الجزء الثاني من حوار منتدى طلاب وطالبات جامعة الملك سعود


تشهد الساحة الفكرية خلافات حادة بين التيارين الإسلامي والليبرالي ويحاول المحايدون من التيار الوسطي إيجاد صيغه توافقيه بين الطرفين عن طريق الحوار إلّا أن الفشل الذريع هو سيد الموقف في كل مرة ما السبب برأيك؟

    هذه الخلافات ليست وليدة اليوم فمنذ اليوم الذي وطئت فيه أقدام المحتل الأوروبي ثم الأمريكي أرضنا الإسلامية حرص على أن يكسب طائفة من أبناء هذه الأمة لفكره ومبادئه ومعتقداته. فالفكر الليبرالي العلماني المتغرب إنما هو هجين وليس أصيلاً. ومن درس الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي لعرف كيف أن المحتل حرص دائماً على أن يربي هذه الفئة على عينه فمعظمهم نشأوا في المدارس الغربية التي زرعت في بلادنا وعلى أرضنا. يقول الشيخ محمد السعيد الزاهري (عالم جزائري) في كتابه الإسلام في حاجة لدعاية وتبشير عن طلاب المدارس العربية (هي فرنسية قلباً وقالباً ولكنه أسماها عربية): "هؤلاء الطلاب لا يتحدثون العربية فيما بينهم، وهم لا يصلون ولا يصومون، بل يكادون لا يؤمنون بالله" ومن المعروف أن الاستعمار مكّن لهم لقيادة الأمة حين رحيله. وحتى البلاد التي لم تطأها أقدام المستعمر فتح أبواب مدارسه الموجودة في الدول القريبة لأبناء الجزيرة العربية أو المملكة على وجه الخصوص فدخلوا كلية فيكتوريا في مصر والكلية الأمريكية في بيروت، ودخلوا الجامعة الأمريكية في القاهرة وفي بيروت، ووصل كثير من هؤلاء إلى مناصب مهمة بل تكاد تكون كثير من المناصب محتكرة عليهم ولو رجعنا لسجل وزرائنا لوجدنا كثيراً منهم درسوا في تلك المدارس.

     والتيار الليبرالي وقد سيطر على منابر الرأي والتوجيه في بلادنا مارس أقسى أنواع الإقصاء والحرب المعلنة وغير المعلنة للاتجاه الإسلامي. وحتى عندما يفتح المجال قليلاً للتيار الإسلامي إنما هو "ذر للرماد في العيون" ولإسكات معارضيهم بأنهم متفتحون. لقد فتحت الشرق الأوسط صفحة (دين ودنيا) واستقطبت الدكتور محمد الهاشمي الحامدي وكانت صفحة قوية ولكن في بحر من التيار العلماني المتشدد فكم شهدت تلك الصحيفة صولات وجولات أقطاب الفكر العلماني.

    ولا أبرئ التيار الإسلامي من شيء من الإقصاء ولكن لأن معظم منابر الإعلام إنما هي في أيدي من يسمون بالليبراليين فأعتقد أنهم لم يختبروا حقيقة. وإن كنّا ننظر لتجربة قناة (دليل) بأنها فتحت المجال لمحاورة الليبراليين وفسحت لهم المجال فهل تفسح صحف الآخرين ومنابرهم الإعلامية المجال للاتجاه الإسلامي المعتدل وهو الغالب والحمد لله.

أأ
س: هل تؤمن بوجود تيار ليبرالي حر داخل المملكة يريد نشر العدل والحرية والمساواة؟

     يوجد أشخاص يرون أنفسهم في هذا التيار، وأما وصف التيار الليبرالي بالحر فنحتاج إلى تعريف الحرية. فالحرية التي عرفها بلال بن رباح رضي الله عنه، والحرية التي قال عنها ربعي بن عامر رضي الله عنه (إنّ الله جاء بنا وابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الواحد الأحد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" تلك حرية حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش...)  الحرية في الإسلام أن يتحرر الإنسان من كل سلطان عليه إلاّ سلطان الواحد الأحد، سلطان الدين والشرع والقيم والأخلاق. أما الليبرالية الغربية فمن أي شيء يريدون الحرية؟ هل يريدون الحرية من الاستبداد السياسي، فأسألهم ما الكتاب المنزّل أو غير المنزّل الذي ذمّ الاستبداد والدكتاتورية أكثر من القرآن الكريم. يكفي أن نعرف كم مرّة ذُكر فرعون في القرآن الكريم في سياقات سياسية:

·       (ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد)

·       (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)

·       (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)

    ولو سلّمنا أنهم يريدون نشر العدل والحرية والمساواة فعلى أي أساس وما التشريع الذي يستخدمونه لتحقيق هذه الأمور؟ إن البشر جميعاً ليبراليين وغير ليبراليين يريدون العدل والحرية والمساواة.  ولن أبالغ حتى الحيوانات تريد حرية وعدلاً ومساواة بطريقتها. ولكن من المؤتمن أن يحقق العدل والمساواة؟ هل نستطيع أن نجد خليفة كأبي بكر الصديق  رضي اليه عنه حين يقول–ويعني وينفذ ما يقول-" القوي فيكم ضعيف عندكم حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني"  كيف نستطيع نحن في العصر الحاضر أن نجعل لهذه القواعد آليات للتطبيق. تلك مسؤوليتنا جميعاً سواءً من زعم أنه ليبرالي أو غير ليبرالي.

س: أفضل كتاب المقالات في الصحف السعودية من وجهة نظرك و الذين يحظون بمتابعتك؟!

منذ أن انقطعت عن الكتابة المنتظمة في الصحف لم أعد أتابعها متابعة قريبة، ولكني لا بد أن أشيد بالكاتب الدكتور محمد صلاح الدين رحمه الله من صحيفة المدينة المنورة الذي يكتب عموداً يومياً، ولو كان عندنا شركات أو مؤسسات ترعى الكتاب ولا أعرف الترجمة وهي Syndicate حيث تتعاقد مع الكاتب وتقوم هي بدورها نيابة عنه  بنشر مقالته في عدد من الصحف لقاء أجرة معينة وليس كما تفعل الصحف حيث يعطون الكاتب مكافأة –وليس أجراً-ويقولون له في كل مرة–رمزية-أما راتب رئيس التحرير وطاقمه وأرباح مجلس الإدارة والمساهمين فلا تسأل تلك أسرار. أقول لو كان عندنا مثل هذه الشركات كانت مقالاته تستحق أن تنشر من المغرب إلى البحرين أو قطر، ولو أمكن ترجمتها لاستحقت أن تنشر في الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية. وأقرأ لعبد العزيز السويد وأقرأ للدكتور عاصم حمدان من صحيفة المدينة. والكتاب الذين يكتبون بإخلاص وأمانة قليل ولكنهم موجودون والحمد لله.

 س:المدرسة الدينية المحافظة لدينا دائماً ما تهاجم الصحف المحلية و كتابها، إلى متى تستمر هذا الحالة و متى نجد بدلاً من ذلك مشاركة و مزاحمة لما يروه ويقولوا عنه سيئ ؟!

    أنت محق إلى حد ما فالصراخ والشتم ليس من أخلاق المسلم فتصف السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يكن لعّانا ولا طعّانا ولا الفاحش البذيء، وأنا أربأ بالمتدنين أن يكونوا كذلك، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون. ولا مبرر للصراخ ضد الكتاب من التيارات الأخرى. أما مسألة الكتابة ومزاحمتهم فالأمر صعب ولو خبرت أحوال الصحف من الداخل لعذرت المشايخ والمتدينين ابتعادهم القسري. ومع ذلك فلا بد أن يتحملوا المسؤولية في أنهم تركوا الإعلام لغيرهم ولما قويت شوكة الآخرين جاءوا ليقولوا أعطونا فرصة. عندما كان الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ينثر إبداعاته في التلفاز وفي الكتابة وعندما كان لعلماء الأمة في الأقطار العربية والإسلامية صحفهم لم يكن المشايخ عندنا يلتفتون لهذا الأمر– لا تلتفت لشيخ يرسل المقالة النفاقية إلى كل الصحف ليرى صورته وما هو بكاتب بل حتى كويتب كثيرة عليه-لم يتعلم أصحاب الاتجاه الإسلامي فن كتابة المقالة الرشيقة الشيقة السهل الممتنع، يقرأ الناس أنيس منصور وكانوا يقرأون أحمد بهاء الدين وربما يقرأون كثيراً من الكتاب الذين لا أحب أن أصنفهم بل هم غير إسلاميين فأين من تقرأ له بروح إسلامية وأسلوب ممتع؟ ولماذا لم تنشأ صحف إسلامية في بلادنا ولماذا لم نتعرف كيف نلتف على القوانين الجائرة في مسألة إنشاء الصحف؟

س: ما هي الصفات الأساسية في كل شخصية مفكرة؟

  بعض الأسئلة صعب للغاية، فماذا تقصدين بالشخصية المفكرة؟ لقد اخترعنا هذا اللقب لنطلقه على أشخاص من باب المجاملات وإلاّ فإن كل واحد منّا يفكر، ولكن ما نوع التفكير وما عمقه وما فوائده؟ لا تعجبني مثل هذه الألقاب لذلك لا أعتني بها كثيراً. ولكن الإنسان ليكون تفكيره سليماً لا بد أن يتسلح بالمعرفة والمعرفة والمعرفة، والأهم من ذلك أن نتذكر (ومن لم يجعل الله نوراً فما له من نور) ولنتدكر كذلك (وأضله الله على علم) وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (احذروا كل منافق عليم اللسان) وقوله عن المنافقين (وإن يقولوا تسمع لقولهم)   
س: ما الكتب التي تنصح بقراءتها للمبتدئين لتشكيل دعامة يرتكز عليها في تشكيل الثقافة بعد كتاب الله وسنة رسوله وتوافقهما؟

     لقد سبقني كثير إلى الحديث في هذا الموضوع ولن أكون أفضل منهم فخذي كتاب محمد أحمد الراشد عن القراءات الضرورية، وكتاب مكتبة الأسرة الذي أعده الدكتور عبد الحميد أبو سليمان ونشره المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وكتاب الشيخ سعيد حوى رحمه الله جند الله ثقافة وأخلاقاً ولكن كما كان أبي يقول رحمه الله اقرأ أي شيء وكل شيء ولو لقيت ورقة ملقاة على الأرض التقطها واقرأ ما فيها ولا تقرأ كل أسطرها اقرأ الكلمة الأولى من كل سطر فربما أضافت إلى حصيلتك اللغوية ثلاث كلمات جديدة.

س: كيف للإنسان أن يفصل نفسه قليلا عن التحليق في عالم الأحلام والطموحات والمشاغل والهموم والأهداف _ولو نفسياً-التي تشغل تفكيره وذهنه على مدار كل لحظات وساعات حياته وتمثل كراكيب ذهنية قد تعيق التفكير وتخمد الهمة ليعيش قليلاً على أرض الواقع المحسوس كإنسان عادي جداً همه المأكل والمشرب وتحقيق الرغبات والأهواء ليس إلا, ليحلق في عالم الطموحات والأهداف بكل طاقات وذخائر قوية ومؤثرة ؟!؟!؟!

    سؤال طويل ولكن ستكون إجابتي مختصرة. ليضع الإنسان لنفسه هدفاً في الحياة مثل أن يرى أن عليه مسؤولية الإسهام في إصلاح نفسه ومجتمعه وترقية أمته ولا أنسى كلمة الصديق رضي الله عنها (ليت من يأتي بسياقها):"الله الله أن يؤتى الإسلام وأنا حي" فأقول لله دره ما أعظمه من صحابي جليل جعل نفسه مسؤولاً عن الإسلام كله، ومع ذلك كان له أسرة وزوجة (تزوج قبل وفاته وكانت زوجه حامل وقال لعلها تضع بنتاً فاقسموا لها من الميراث) وهل شغلته هموم الدنيا عن أن يعد الجيوش ويقود الأمة في الصلوات ويأكل ويشرب ويداعب الأطفال ويحلب شياه الحي ويزور المرأة العجوز وغير ذلك.

س: نصيحتك لنمط من الناس يمتلك رغبة صادقة في التعلم في كل شيء ومن كل شيء ويتعلم بيد أن موقفه جداً سلبي في العطاء ؟!؟!

     الإنسان السلبي حرمه الله من لذة العطاء فماذا يمكن أن يقال له؟ لقد كان أبي رحمه الله يكرر أمامنا (اليد العليا خير من اليد السفلى) وكان يصر على أنه إن أحسن إلينا إنسان أن نكافئه وهو أدب إسلامي علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) ومن أين تأتي الخيرية إن لم تكن من العطاء. وما زلت أذكر حديث (كل سلامى من الناس عليه صدقة) فكيف نوفي حق المولى عز وجل فيما أنعم به علينا من نعم إن لم نكن من الإيجابيين لا السلبيين؟

س: بحكم وظيفتك الحالية (أستاذ مشارك في كلية التربية  كيف نبرز تميز نظام الشريعة الإسلامية في الاهتمام بمجال علم السياسة؟ وكيف يمكننا دحض حجج من ينتقد على علماء الإسلام أن اهتمامهم ضئيل بمجال علم السياسة بالمقارنة بعلم العبادات؟

      ليتك تدرسين معي مادة (سلم 104) النظام السياسي في الإسلام ولكن سأضع لك رابطاً لكتاب الدكتور نصر محمد عارف لتعرفي حجم اهتمام علماء هذه الأمة بالشأن السياسي وكيف نغفل عن هذا التراث العظيم. والرابط هو:


وأذكر دائماً عن عمق اهتمام الإسلام والقرآن بخاصة في السياسة أن فرعون ذكر في القرآن الكريم في سبع وستين موضعاً في معظمها في سياقات سياسية:

-   (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) الآية

-   (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)

-    (ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد)

-  (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)

-   ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)

   وفي الجانب الآخر أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل ومن ذلك قوله:(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله)

وأما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة منها:

-    (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)

-    (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليهم إلاّ شق الله عليه)وغيرها كثير

س: ما الفكر التنويري وما أهدافه؟ وهل ترى أنه أصبح ينتشر بين أوساط مجتمعات الشباب والشابات تحت مسمى الليبرالية؟؟

الجواب: كما يدل الاسم أنه من النور والضياء والخير لأن فكرهم هو عكس الفكر الظلامي والمتخلف. والفكر التنويري ظهر في أوروبا ليواجه الكنيسة التي استبدت بالأمور وقيدت العقل والفكر بل حرمت ذلك. فإن زعم أناس في الغرب إنهم تنويريون فيمكن أن يكون مقبولاً في ثقافتهم. أما جماعتنا الذين يطلقون على أنفسهم تنويريين فيقصدون التحلل من الدين وشعائره وتشريعاته لينطلقوا في شهواتهم وأهوائهم دون قيود أو وازع من دين أو ضمير. ربما لا يصرحون بذلك علانية ولكن هو ما في نفوسهم تماماً. ومعركتهم الأساسية كما يزعمون مع المؤسسة الدينية أو العلماء أو المتدينين. ويستخدمون في حربهم النعوت والألقاب ولديهم قاموس في التعامل مع الإسلام والملتزمين بالإسلام والمعتزين به فمن هذا القاموس: الصحوي، السلفي، التقليدي، الرجعي الظلامي، الإسلاموي، الإسلام السياسي وغير ذلك من المفردات.

       من الصعب الحكم على مدى انتشار هذا الفكر في بلادنا ولكن الحقيقة أن لهؤلاء ضجيج أكبر من حجمهم، وتسلقوا منابر الرأي والتوجيه والإعلام وحرموا غيرهم وأزعم بأنهم اغتصبوا الإعلام وسيطروا عليه منذ زمن بعيد. ويتصفون بالاقصائية الشديدة. وهم منظمون أو هكذا يبدو وانظري إلى الضجة التي أثيرت حول عبده خال. وأنا لا أعده كاتباً من الدرجة العاشرة ولكن أن ينساق الوزير إلى الاحتفاء به كأن جائزة البوكر (لعبة قمار) صك له لدخول الجنة. وقد سبقه محمد شكري وقباحاته ووقاحاته التي لا تعد ولا تحصى وقد اطلعت على رواية محمد شكري الخبز الحاف أو الحافي فتتشابه مع ما كتبه عبده خال عن وصف الجنس واللواط وغير ذلك.

ولا يمكن قياس مدى الانتشار إلاّ إذا وجدت لدينا مؤسسات بحثية تستطيع أن تبحث في الرأي العام بمصداقية ومهنية وشفافية فحتى تتوفر أظل أزعم أنهم قلة وإن كان عددهم يزيد بدعم من وسائل الإعلام التي تزعم إن (عينك لن تعرف النوم)
سؤال:هل صحيح أن مفهوم الوسطية لدينا هو في الأصل الإسلام الليبرالي (ولكنهم لا يردون تسمية الأسماء بمسمياتها)؟


الجواب: ليس هناك إسلام ليبرالي وإسلام غير ليبرالي فهذه مسميات اخترعها البعض لإدخال بعض الفكر المنحرف  وإلصاقه بالإسلام والإسلام برئ منه. والإسلام، وما هذا الأسماء إلاّ لتشويه صورة الإسلام. ويكفي أن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك) والإسلام ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. والوسطية إن كانت تعني الاعتدال والتوسط بعيداً عن الغلو والتشدد فهي من أسس الإسلام ولكن وسطية الإسلام تعني أيضاً أنه الأول وأنه الدين الخاتم والمهيمن على ما سبقه من رسالات . ويكفي أن تقرئي قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وارجعي إلى تفسير القرطبي لتعرفي أن الوسطية تعنى (نحن وإن  كنّا الأخيرين زماناً لكنّا نحن الأول مكاناً)
س: واستفساري الأخير .. نعلم أن الليبرالية هي الحرية .. ولكن لماذا تسلك مسلك إلحادي؟؟


الجواب: معنى اللفظة في اللغات الأوروبية هو الحرية، أما لماذا سلكوا مسلكاً إلحادياً فهو أمر راجع إليهم، ولكني أقول (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى (وأضله الله على علم) وهم كما قال عز وجل (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء)
أسئلة عادل:

س: ما رأي الدكتور مازن في تسفيه العلماء في المنتديات؟ كابن باز وابن عثيمين والفوزان والبراك!! وذلك من قبل بعض كتاب المنتديات (المجهولين الهوية والخلق والعلم)
الجواب: يزعجني هذا ويؤلمني ولكني لا أتعجب منه أولاً أن كثيراً من الذين يقومون بهذا الأمر كما قلت من مجهولي الهوية والخلق والعلم. وثقافة الشتم والسب والطعن ليست من الإسلام في شيء فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يكن طعّاناً ولا لعّانا ولا الفاحش البذيء فهم بسلوكهم هذا خالفوا الأخلاق الإسلامية. وكما قال الشاعر (كل إناء بما فيه ينضح) والرد على السفهاء إليك بعض الأشعار التي جمعتها قبل أيام:


 خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)

ذا نطق السفيه فلا تجبه .. فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه .. وإن خليته كمدا يموت
وقال أيضا
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الاحتراق طيبا
وقال أيضا
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم .. إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف .. وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسْد تُخشى وهي صامته؟.. والكلب يـُخسَا لعمري وهو نباح
//
في التسامح والخلق الكريم, ولين الجانب مع الآخرين //
إذا سبني نذل تزايدت رفعة ***** وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي علي عزيزة ***** لمكنتها من كل نذل تحاربه
ولو أنني أسعى لنفعي وجدتني *****  كثير التواني للذي أنا طالبه
ولكني أسعى لأنفع صاحبي ***       وعار على الشبعان إن جاع صاحبه

يخاطبني السفيه بكل قبح                   واكره أن أكون له مجيبا

س:هل نقبل العلم والفتاوى والنقد من مصادر مجهولة،أم نكتفي بالمصادر الأصيلة (قران وسنة وعلماء!؟

الجواب: عند العلماء أن المصدر المجهول أو إسناد الرأي إلى مجهول يسقطه، بل إن علماء الحديث عندما يريدون تجريح الراوي يقولون : إنه مجهول. فلا تؤخذ الفتوى إلاّ من عالم ثقة. ولعلك تذكر الحديث عن انتزاع العلم بموت العلماء فيستفتي الناس جهالاً فيضلونهم.

السؤال: يقول العالم المصري أحمد زويل: طريق الإبداع في الغرب قصير ، فالسفر لمؤتمر لا يحتاج أكثر من نصف ساعة ، بينما طريق الإبداع لدينا طويل ، فالسفر لمؤتمر يحتاج لأشهر واثني عشر توقيع!! ثم يقول: نحن العرب مسرفون في استخدام كلمة مبدع ، فالجميع عندنا مبدعون مع أننا نقف في آخر الطابور!!  ما تعليقك حفظك الله؟

الجواب: صدق والله الدكتور أحمد زويل بالنسبة للشق الأول فطريق الإبداع طويل عندنا ومليء بالحواجز والعراقيل ولا ينبؤك مثل خبير فقد عانيت عمري كله مع هذه العقبات والعراقيل وكم واحد دعوت عليه أن (شلّت يمينه) حين يرفض لي طلباً أو يحفظ المعاملة في الدرج أو لا يرد على طلب. لا يعني أن أقول إنني مبدع، ولكن لأقول لك إن الإبداع يُقتل والهمة تحبط والطموح يغتال ووووو إلى آخره، وقد قلت لأحد من يعمل سكرتيراً قل لمسؤولك أنني لا أراجع معاملة في البلدية ما دام الطلب أمامه في النت فليجب وبسرعة بالموافقة وإن رفض فليعطني السبب. وبعد أن أخرج من الجامعة أقول كم باقي ما في نفسي إن شاء الله.
أما أننا نكثر من استخدام صفة مبدع ونطلقها على من لا يستحقونها فربما يكون مفيداً كما يقال للمريض سليم عند العرب تيمناً أن يشفى فلعل وصفنا لأناس بأنها مبدعون وهم غير ذلك فلعلهم يعملوا فعلاً ليكونوا مبدعين.
س: متى نرى برامج ماجستير ودكتوراة مقننة المدة ، بعيدة عن روتين النظام (مجلس قسم وكلية وجامعة....الخ) الذي يقتل الطالب والبحث والمشرف؟؟

الجواب: هذا سؤال كبير، عندما توسد الأمور إلى أهلها. قال لي أستاذ عراقي أنه قابل أستاذا بريطاني وكان الطالب يرغب في  الالتحاق ببرنامج الماجستير في جامعة كامبريدج البريطانية فقال له البروفيسور آربري لقد قبلتك في البرنامج اذهب وأحضر أوراقك. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يصف المسلمين (يسعى بذمتهم أدناهم) يعني الأستاذ يمكن أن يقترح على القسم قبول طالب فيلبي القسم طلبه لأنه يعرف أن الأستاذ لن يرشح إلاّ الطالب المتميز. ويعرف الأستاذ أن طالبه سيدرس مع أساتذة آخرين فإن لم يكن مستواه متميزاً رفضوه. يا أخي لا تنكأ الجراح إن تذكر أحوالنا وقيمة الأستاذ تصيبني بالكمد والاكتئاب المرضي. وفي الأخيرة أقول خليها على الله.

س: نظراً لقربك من جيل الشباب، كيف ترى المهارات الحوارية لدى شباب الأمس وشباب اليوم ؟ السلبيات و الإيجابيات و التطوّرات بين الأجيال السابقة و الحالية .
الجواب: الحال من بعضه كما يقولون بعامية أهل الحجاز يا أخي المهارات الحوارية تأتي من مجتمع منفتح وقوي وجرئ فلا جيلنا ولا جيلكم يتمتع بالمهارات الحوارية الحقيقية، ولا توجد هذه المهارات إلاّ عندما نتخلص من الخوف والرعب والجبن.
س: طاف د.مازن كثيراً من البلدان، و تعرف إلى كثير من الشعوب و الثقافات و خاصة فئة الشباب .. فهل لك أن تضع بعض نقاط المقارنة بين الشباب هناك ، و شبابنا السعودي هنا ؟ فـدائما ما نعاتب و تُستصغر جهودنا بسبب المقارنة غير السوية في نظري مع شباب الدول الأخرى حيث المقارن لا يرى إلا الأسوأ فينا .. و الأفضل في غيرنا .. حتى الأفضل لم يعاين مباشرة بل تم نقله فلان عن علان فـهل نستحق حقاً كل هذا التهميش؟ حيث أعرف أن هدف المقارنة الوصول للأفضل .. لكن قومنا يطبق هذه القاعدة بالمقلوب.
الجواب:  لدى شبابنا كثير من المزايا والصفات الحسنة، وإن كان ينقصه الجدية وتنقصه القدوة ومن الصعب الحديث عن مثل هذه القضايا دون دراسات ميدانية.  حظي أن أدرس مادة من متطلبات الجامعة يأخذها الجميع بالإكراه ولديهم تصورات عن أساتذة الثقافة الإسلامية بعد عدة تجارب مع أساتذة آخرين. فإن تشكلت لديهم صورة سلبية فمعنى ذلك أنك ستعاني من تصورات غير حقيقية. وقد تعاملت مع الشباب وهم أنواع فهناك شباب تراهم في الحج يقومون بعمل لا يقوم به كبار السن، وتجد الشباب في كارثة جدة وقد بذلوا ما دل على تربية رائعة. لكني أعود فأؤكد على ضرورة التربية الصارمة للشباب وحبذا لو كان عندنا خدمة الوطن سنتين يتخللها بعض التدريب العسكري فإننا أمة مستهدفة و بلادنا تحتاج إلى سواعد أبنائها ولن يدافع عنها حقيقة إلاّ أبناؤها.

لا يا بني لا تستحقون التهميش ولكن أتذكر دائماً أنهم يقولون عن أن المرأة لم تحصل على حقوقها، فأتساءل وهل نال الرجل حقوقه كاملة حتى نطالب بحقوق المرأة. فإذا كان الرجل يعاني من رئيسه ويعاني من الروتين ويعاني من جندي المرور ويعاني من السيارة القادمة من اليمين أو الذي يريد أقصى الشمال من أقصى اليمين ويضرب بوجودك عرض الحائط كيف يعود إلى البيت ويكون سوياً مع أهله. والشباب لا يريد أن يهمّش ومن هو أكبر منه أشد تهمّشاً وإهمالا فما ذا تريده أن يفعل. ولكن لا ينبغي أن نستمر في هذه الدوائر المفرغة على كل إنسان أن يقوم بدوره مهما كان الوضع.
سؤال: تحليل في الواقع:  لدي قريبان درسا في الخارج .. أحدهما في دولة غربية و الآخر في دولة عربية .. لمّا عادا .. بان تأثير ثقافة البلدين على طريقتهما في الحوار
..
صاحبنا الأول لا يدع فرصة لمن حاوره بأن يبين وجهة نظره كاملة ، و إذا ما عورض أنهى الحوار بـ (شتيمة) و أننا لا نفهم و أغبياء و معقدين .. فإذا ما تحاور مع غربي: أمريكي / بريطاني / كندي .. نراه مراعياً لكل تفاصيل أدب الحوار
أما صاحبنا الآخر .. فقد كان فجاً في التعامل حتى اليومي .. لكن بعد عودته
لن أقول أصبح محاوراً بارعاً .. لكن أصبح أهداً في الحوار ، متقبلاً لوجهة النظر المخالفة يتنازل عن رأيه إذا ما تبين خطؤه .. والأهم يترك لنا الفرصة للتعبير والتوضيح و حتى تفنيد وجهة نظره ! لغرابة التأثير أحببت أن أطلع على تحليلك للموقفين .. فـ كان المتوقع من الأول أن يعود و كله حرية و ديمقراطية أما الثاني .. فـ يزداد غلاظة و ( تقفيلاً ) و قمعاً !

الجواب : أنت محق فقد كان المتوقع من الذي ذهب إلى الغرب أن يكون تعلم في الغرب بعض آداب الحوار والذوق لأن أمم الغرب أمم –في الظاهر – راقية تحترم العقل وأدب الحوار. ولكن كما قلت هو فيما بينهم في الغالب أما حينما "ينزلون" لمحاورتنا فنحن أقل شأنا من أن يستخدموا معنا العقل والمنطق. وصاحبنا الذي تعلم في الغرب وبخاصة إن كان في أمريكا فثمة نبرة عنجهية وكبرياء وغطرسة. وأود أن أذكر لك أنني في إحدى سنوات دراستي في أمريكا عدت في إجازة إلى البلاد ومررت في الطريق بروما فحدث أن نزلت في فندق فأخذت أخاطب الناس بعنجهية الأمريكان فقال لي صاحب الفندق لقد نزل هنا أستاذ طب أمريكي وطلب مني (صاحب الفندق) أن أذهب معه مترجماً فاعتذرت لأني أعمل في الفندق فبدأ الأمريكي يلوح بسلاح المال أعطيك كذا وكذا، فقال له الإيطالي ما أكسبه من الفندق أضعاف ما تعرض وأنا رجل مشغول. فقال لي الإيطالي انظر إلى أسلوب الأمريكي الهمجي. فالذي درس في الغرب كأنه تعلم أن يكون الحوار والأدب والذوق مع الغربيين أما نحن الشعوب المتخلفة في نظره فلا نستحق. وربما تكون هذه إحدى كوارث بعض المبتعثين أو أكثرهم أن يأتوا إلينا وقد ظنوا أنهم أصبحوا أمريكان أو إنجليز وصار يجري في عروقهم الدم الراقي الأزرق ونحن متخلفون. لذلك لا أستغرب.

    أما الثاني الذي درس في بلد عربي فربما توفر له رفقة صالح وأساتذة كرام من معدن كريم فتعلم عندهم أدب الحوار والذوق ونحن شعوب راقية مهما عشنا من أنواع القهر والاضطهاد. ومع ذلك فأعتقد أن الأمر يعود إلى خلفية الاثنين قبل أن يخرجا من البلاد أيضاً وتربتهما.


" أتمنى أن يُثمن طلابك تواضعك معهم، و لكننا يا دكتورنا الفاضل شعبٌ ورث الاستبداد حتى تشربه، فترسبت الاستبدادية في أرواحنا، و أصبحت جزءاً حتى من نخاع العظم فينا، فمن يقدرنا و يحترمنا، للأسف يصبح حسب عقليتنا المعتنقة للاستبداد ضعيفاً و يغرينا عقلنا الباطن و نخاعنا الشوكي بأن نتهجم عليه و نستغل ضعفه و نمارس قوتنا و استبدادنا و جبروتنا..إلا أني أختلف معك كثيراً، و قد يكون ذلك لجهلي..

الدكتور مازن، لا ينتقد المجتمع السعودي، و لا ينتقد الواقع السياسي السعودي و لا حتى العربي، و يصرف كل جهده في دراسة الاستشراق، و التحذير من المؤامرة و للأمانة لا أذكر أنك كتبت يوماً كلمة مؤامرة و لكن أفكارك التي تنشرها توحي لي بأنك مؤمن بأن هناك تآمر..و رأيي أن المؤامرة هي في حقيقتها هجوم، فالمؤامرة لا يصح أن تُسمى مؤامرة، إذا كان المستَهدَف على علم بما ينويه المستهدِف، هنا ستلغي تلقائياً المؤامرة، و سنتحول إلى مواجهة مكشوفة، فيها قوي جداً و فيها ضعيف جداً، و نحن الضعيف جداً للأسف، فلماذا لا ينصرف الدكتور مازن لتقوية ضعفنا لماذا لا يخبرنا مازن لماذا نحن ضعفاء، هل بسبب بُعدنا عن الدين، إذا كان كذلك، فهل هذا البعد هو في جانب الأفراد، دون السلطة، هل سلطتنا سلطة إسلامية قريبة من الدين ؟ 

س: لماذا ينصرف الدكتور مازن لمحاولة إضعاف القوي، لماذا لا يقوم بتقوية الضعيف أم أننا أضعف من أن نقوى الآن؟ أم أن الدكتور مازن يشكو إلى الله قلة حيلته وضعف قوته، فيختار أن يتوجه للخارج أم أنه فقط إيمانٌ خالص بالتخصص، و عدم رغبة في التشتت؟

    أبدأ أيها الابن الكريم بالاعتذار لك عن تأخري في الرد على أسئلتك أو تعليقاتك القوية الوجيهة والسبب البسيط هو أنني نقلت ما بعدها وما قبلها وانشغلت بأمور أخرى فالتأخير ليس مقصوداً وإنما عن طريق السهو. ومثل هذه الملاحظات تستحق أن أكتب كلمة عنها لأنها تتحدث في قضايا تهمني كثيراً وهي صلب ما أتحدث عنه في محاضراتي في سلم 104 (النظام السياسي في الإسلام)

أولاً: حديثك عن الاستبداد وأننا استمرأنا هذا واستسلمنا له وأصبح جزء من شخصيتنا نستبد إن كنّا أصحاب سلطة ونحن قمة الجبن والخوف والهلع ممن بيده سلطة علينا وننسى أن الخلق والرزق والإحياء والإماتة بيد الله سبحانه وتعالى.  نعم هذه قضية تهمني جداً لأن الأمم لا ترقى ولا تنهض ولا تصنع حضارة إلاّ في جو من الحرية وإلاّ صنعنا سيارات لادا التي كانت تصنع في العهد الشيوعي. نعم أنبه طلابي إلى ما ورد في القرآن الكريم بشأن الاستبداد ومن تكاليف القراءة تفسير الآيتين الكريمتين: " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين) وقوله تعالى (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) وأنبه الطلاب  إلى أن فرعون قد ذكر في القرآن الكريم في سبع وستين موضعاً في معظمها في سياقات سياسية ليبين لنا سبحانه وتعالى خطورة الاستبداد وقبح الاستبداد.  وبين الحق جل وعلا أن قبول الاستبداد والخضوع له إنما يأتي من العقيدة الضعيفة أو الفاسدة. لقد قال أحد العلماء إن الوظيفة من ابواب الشرك لأنك تصل إلى درجة أن تعتقد أن رزقك وعمرك بيد رئيسك في العمل. وتتواصل سلسلة الاستبداد والطغيان من الرئيس المباشر في مكتب صغير وتصعد السلم حتى  أعلى المستويات.

     ولكن من أين بدأ قبول الاستبداد أو ممارسة الاستبداد؟ أجزم أن الأمر يبدأ من الأب والأم أو أحدهما في البيت، ما أكثر ما يقال للصغير اسكت اخرس يا .... أنت لا تفهم، وتستمر الحلقة إلى المدرسة فكم أسكتنا المعلمون وخفنا حتى أن نمشي في الشارع الذي نرى فيه الأستاذ بينما مر عمر بن الخطاب بأطفال يلعبون فابتعدوا إلاّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فسأله عمر رضي الله عنه لم لم تذهب مع رفاقك؟ فقال يا أمير المؤمنين لم يكن الطريق ضيقاً فأفسح لك، ولم أفعل خطأ لأهرب. فسر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالإجابة.

   إنني من شدة غيظي أحياناً أقول عن الخوف في حياتنا المعاصرة أننا ورثناه من آبائنا ورضعناه مع حليب أمهاتنا أو حتى مع الحليب المجفف. لقد سرى في دمائنا وأصبح جزءا من جيناتنا. وكثرت الأمثال الشعبية التي تكرس الجبن والخوف وبالتالي الاستبداد ومن ذلك " ألف مرة جبان ولا مرة واحدة الله يرحمه" أو "امش الحيط الحيط وقل يا رب السترة عليك" أو " من يتزوج أمنا هو عمّنا" أو " الباب اللي يجيك منه الريح أغلقه واستريح"  وحفظنا (صوموا ولا تتكلموا إن الكلام محرم) وفي فمي يا عراق ماء كثير كيف يشكو من في فيه ماء، وحفظنا قالت الضفدع قولاً رددته الحكماء في فمي ماء وهل يشكو من في فيه ماء) ونسينا الأمثال والشعر الذي يشجع على الشجاعة وعدم الخوف. (فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في عظيم) ونسينا (أنا إن عشت فلست أعدم قوتاً أنا إن مت فلست أعدم قبرا، همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة قبراً ) ونسينا ما قاله معروف الرصافي (وتكره نفسي كل عبد مذلل وقد كرهت حتى الطريق المعبداً ، إذا ما اتقت نفس أذاها بذلة فعندي نفس تتقي الذل بالردى) ونسينا قول الشاعر (عش عزيزاّ أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود) وقول الشاعر (جنة بالذل لا أرضى بها)

     وألتفت إلى تربيتنا الإسلامية وهي الأساس فانظر إلى القرآن الكريم يصف بني إسرائيل (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) (حياة بصيغة النكرة يعني أي حياة) وفي سورة الجمعة (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين، قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم..) وتعلمنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (يا غلام إني معلمك كلمات فاحفظهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلاّ بشي قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا ليضروك بشيء لم يضروك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف) ولن أواصل الحديث في هذا الأمر ، ووجدت هذه العبارات في الإنترنت عن الفرق بين الخوف من الله والخوف من عباده: فإذا كان الله هو الذي بيده الحياة والموت والرزق وغير ذلك والعباد لا يملكون من هذا شيئاً، فيجب أن تخاف من الله، وأن توحد الله سبحانه وتعالى في هذا الخوف، كما قال تعالى: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران:175)، فهذا هو الخوف الذي هو خوف عبادة.

أما قولك إنك تختلف معي كثيراً وذلك لجهلي، فلا يا بني لست جاهلاً فمثلك أسمى أن يقال عنه جاهل وأنت تناقش تلك القضايا الكبرى، فالاختلاف الأول في نظرك أنني  " لا ينتقد المجتمع السعودي، و لا ينتقد الواقع السياسي السعودي و لا حتى العربي، و يصرف كل جهده في دراسة الاستشراق"

فأجيب أني كتبت مقالة أسبوعية في صحيفة المدينة مدة ثماني سنوات وكتبت تسعة أشهر مقالة يومية، وكان لي في وقت من الأوقات أكثر من مقالة أسبوعية في صحيفة المدينة (في الصفحة الإسلامية وفي صفحة الرأي) وفي جريدة عكاظ. وكانت تحتوي كثيرا من النقد الاجتماعي ولا احتاج إلى أن أقدم بين يديك ما كتبت في نقد المجتمع السعودي أو العربي فهي كثيرة. ولكني كما قلت شغلت نفسي بالاستشراق وما يتعلق به مما نتأثر به في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ومن آخر ما كتبت عن كارثة جدة أنني تساءلت عن معايير تعيين المسؤولين فإن الحديث عن مسؤول سابق أو حالي يتطلب أن نسأل كيف تم اختياره وما المعايير وهل هو (القوي الأمين) أو (الحفيظ العليم) أو إنه جاء بالواسطة ومترادفاتها الكثر التي لن أتناولها هنا؟ لقد كتبت عن قضية الشيخ الشثري وهجوم جمال خاشقجي عليه (هل نكص جمال على عقبيه؟) وقولك السعي إلى تقوية الضعيف بدلاً من تضعيف القوي، فالحديث عن الاستشراق إنما هو للبحث عن الوسائل التي أستطيع من خلالها أن أقول إننا بحاجة إلى العودة الحقيقية إلى  الإسلام الذي يصلح شأننا في المجالات كلها: سياسية واقتصادية وثقافية وأخلاقية واجتماعية.
     أما أسباب ضعفنا فكثيرة وصحيح أن العبارة التي نسمعها كثيرة هي (البعد عن الدين) ولكن ما معنى هذه العبارة؟ إنها تبدأ من أصغر سلوك في حياة الإنسان إلى أكبر سلوك. تبدأ من أذكار الاستيقاظ وأذكار النوم إلى  ارتداء الحذاء جالساً بادئاً بالرجل اليمني إلى دعاء الخروج إلى الحرص على أكل الحلال إلى آداب الطريق إلى الابتعاد عن الأنانية والأثرة إلى الخوف الحقيقي من الله وليس من البشر. ومن هذه العودة أن نملك القوة دولة ويكون لنا جيش يرهب عدو الله وعدونا إلى امتلاك السلاح الذي نتسوله من الدول شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً. القضية كبيرة والحديث فيها يطول. أين صلاح الدين يصلح التعليم وأين الرجل الذي يكرم المرأة وأين المرأة التي تعرف حق الرجل، وأين الابن الذي يوقر أباه ويبره ويبر أمه ويقبل باطن قدمها لأن الجنة تحت أقدام الأمهات؟ وأين وأين وتذكر (وأين صديقي حسن؟)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية