السماع يقضي على الخير في الشخصية السوية، ويجعل منها شخصية تجري وراء ملذاتها من غير اعتبار لأي فضيلة فأي خسارة في الدنيا والآخرة يكتسبها صاحب هذا المسلك؟! ورابع الأسباب ترك صحبة الأخيار، وصحبة من لا ترعى واجبات ربها.. فالأخلاق تنتقل بالمجالسة والمزاملة!!

     

ومن أجمل ما كتب حول هذا الموضوع ما سطرته يراع الأستاذ الفاضل محمد أحمد إسماعيل المقدم في كتابه الموسوم بـ "علو الهمة" يقول في موضع من الكتاب "الهمم العالية لا تعطي الدنية، ولا تقنع بالسفاسف، ولا ترضى إلا بمعالي الأمور:

إذا ما كنت في أمر مرومِ *** فلا تقنع بما دون النجومِ

فطعم الموت في أمر حقيرٍ *** كطعم الموت في أمر عظيمِ

إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئاً في الدنيا فسوف يكون زائداً عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صلبها ومتنها عضواً مؤثرا:
وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عد من سقط المتاع

إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته- بحول الله وقوته- ما يراه غيره مستحيلاً، وينجز- بتوفيق الله- ما ينوء به العصبة أولو القوة ويقتحم- بتوكله على الله- الصعاب والأهوال، لا يلوي على شيء

له همم لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجل من الدهرِ

فمن ثم قيل: "ليس في علو الهمة إفراط في الحقيقة، لأن الهمم العالية طموحة وثابة، دائمة الترقي والصعود، لا تعرف الدعة والسكون.. ".

قيل لبعض السلف "بم أدركت العلم؟ قال بالمصباح والجلوس إلى الصباح " وقيل لآخر فقال ((بالسفر والسهر والبكور في السحر)).. وحكى شيخ الإسلام النووي عن شيخه الإمام الجليل أبي إسحاق المرادي قال "سمعت الشيخ عبد العظيم- رحمه الله- يقول: "كتبت بيدي تسعين مجلدة وكتبت سبعمائة جزءا" قال النووي "قال شيخنا" "ولم أر ولم أسمع أحداً أكثر اجتهاداً منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار". ولم يكن العلم في ذلك الوقت ميسراً وسهلاً، بل لا بد من السفر وشد الرحال.. وهذا بطبيعة الحال يتبعه ترك الأهل والأولاد وتحفل التعب والمشاق روي عن الرازي ما يدهش اللب من علو همته في الرحلة لتحصيل العلم إذ قال:"أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى طرسوس، ولي عشرون سنة".

سأضرب في طول البلاد وعرضها *** لأطلب علماً أو أموت غريبا

فإن تلفت نفسي فلله درها *** وإن سلمت كان الرجوع قريبا

وفي دراستي لحياة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله أحد علماء الجزائر الأفذاذ وباني نهضتها الحديثة وجدته في شبابه يكمل سبع سنوات من الدراسة في الزيتونة في أربع سنوات، وكان يكثر من السهر حتى إنه ليبتعد عن النوم يجلس على الأرض دون أن يكون لديه سجاد أو فراش حتى إذا أخذه النوم استيقظ من برودة الأرض، وكان يشرب القهوة ليس للمزاج ولكن لتبقيه متيقظاً ليحصل العلم وهو الذي لم يعرف الكيف ولا كثير الطعام بل كان لا يكثر من الطعام مطلقاً.

 والحقيقة أن انتشار العلم كان بفضل الله تعالى ثم بجهد وتعب هؤلاء الرجال الأفذاذ ولعل ذكر الجزء يغني عن ذكر الكل ولو ذكرناه لطال بنا المقام.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية