هل الحياة الزوجية صراع أو سكن ورحمة؟؟؟


                      

                                                                     

عندما يتزوج الشاب في المجتمعات العربية الإسلامية يتطوع الكثيرون لتقديم النصائح له ما يفعله وما لا يفعله ؟ وتتركز النصائح على أن على الرجل أن يفرض شخصيته من أول يوم أو من ليـلة العرس. بل يرى البعض أن على الرجل أن يظهر شخصيته على خطيبته في أثناء الخطبة.ومن هذه النصائح قولهم ينبغي أن تذبح البس (القط) ليلة العرس. ويقولون له أيضاً: " الفرس من الفارس."

         ولا تقتصر النصائح على الشباب بل للفتيات نصيب من هذه النصائح منها مثلاً  أن تبالغ في الـدلال والتمنع حتى تمتلكه أو تكسب قلبه فيكون في يدها مثل (خاتم سليمان). فينصحونها مثلاً بأن تتمنع أو تبالغ في التمنع إذا اقترب منها العريس سواء كان ذلك في فترة الخطبة أو حتى بعد الزواج. ولدى بعض فئات المجتمع لا يمكن للرجل أن ينال شيئاً من زوجه إلاّ بعد قتال وعنف شديد. وإن كانت الأمور قد اختلفت كثيراً لكن روح هذه النصائح موجودة.

        وبالنسبة لعلاقة المرأة بالرجل والحرص على أن يكون للمرأة موقع قوي في الأسرة أو حتى موقـع تسلطي فأذكر من هذه الصور القصة التي كتبها تشارلز ديكنز ( توقعات عظيمة) التي يتحدث فيها عن  المس هافاشام فيما أذكر- التي تعرضت لتجربة مريرة مع الرجال في شبابها حتى إن أحدهم وعدها بالزواج وقد أعدت الموائد للاحتفال به وبالزواج ولكنه أرسل برقية في آخر لحظة بأنه لن يأتي ممـا جعلها تترك كلَّ شيء على حاله . وهنا تبدأ في الانتقام بتبني بعض الأطفال الفقراء وتدرب الفتاة على أن تكون قاسية مع الشباب تغريهم بحبها ولكنها أماتت قلبها فتعذب كلَّ من يفكر بحبها أو الاقتراب منها.

         وقد فعلت الصحافة والسينما الشيء الكثير لتجعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تنافر وصراع  على السلطة في البيت ، ففي الصحافة والسينما هناك صورة ما يسميه إخواننا المصريون (سي السيد ) الرجل المتسلط الذي يأمر فيطاع ، ولا يدخل البيت حتى يصبح الجميع كأنهم موتى فلا تسمع أحداً ينبس ببنت شفة. وللمرأة نصيبها من هذا التصوير الكاريكاتوري فهناك المرأة المعلـمّة، وما زلت أذكر فيلم الراية البيضاء الذي تتحدى فيه سناء جميل الممثل جميل راتب وهي التي تحكم البلدة التي يسكنان فيها، وتنتهي بهزيمته فيرفع الراية البيضاء دليلاً على هزيمته.

         ما هي إذن العلاقة المثالية بين الرجل والمرأة . ما زلت أذكر قصة العالم المسلم الذي تزوج ففي الليلة التي بنى بها بأهله عندما دخل قام فصلى ركعتين فأسرعت للصلاة معه ، ثم وضع يده على جبينهـا ودعا لنفسه ولزوجه بأن يجمع الله بينهما بخير، ثم التفت إليها وتحدث عن أنها امرأة غريبة عنه ولا تعرف طباعه فذكر لها ما يحب وما لا يحب. وهنا لم تقف المرأة سلبية بل تحدثت قائلة ما كنت لأخطب في مثل هذه المناسبة لكنك جعلت الرد عليك واجباً .ثم قالت إنها كان من الممكن أن تتـزوج من أقاربها أو من قبيلتها ولكن هذه هي المقادير وهي ستسعى إلى العمل بطاعته كسباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى.

         هذه صورة من الواقع الذي تربت عليه هذه الأمة التي تأسست على توجيهات الرسول الكريم  صلى  الله عليه وسلم ونصائحه لأمته . فقد جاء في الحديث الشريف ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركـم لأهلي) وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يرفع يده على أحد من أهله. وتصف حاله في بيته بأنه كان إذا دخل بيته كان في مهنة أهله يخصف نعله ويرقع ثوبه وغير ذلك من الأعمال. ولما جاء رجل ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل أحفاده قال إن لي عشـرة من الولد ما قبلت أحداً منهم أبداً. فقال له صلى الله عليه وسلم :" وما أملك لك إذا نزعت الرحمة من قلبك ، من لا يرحم لا يُرحم)

        أما وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم فهي واضحة صريحة في وجوب الرفق والرحمة ، فكان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قوله (استوصوا بالنساء خيراً) وقد وردت هذه العبارة في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وقد كانت تلك الخطبة من الخطب الجامعة التي استمع إليها أكبر عدد ممكن أن يجتمع في مكان واحد. ومن الأمر بهذه المعاملة الراقيـة للمرأة  يدرك المسلم أنه لا يغلب المرأة إلاّ لئيم ويغلبن كلَّ كريم. وفي الوقت نفسه طُلِب من المرأة أن تطيع زوجها وتحرص على رضاه وبخاصة أن عليها أن تكون أمينة على ماله ونفسها وأولاده. ويكفي أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جعل أفضل متاع الدنيا المرأة الصالحة.

         وهكذا نرى أن المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة ولا صحة مطلقاً لهذه النصائح العجائزية التي تدعو إلى العنف في التعامل مع المرأة وفرض الشخصية والنفوذ ، وإنما المسألة مسألة مودة ورحمة. فهـل نترك هذه النصائح إلى المبادئ والمثل والقيم التي جاء بها الإسلام حيث يحترم كلُّ طرف الطرف الآخر في هذه العلاقة العظيمة الذي وصفه القرآن الكريم   بأنه ميثاق غليظ وجاء في الحديث الشريف بأن أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج فأي تقدير للمرأة أعظم من هذا حيث جعل الوفاء بشروط العقد أولى من أية شروط أخرى مهما كانت مهمة.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية