هل الأمريكان أغبى مما كانوا يظنون؟



        بهذا العنوان قدمت مجلة نيوزويك الأمريكية الصادرة في 20 سبتمبر 1993م تقريراً حول الاستطلاع الذي نشرته وزارة التعليم الأمريكية يقول التقرير باختصار:"إن قدرتك على شراء هذا العدد من المجلة وحساب النقود لا يعني أنك متمكن لغوياً وحسابياً فالقياس الصحيح أن تستطيع مثلاً قراءة خريطة شوارع نيويورك أو كتابة رسالة تشكو فيها من خطأ في فاتورة ما".

        تقول المجلة إن التقرير الذي أعدته وزارة التعليم يعد أكثر التقارير استيعاباً لقدرة الأمريكيين اللغوية والحسابية ويؤكد مخاوف رجال التجارة والصناعة بأن الأمريكيين وليس فقط الموجة الجديدة من المهاجرين غير مؤهلين تأهيلاً كافياً للمنافسة العالمية وأن خريجي المدارس الثانوية لا يكادون يحسنون القراءة والكتابة. ويقول وزير التعليم:"يجب أن يكون هذا التقرير موقظاً لنا، ويضيف "إن الغالبية العظمى من الأمريكيين لا يعرفون أنهم لا يمتلكون المهارات لكسب معيشتهم في مجتمع يزداد تقدماً تكنولوجيا وفي الأسواق العالمية."

        وتوضح المجلة أن الفرد الأمريكي يستطيع أن يقرأ بعض النثر السهل ويجمع عدة أرقام ولكنه لا يستطيع استخدام هذه المهارات في الحياة اليومية، فنصف الأمريكان البالغين البالغ عددهم 191مليوناً لا يستطيعون القيام بعمليات مثل تعبئة نموذج إيداع في البنك أو حساب تكاليف تركيب سجاد في غرفة أو تفسير معلومات في بيان إلى رسم بيناني بل إنهم يعجزون عن فهم جدول الحافلات لنقلهم من مكان إلى مكان.

        وتتناول المجلة التفاوت في هذه القدرات بين الفئات العنصرية المختلفة فيشير إلى أن الشباب من أصول عرقية إسبانية (أمريكية جنوبية ذات ثقافة إسبانية) والسود يعانون أكثر من انخفاض مستواهم، وأكدت المجلة أن السود هم أشد معاناة من الجميع لأن المدارس التي يدرسون فيها أفقر من مدارس البيض.

        وتذكر المجلة أن المجتمع الأمريكي يواجه تحولاً ينقله من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي أي يعتمد أكثر على القدرات والإمكانات الفهمية من حاجته إلى المهارات الصناعية، وأن المسؤولين الأمريكيين يؤكدون على ضرورة رفع مستوى الشعب الأمريكي حتى يستطيع أن ينافس الدول الأوروبية، ولكن هذه الدول تجري حالياً دراسات واستطلاعات مماثلة ولن تظهر النتائج حتى عام 1995م مما يجعل أن هناك احتمالاً بأن تواجه هي الأخرى مفاجآت.

      وقد استنتجت مجلة أمريكية أخرى هي مجلة التايم في عددها الصادر في 20 سبتمبر 1993م أنه إذا كانت نتائج دقيقة فإن الولايات المتحدة ليست فقط يسكنها أناس غير مستعدين لمواجهة التكنولوجيا الحالية والمستقبلية ولكن معظم هؤلاء لا يعرفون أنهم لا يعرفون.

        وماذا تفيدنا هذه الدراسة التي كلفت الميزانية الأمريكية المثقلة بالديون أربعة عشر مليون دولار؟ إن الولايات المتحدة الأمريكية التي ما تزال برامجها في غزو الفضاء تتقدم باستمرار فلا يكاد يعود فريق من الفضاء حتى يتبعه فريق آخر إعداداً لإنشاء محطة فضائية مستمرة في الفضاء. والولايات المتحدة الأمريكية التي تملك أكبر عدد من الطائرات الحربية والمقاتلة والتي تسير سياراتها في شوارع الكرة الأرضية وتغزو أفلام شركاتها السينمائية كل ركن من المعمورة هذه البلاد تواجه موجة من البلادة والغباء. هل هذا أمر يصدق؟

لا شك أن هذا التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل يجب أن لا يمنعنا من قبول فكرة انحدار الولايات المتحدة، فقد كانت الإمبراطورية الرومانية في قمة قوتها ونفوذها وظهر فيها حكماء وعقلاء يحذرونها من الانحدار والانهيار. وقد غابت الإمبراطورية الرومانية كما اندثرت الإمبراطورية الفارسية، والدولة البيزنطية وقبلها الإمبراطورية اليونانية.

أليست هذه هي سنة الله في الأرض الذي يقول في محكم كتابه (وتلك الأيام نداولها بين الناس) وهذه الإمبراطورية الأمريكية ينطبق عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنه حق على الله أنه ما ارتفع شيء من هذه الدنيا إلاّ وضعه)

ولكننا نحن الذين نراوح في بداية سلم الرقي ماذا لو أجرينا دراسة مماثلة، كيف ستكون النتائج؟ لنفترض أن النتائج ستكون سيئة أليس من واجبنا أن ننهض لنتسنم المكانة التي أراد الله عز وجل لنا أن نتسنمها؟ ألسنا أمة الشهادة؟ إننا أصحاب الرسالة الخاتمة، ولدينا المعايير والقيم التي لا تملكها أمة أخرى؟ فقد رسب الغرب ليس في امتحان القدرات العقلية واللغوية، فهم قبل ذلك راسبون في ميزان العدل والمساواة والخير. إننا الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر بينما الغرب في فكره وفنه وقيمه يدعو إلى المنكر والفحشاء؟ أليسوا ضحايا الهربز (الذي ضربهم قبل أعوام) وضحايا الإيدز حاليا؟

وهم لن يرضوا لنا أن ننهض لأنهم يطمعون في إفسادنا كما قال الله سبحانه وتعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) ولكن مقومات النهوض لدينا في العودة الواعية الصحيحة والتمسك بحبل الله والاعتصام به والابتعاد عن التفرق والتشتت.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية