كرسي الدراسات الأوروبية والأمريكية


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

            

كتب الدكتور عبد الواحد الحميد قبل سنتين أو أكثر عن تقديم ثري سعودي تبرعاً لإنشاء كرسي للمحاسبة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ولم نقرأ في الصحف بعد ذلك ما تم بشأن هذا الكرسي. وكم كانت خطوة عظيمة أن يتقدم أحد أثريائنا بمثل هذا التبرع فنحن أمة الخير وأمة العطاء وإن الدارس للوقف في تاريخ الأمة الإسلامية ليجد نماذج عظيمة في مجال تشجيع العلم والعلماء. ويمكن لمن يريد الاستزادة أن يراجع ما كتبه الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه القيم : من روائع حضارتنا. بل إن الأوقاف ما تزال موجودة التي تخص طلبة العلم والعلماء .

إن إنشاء هذا الكرسي أو الكراسي أو الأقسام للدراسات الأوروبية والأمريكية أصبح ضرورة من ضرورات الدراسات الجامعية ذلك أن هذه الأمة هي أمة الدعوة وأمة الشهادة ومن واجبات الداعية أن يعرف البيئة التي يتوجه إليها بالدعوة. ويعود هذا الأمر إلى بداية الدعوة الإسلامية فبعد أن لقي الرسول e عدداً من الأوس والخزرج وعرض عليهم الدعوة وسمع منهم شيئاً عن أحوال مدينتهم أرسل معهم مصعب بن عميرt ليعلمهم أمور الإسلام وليتعرف أكثر وأكثر على البيئة الجديدة التي قبلت الإسلام.

ولقد كان من ميزات قريش في الجاهلية نشاطها التجاري الذي كان يهيء لها الفرصة للتعرف على البيئات المحيطة وهذا سهيل بن عمرو t عندما  أرسلته  قريش  لمفاوضة  الرسول e وشاهد كيف يعامل الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام قال :" لقد رأيت كسرى في ملكه ورأيت هرقل في ملكه ولم أر أحداً يحب أحد كحب أصحاب محمد محمدا." وظل هذا ديدن الأمة الإسلامية في معرفة الشعوب الأخرى فقد ظهر منّا رحّالة وجغرافيون وعلماء في عقائد الأمم الأخرى. وفي الحروب الصليبية نجد أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار يعطى صوراً واضحة وصريحة لشخصيات الفرنجة وأخلاقهم ومزاياهم. يتحدث عنهم حديث عالم الاجتماع وعالم النفس وبإنصاف دون تهويل أو تشويه أو تضخيم.

لقد ورد في صحيح مسلم وصف عمرو بن العاص t للروم مما  يدل على معرفة عميقة بالشعوب المجاورة. فهل اكتفينا أن نكون نحن مجالاً لدراسات الأمم الأخرى وأن نكون كالكتاب المفتوح بالنسبة لهم ليوجهوا حياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية كما يشاؤون ؟ إنّ علينا أن نبادر نحن إلى معرفة أنفسنا أولاً معرفة دقيقة ثم نتوجه إلى العالم لنعرفة. فالحاجة ماسة اذن لقيام كراسي للدراسات الأوروبية والأمريكية وأيضاً لا ننسى أننا بحاجة لدراسات حول الشعوب الإسلامية المختلفة وكذلك دراسات جنوب شرق آسيا. إن المعرفة العلمية الأكاديمة أمر ضروري في مجالات كثيرة فنحن بحاجة إلى لجنة حكومية على مستوى رفيع تبحث في احتياجات المملكة من الأفراد الذين تحصلوا على درجة عالية من المعرفة بالشعوب الأخرى لغة وثقافة واقتصاداً وسياسة. ولهذه اللجنة أن تقدم اقتراحاتها المفصلة للجهات المعنية مثل وزارة التعليم العالي ولا بد أن تتصل اللجنة بوزارة الخارجية وبجهات رسمية أخرى يهمها أن يكون لديها متخصصون في هذه المجالات . ولا بد أن أذكر أن الحكومة البريطانية ألّفت لجنتين لدرساة أوضاع الدراسات الأوروبية الشرقية والسلافية والشرقية والشمال أفريقية عامي 1947 والثانية عام 1961. وربما كوّنت لجان بعد هذا التاريخ.

المهم إن رجال الأعمال لدينا بحاجة إلى متخصصين بجوارهم ليفيدوهم في طريقة التعامل مع الشعوب الأخرى . وما زلت أذكر أن الخطوط الهولندية لا تبعث مندوباً للتفاوض مع دولة من الدول قبل أن تزوده بملف كامل عن تلك الدولة يحتوي على معلومات عن أوضاع تلك الدولة عقدياً وتاريخياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً. كما أن وزارة الإعلام بحاجة إلى من يتقن اللغات المختلفة ويعرف ثقافات الشعوب وكذلك وزارة الخارجية لتدعيم السلك الدبلوماسي بمتخصصين في هذا المجال.

لقد خطى منتدى أصيلة خطوة إيجابية في إنشاء معهد للدراسات الأمريكية قبل سنتين ولعله يبدأ في الدراسة في القريب العاجل، ولكننا بحاجة إلى عشرات المراكز والأقسام لدراسة مختلف الشعوب الأوروبية والأمريكية والجنوب أسيوية وغيرها. والله الموفق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية