حوار بمنتدى طلاب وطالبات جامعة الملك سعود- ربيع الآخر 1431هـ (مارس 2010


    
بسم الله الرحمن الرحيم
1-كيف يحب مازن مطبقاني (كإنسان عادي دون أية ألقاب و لا كُنى كما يحب كتابة اسمه) تعريف نفسه ؟
ج: أولاً أتقدم لكم ولكن جميعاً على التفضل باستضافتي في منتداكم، وإنها فرصة كريمة لأتحدث إلى جمع من الطلاب والطالبات حول قضايا متعددة تشغلهم وتشغلني أيضاً. من الصعب على الإنسان أن يقول أنا كذا وكذا بل يترك الأمر للآخرين ليعرفوه ويتعرفوا إليه إن كانوا يرونه يستحق ذلك، ومع ذلك أجيب عن السؤال حتى لا أخيب ظنكم. فأولاً ما أنا إلاّ واحد من هذه الأمة وهبني الله عز وجل شيئاً من العلم وموهبة الكتابة والتأليف ورزقني الفرصة للسفر والسياحة والرحلة. أستاذ جامعي يسعى إلى يغرس في طلابه وطالباته الرغبة في العلم والطموح والمسؤولية. أشعر بأنني مسؤول لأقدم شيئاً نافعاً ومفيداً وحتى مسلياً وطريفاً وربما مضحكاً أحياناً. لعلي أحدثت ضجيجاً أكثر مما أستحق ولكن هكذا أنا. كنت طالباً خجولاً يكاد معظم أساتذتي يكونون قد نسوني وإن كنت أشعر أنني تميزت في بعض الأحيان. فلست بالمفكر ولا الأديب وإنما أنا كويتب أو كاتب والسلام.
2-لو لم يكن د.مازن .. د.مازن مطبقاني الدكتور في جامعة الملك سعود، ما الذي سيكونه ؟
    من الصعب أن يفكر الإنسان فيما ليس هو الواقع والحقيقة. ولكني لن أكون سوى كاتباً ومسافراً ورحالة. أحمد الله أنني لم أحصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وأنني لم أقبل معيداً في قسم التاريخ، وأحمد الله على المعاناة في قسم الاستشراق بكلية الدعوة "فالضربة التي لا تقتلني تقوّيني" وأزعم أن ضرباتهم أعطتني حافزاً وقوة فالحمد لله على ذلك الابتلاء وما زلت اذكر كلمة لزميل لي في الخطوط السعودية قال ما دمت تبتلى في هذا المكان فالزمه...
3-الوالد، و الابن و الابنة جميعهم يشاركون في نفس التجمّع الإلكتروني
فـما هي ظلال هذا الاجتماع العائلي الذي انتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي ؟
ج: هذا التجمع قد حصل بالفعل فصلاتي أحياناً ببعض أفراد أسرتي يتم من خلال هذا العالم الافتراضي. ولكن هذا التجمع الافتراضي كان بركة عليّ كثيراً فقد خربشت عشرات المقالات وكتبت ما أصبح الآن كتباً عن رحلاتي، كما تعلمت من أبنائي وبناتي من خلال نقاشهم ونقاشهن لما أكتب، وتعلمت من العالم الافتراضي أخبار المؤتمرات والندوات وقرأت كثيراً بل أكاد أزعم أنني أقرأ بعض الأحيان من خلال هذا العالم الافتراضي أكثر مما أقرأ من الورق- مع عدم الاستغناء عن الكتاب- هذا العالم الافتراضي نقل إلي معلومات وأفكار وقضايا ما كنت لأصل لها لولا هذا العالم، فعرفت منتديات وكتاب من خلاله وأفدت من ذلك كله في محاضراتي في الجامعة وفي المؤتمرات التي حضرتها حتى كان آخرها عن العولمة داعم للهوية الإسلامية من خلال الاتصالات، وقد تحدثت عن مواقع المشايخ والعلماء وأثرها في نشر العلم والمعرفة ودعم الهوية الإسلامية بما يفيض به علينا هؤلاء العلماء الأفاضل، كما تناولت المواقع الرسمية والمؤسسية مثل اسلام أون لاين وغيره والمنتديات والقوائم البريدية وغيرها.
4-متابعة الطرح الحواري في الشبكة العنكبوتية تحتاج لـ فُسحة فراغ يومية أما الذي يُدلي دلوه فيه ..فـإنه يحتاج لـفُسحتي فراغٍ ذهني و ذهن مشتعل، فـما الذي يدفع الدكتور مازن للخوض و الاستمرار في الحوارات العامة والأكاديمية الافتراضية ؟
ج: أولاً ليس لدي الفرصة للكتابة في الصحف السيارة وأشعر أن لدي ما أقوله وأتعلمه فلماذا لا أشارك في هذا الحوار العنكبوتي، وقد منّ الله علي بعدد من القراء والقارئات ممن يجعلني أسعى لمزيد من النشاط.  أما الفراغ الذهني والذهن  المشتعل فمسألة أقول فيها إن الإنسان لديه رسالة في هذه الحياة وعليه أن يسعى إلى القيام بهذه الرسالة والمهمة، وهذه الرسالة تتلخص في رسالة الإسلام ونشر الوعي بهذا الدين بقدر استطاعتي وجهدي ومعرفتي، كما أن في مشاركاتي العنكبوتية (لفظة طريفة) تشحذ الذهن وتنشطه، وقيل إن المخ الذي لا يعمل يصدأ. أما الفراغ فمسألة نسبية فكثير من الناس يشكون من قلة الوقت وتسأل وماذا أنجزتم فلا تجد الكثير أو الكثير الذي له قيمه، أما أنا فأعرف أن إنجازاتي متواضعة وأردد بيني وبين نفسي "لست صانعاً القنبلة الذرية أو النووية أو الهيدروجينية فقد سبقني غيري إلى صنعها، فما الاختراع العظيم الذي يشغلني؟ وعلى كل حال الكتابة متعة عندي وأمارسها والأمر الذي قد يغيب عن كثير أنني أستخدم مفاتيح الحاسب باحتراف فقد تعلمت الطباعة على الآلة الكاتبة وأنا في سن الخامسة عشرة وما زلت أحتفظ بهذه المهارة فأكتب بسرعة، وأزعم (لا تصدقوا) أنني أفكر بسرعة فلا أتعب في الكتابة ولا تأخذ وقتاً طويلاً. كما أني أخربش دائماً فما أريد قوله يأتي بسرعة، وقد لا يكون متقناً دائماً ولكن يؤدي المطلوب.
5-ما رأيك بـمقولة إننا شعوب لم تتعود على النقد الصريح وبالتالي عندما يفتح لها المجال تسيء استخدامه ؟
ج: يا سادتي افتحوا باب النقد أولاً، أجد أن المقولات التي تنهى عن النقد بل تصل إلى تحريمه أكثر من تلك التي سمحت به وله، صحيح أن بعض النقد يصل إلى التجريح ولكننا لم نتعود النقد بعد ولم نتعود الجرأة في الرأي والشجاعة الأدبية، وهذه أمور تغرس من المنزل بين الأب وأبنائه والأب وزوجه والطفل من الروضة. وقد أعجبني ابني هاشم وهو في الروضة أن ذهب إلى معلمة وقال لها أنا لا أحبك أنت قاسية، وكانت كذلك وعندها بدأت تغير معاملتها معه ومع بقية التلاميذ ولو لم تسمع رأياً صريحاً قوياً ربما لم تتغير.
   كتبت ذات مرة عن الأمثال الشعبية التي نكرسها للخوف والجبن مثل (ألف مرة جبان ولا مرة واحدة الله يرحمه) ومثل (امش الحيط الحيط وقل يا رب السترة عليك) ومثل (اللي يتزوج أمنا هو عمّنا) ومثل (الشيوخ أبخص) وغيرها كثير. نحن بحاجة إلى  زمن طويل للتخلص من هذه الثقافة أو ثقافة الجبن والرعاديد والخوف والهلع وانعدام الشخصية وبعدها يمكن أن نناقش بعض التجاوزات إن حدثت. وقد لاحظت أن ثقافة  الأسماء المستعارة دون تربية أخلاقية وأسرية تنتج لنا كوارث أخلاقية، ويمكن أن نجد صوراً قبيحة جداً ليس للجرأة المؤدبة ولكن لسوء الأدب منقطع النظير في المنتديات ولا يقتصر هذا على المنتديات المتعلمنية الليبرالية بل وجدت أمثلة مخزية في منتديات إسلامية ومنتديات طلاب الجامعات الإسلامية.
6- يقول د.عبد الكريم بكّار: "أما مكاسبنا من وراء كتب تحسم وضعنا الفكري فهي مثل مكاسب من أعطي مفتاح منجم من الذهب "
لكن يخالفه بعضُ قومنا بـاعتقاده أن الوصاية الفكرية على المجتمع (اقرأ و لا تقرأ ) من أهم الوسائل لحمايته من الانحراف الفكري ما رأيك بذلك ؟
ج-لا أحب القضايا الفلسفية العميقة ولكن رأيي أن القيود والحجر هي من أخطر الأمور التي تتعرض لها الأمة. لكن الأصل أن يكون التيار الصحيح هو الأقوى والأعم والأشمل وعندما تتكون الحصانة وتبنى الشخصية من البداية فعند ذلك مهما تعرض الإنسان لأي تيار فكري فإنه لن يضره. ولكن ما الوصاية الفكرية أهي أن تجعل جزءاً من مكتباتنا محدودة الاطلاع حتى إن كتاب الأمير لميكيافيللي كان من المحرمات في جامعة الملك عبد العزيز عام 1400هـ وتجد هذا الكتاب متوفراً في معارض الكتب في هذه الأيام. رسالتي للدكتوراه سحبت من الأسواق دون أن تخبرني وزارة الثقافة (العظيمة) السبب وتنتشر كل أنواع الكتابات. لست مع الحظر والوصاية الكاملة التي كانت تجعلنا نهرّب الكتب وكأننا نهرب المخدرات إلى أن تصبح الكتب المنحرفة هي الثقافة الشائعة ومع ذلك فإن الأمة قادرة بإذن الله على التمييز بين الغث والسمين وصدق الله حيث يقول (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
7-عند فتح موضوع أكاديمي للنقاش و النقد و الخروج بحلول و تأثير، فـإن مدير الجامعة د.عبد الله العثمان هو المَلوم الأول و الأخير،ما رأيك بهذه الظاهرة؟ و هل معالي المدير مطالب بالدخول في حوار مواضيع كهذه بالرغم من أننا نعلم أن القاعدة الإدارية تقول :أن تدخلات أو إقحام الرئيس في عمل مرؤوسيه دائماً تعني ضعف قدرة المرؤوس على القيام بعمله ..
ج-هذه قضية كبرى ولها عدة جوانب أبدأ أولاً بالسؤال هل هو مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة في الجامعة وثانياً هل يرد على كل ما يكتب ويناقش. أما المسؤولية فرحم الله تلك العجوز التي لم يذكر لنا الرواة اسمها التي كانت في الخباء (الخيمة) تضع قدراً على النار فيه حجارة تلهّي أو تسلي به أطفالاً لها يتضورون جوعاً فلما وصل إليها عمر  بن الخطاب رضي الله عنه وعرف حالها وأتى لها بالطعام وطهاه وأطعم الصغار فقالت له "والله إنك لأولى بهذا الأمر من عمر" فقال لها "وما يدري عمر بك؟" فقالت "كيف يتولى أمرنا وينشغل عنّا؟" نعم معالي المدير مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة من غياب الطباشير في القاعات إلى نظافة حمامات الجامعات وإصلاحها فلا يليق أن تكون حمامات الجامعة وبخاصة في البهو كأنها حمامات الطرق بين المدن. والله إن المدير يجب أن يخرج في وقت لا يكون فيه الطلاب ويتجول في الجامعة ليرى السلاسل الحديدية تغلق الأبواب لأن الأقفال خربة منذ زمن طويل أو أبواب الكليات التي تُفتح بحجر حتى قلت (جامعة يفتح بابَها حجر ...) أما دخول معالي المدير في النقاشات فليس المطلوب فعلاً أن يجيب عن كل نقاش، ولكن عليه أن يحضر العمداء المسؤولين ويقدمون له ما كتب في المنتدى ويتفق معهم على الردود المناسبة. فلو رحت أحصى القضايا التي لم نسمع ولم نقرأ رأياً أو رداً للمدير لكانت كثيرة جداً. إن كان معالي المدير يتصرف فيها فليخبرنا فهو يعرف قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) وكيف نقومه ونحن لا نعرف كيف تصرف في القضايا والشكاوى التي تنتشر وأضرب المثال بقضية تعيين المعيدين والمعيدات وكم تستغرق من وقت والشكوى المرة من عمادة شؤون أعضاء هيئة التدريس فقد تكونت العمادة بالموظفين القدامى وبعقليات إدارية أكل على بعضها الزمان وشرب وأكثر... ولا أذكر القضايا الأخرى ولكنها ليست قليلة.
8-من المعروف عن الدكتور مازن سعة صدره وتقبله لنقد فهل تعتقد يا دكتور أن سعة صدرك للانتقاد من قبل طلابك سبب في تجاوز البعض؟
ج: أحمد الله عز وجل  أنني لم أتعرض لمواقف من طلابي مسيئة إلاّ من واحد أو اثنين وهم الاستثناء وليس القاعدة. وقد وصلت الجرأة بأحدهم القول إنني لم أدرّسة شيئاً سوى الحديث عن نفسي ورحلاتي أو إني كذا وكذا. فأشكر طلابي جميعاً على أدبهم الجم وأخلاقهم العالية. ولكني أود أن أضيف إن مما أزعجني وجعلني أفكر أن مهنة التدريس سيئة اعتقاد بعض الطلاب أنه يستحق أ+ وأنني لم أعطه سوى د أو د+ وبعض النماذج وقد حدث هذا مع طلاب الدراسات الإسلامية وقد تبنيت رأياً قاسياً في هذه الدراسات يمكنكم الرجوع إليه في مقابلة أجريت معي في صحيفة (الوقت ) البحرينية.
9- وهل يحق لباقي الدكاترة إغلاق كافة الطرق التي تتيح لطالب نقدهم باعتبار أن الطالب لا يجيد النقد البناء؟
ج: ومن قال إن الأستاذ لا يجوز نقده؟ أعرف أن الطالب وقد كنت طالباً ولا أزال أنتقد كل شيئ في الأستاذ منذ اللحظة الأولى التي يدخل فيها إلى قاعة المحاضرة من ملابسه إلى مشيته إلى حديثه وكل شيء، ثم ينتقل النقد إلى طريقته في التدريس ونطقه للكلمات وكل شيء. ليس هناك من يعطي الحق في النقد أو يمنعه ولكن حبذا لو كان النقد لأمر يستفيد منه المنتقد والمنتقَد لأن ذلك يطور العملية التعليمية. وأرجو أن تتاح لي في الحلقة الثانية من إجاباتي أن أذكر لكم قصصي مع نقد الأساتذة وطرائف ذلك.

س:الكثير يعزي فشل العملية التعليمية إلى طريقة ونوع الطرح المتبادل بين أطرافها كـمن يقول إن التعليم في بلادنا ديدنه التلقين والاستماع فقط بعيداً عن التشارك والنقاش! وإن كنت أرى أكثر أعضاء هيئة التدريس انتهجوا سياسة النقاش المفتوح كـ طريقة مستحدثة لإيصال المعلومات بشكل مقنع وسلس..ما تعليقك على من يعيب بأسلوب التعليم في بلادنا وأين يكمن الخلل بنظرك..؟ و كيف تصنف منهجيتك في التعليم ؟
الجواب:ما زلنا نعاني من الطريقة القديمة فهو جيل كبير في الحجم والتأثير الذي لا يعرف غير طريقة التلقين والحفظ، وما زلنا بحاجة إلى مشوار طويل لنتخلص من هذه الطريقة. ولكن لا بد أن نعرف أن بعض التلقين مطلوب وكذلك الحفظ، وكم نبهت طلابي إلى حفظ نصوص معينة وأن الحفظ يقوي الذاكرة ويقوي اللغة ويزيد حصيلة الإنسان من المعارف. والحفظ جزء من الذكاء ولا بد من تنمية الذكاء. لكن الاقتصار على الحفظ والتكرار يضر بالعملية التعليمية. ومن الصعب الحكم على العملية التعليمية كلها دون دراسة وتحقيق. وأما سؤالك عن الخلل في أسلوب التعليم فمرة أخرى لست خبيراً تربويا لأحكم ولكن أقول من خبرتي أنني أعاني من الطلاب الذين لا هم لهم إلاّ حفظ مذكرة محدودة الصفحات أو الغش في الامتحان أو حتى النوم. وبالأمس القريب كان أحد الطلاب نائماً معظم المحاضرة وقررت أن أتركه نائماً لا أدري لماذا فقد كانت شعبة لطلاب الدراسات الإسلامية ووجدت أن حفظهم للأحاديث أو الآيات محدود جداً ومعرفتهم بواقع الأمة وقضاياها محدود فكأنما جاءوا ليحفظوا بعض المتون ويأخذوا الشهادة أما العلم فينهم وبينه أمداً بعيداً.
س:خلال مسيرتك الزاخرة بالعطــاء ...ما الشيء الذي كنت راضيا عنه؟ وما الشيء الذي لازلت تسعى لتحقيقه أو تتمنى تحقيقه؟
سؤال آخر : على مستوى التجمع وبالأخص قسم الحوار العام ,, ما الذي يجعلنا نرتقي بالحوار العام.؟ وما الذي يزعجك فيه؟   باحثة اقتصادية
الإجابة :لا يمكن للإنسان أن يستمر في حياته ونشاطه دون أن يكون ثمة ما يرضى عنه، أول ما أعتقد أنه يستحق الرضى وشكر الله عز وجل أن وهبني والدين كانا حانين علي وأحسنا تربيتي وكدت أخص أبي ولكني أقول كلاهما قدّم ما أتمنى أن يقدمه كل أب وأم لأبنائه. فوالدي رحمه الله قدم لي تربية أخلاقية تميزت بالحث على الأخلاق الفاضلة من حياء وعفة وصدق وأمانة، وربّاني على الطموح وكان له رحمه الله أسلوباً غير مباشر لا أعرف له مثالاً فقد كان يتمثل قول الشاعر
ولقد لحنت لكم كيما تفهموا   واللحن تفهمه ذوو الألباب
أو القول الآخر(واللبيب من الإشارة يفهم) والتربية بالقدوة. أما أمي فأسأل الله أن يهبها الصحة والعافية (يرحمها الآن) فهي نبع الحنان الفياض والدعاء الذي لا ينقطع بالإضافة إلى صفات الصدق والأمانة والعفة. وفي وقت من الأوقات كانت ظروف حياتنا المادية صعبة ولكني تعلمت منها عفة النفس التي هي عندي أغلى من كل أموال الدنيا وكنوزها.
س: ما رأيكم فيما يحصل اليوم من نزاعات وتجاذبات بين من يدعون أنهم (ملتزمين ومتشددين) وبين من يدعون (التحرر والانفتاح)، كيف نستطيع نحن العامة العيش في سلام وسط هذه المعمعة والجعجعة السائدة في مجتمعنا ؟؟ وكيف نتعامل مع آحادي التفكير (من يظنون أنهم أوصياء علينا)، نأمل منكم إكسابنا بعض الأفكار من خبرتكم في الحياة في مواجهة هذه التوترات المجتمعية.
      الصراع بين الحق والباطل قديم وليس من الصعب أن يعرف الإنسان أين الحق فقد أخبرنا الصادق المصدوق بقوله (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك) فأعتقد أن الحق أبلج وواضح وهو ما جاء في الكتاب والسنة، والخير كل الخير في التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والتشدد والمتزمت (وليس الملتزم) إنسان من صفاته الرفق والحلم والصبر والرقة والرأفة والرحمة بالمسلمين. والمعمعة التي نعيشها معروفة الأطراف التي تديرها فحيثما رأيت رواجاً إعلامياً لفكر معين في بعض القنوات ووسائل الإعلام المنحرفة عرفت أن صاحبه ليس بشيء أو على شيء. صحيح أننا نقول عرفت الرجال بالحق وليس الحق بالرجال، ولكن الأشياء متمايزة وواضحة. لا بد أن يكون بين أصحاب الاتجاه المتدين الملتزم من تثقين به أو تثق به فالزمه. كم الإنسان منّا بحاجة إلى شيخ حكيم يثق به عندما تتعدد الطرق. ومع كل ذلك تذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما خط عدة خطوط وأشار إلى أحدها أنه الطريق المستقيم ، ونصيحته صلى الله عليه وسلم (قل آمنت بالله ثم استقم.)
    س:الدكتور مازن الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا وخبرة وعلما، بعد كل هذه السنون هل تستطيع أن تعطينا أهم ثلاث نصائح بعد عمر طويل كهذا؟ ثلاث تعتقد أنها أهم نقاط هي خلاصة تجربة؟
تحية لك على البعد يا محمد كم أتمنى أن أتجول معك في شوارع المدينة التي أنت فيها نتجاذب أطراف الحديث وأتعلم منك بعض الحكمة في التعامل الرسمي التي أشعر أنني يمكن أن أكون تلميذك فيه، وأحياناً يصيبني العناد فأقول لا لا ليقبلوني كما أنا. ولعلك تبحث لي عن مؤتمر وتقترح عليّ الحضور...
أسئلتك صعبة يا بني يا محمد ثلاث نصائح فقط أجعلها خلاصة تجربتي بعد أن بلغت من الكبر عتيا... وهل تعرف معنى عتياً؟ وهل بلغتها يا محمد أمستعجل أنت عليّ؟ ومع ذلك فسواء بلغتها أو لم ..فالأمر سيان. والعتيا لفظة قرآنية وردت في وصف زكريا عليه السلام (إنّي وهنَ العظم مني واشتعل الرأس شيباً وقد بلغت من الكبر عتيا)
ومعناها: "يقال : عتا الشيخ يعتو عتيا وعسيا : إذا انتهى سنه وكبر ، وشيخ عات وعاس : إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف .(ووالله لم أصل إلى هذه المرحلة بعد..)
ثلاث نصائح تذكرني بمن حمل صندوق القوارير مقابل ثلاث نصائح وفي النهاية رمى الصناديق من فوق رأسه، وقال : من قال لك إنه بقيت قارورة واحدة لم تكسر فلا تصدقه. ومع ذلك فسألبي ولكن إياك أن تكتفي بها فعند غيري من الحكمة أكثر مني ولا تتوقف.
الأولى: فلا تقنع بما دون النجوم.... ما أنت في كل بلدة وما تبغي جلّ ما يسمى، كن كالسيل إن اعترضته الصخور التف حولها وسار في طريقه.
الثانية: كن طيب النفس نقي السريرة فإنك تستطيع ذلك وذلك أدعى أن تعيش في طمأنينة يحسدك عليها العالم كله، وهي سبب في دخول الجنة ومن يستطيعها؟
الثالثة: والداك والداك والداك قال لي ابن خالي ألم تسمع وتقرأ وتعرف (الجنّة تحت أقدام الأمهات) هل قبّلت باطن قدم الوالدة؟ جرب هذا...
س2: د. مازن: سؤال على السريع.. ومع هذا التاريخ الحافل بالانجاز.. هل سبق وأن فشل الدكتور مازن؟
هل فشل الدكتور مازن؟ يقولون الأصح أخفق؟ نعم وكم من مرة، وأنت لم تسأل متى أخفت وكيف وماذا فعلت بعد الإخفاق؟ لن أجيبك لأن هذه أسئلة أخرى ولم تسألها. ويقولون بالإنجليزي وأنت هناك You Bet you. ولكن هل تكتب هكذا لا أعرف ولكن هي جملة للتأكيد أن الإجابة بنعم وألف نعم أخفت وما أجمل الإخفاقات التي مرت بي.(وبس)
س:دائماً عندما أقرا موضوعاتك كنت تتطرق لنصائح والدك رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجمعك به في أعلى الجنان يا دكتور هل لك أن تذكر لي من ذاكرتك نصائح أبيك لا أدري لماذا هذا السؤال لكن أحب أن أستمع إلى نصائح من هم أكبر مني سناً وأحمل بعض المحبة لأبيك من خلال نصائحه وقليلاً من الآباء في هذا الزمن من توجد عنده نصائح جوهريه كتلك التي كان يذكرها أباك فهل لي بتلك النصائح ؟
نصائح أبي كثيرة وأبرزها التركيز على الأخلاق وإليك بعض الأقوال التي  حفظتها عنه رحمه الله:
-  الحياء خير كلّه، والحياء لا يأتي إلاّ بخير، والحياء جميل وفي الرجال أجمل.
-        التحذير من الكذب: من أراد أن يلعنَ نفسه فليكذب.
-        الشرف والعفة: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
-        الطموح : يقولون لي ما أنت في كل بلدة    وما تبغي؟ أبتغي جلّ ما يُسمى
-        الخمرة: ودع الخمرة إن كنت فتى   كيف يسعى في جنون من عقل.
-        الشجاعة: ترى الرجل الطرير فتزدريه    وفي أثوابه أسد هصور
وأيضاً بيت الشعر الذي عجزه: خشاش كرأس الحيّة المتوقد.
-        عدم التعجل في تناول الأكل والانتظار ( فأعجل القوم أجشع)
-        عدم إحراج البائع إن أراد أن يعطيك سعراً طيباً (ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام)
-     الأدب: كن ابن من شئت واكتسب أدباً    يغنيك محموده عن النسب.
-    وفي الأخلاق أيضاً : كم ذا يكابد عاشق مصر كثيرة العشاق
-    والناس هذا حظه علم وذا مال وذاك مكارم الأخلاق
-   فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق.
    س:تحدثت عن طفولتك بالأردن لكن ربما لم أقراء عن فتره شبابك بالمدينة المنورة فهل لي ببعض من سيرتك بالمدينة المنورة إذا تكرمت؟ .
     أما عن مرحلة المراهقة في المدينة المنورة فبدأت بدراسة أسابيع في مدرسة الفهدية بالمدينة المنورة، وكان من طرائفها أن أستاذ اللغة العربية واسمه (الذيب) كان يغرم الطلاب إن أخطأوا في اللغة وإن عاندت أو أصررت أنك لم تخطئ فالعصا موجودة. ولم أوافقه في أنني أخطأت فطلب مني أن أفتح يدي فرفضت فضربني على صدري وظهري فعندما عدت إلى البيت رأى والدي آثار الضرب فأخذني إلى إدارة التعليم ليشاهدوا قسوة الأستاذ. ولم يجدد عقده في تلك السنة وأناله الله جزاء ما فعل حيث تعرض للضرب في الحج. وهنا قضية مهمة أنني كنت لا أخرج من البيت فما أن يحل المغرب حتى أكون عدت إلى البيت، ولم يكن لي إلاّ عدد محدود جداً من الأصدقاء ولا أكثر من الخروج. ولم أهرب من المدرسة إلى مزرعة من المزارع (البلدان، ولم أتعلم السباحة) وكنت في المراتب الأولى في أثناء دراستي حتى إنني أنافس على الأول أو الثاني ولا أتعدها.
            في تلك المرحلة كان أبي يعطيني حرية أكثر مما كنت أتوقع، ولكنه كان يربي لدي الثقة بالنفس حتى إنه سمح لي أن اذهب إلى السينما مع بعض زملائه في شركة الكهرباء، وسمح لي بالذهاب إلى العمرة مع زميل آخر واسمه العم عبد الله عنبر خان وهو رجل فاضل. وكان يسمح لي بالرحلات المدرسية وكنت لا أبتعد عن مكان وجود الأساتذة فلا أغامر في الابتعاد.
        كنت أحب القراءة وكان يهدي إلي الكتب وحتى بعض أصدقاء والدي عرف هذا فكان الأستاذ عبد الله نيازي قد أهدى إلي كتاب الدكتور أحمد زكي مع الله في السماء وهو في علم الفلك.
س: كيف لي بأن أحصن إخوتي (12 -17) من الفرق (كالعلمانية ..(وغيرها ؟ بأسلوب سهل وواضح ؟  "قلب العنا"
      مسألة التحصين مسألة خطيرة وهي بالتعرف على الإسلام بطريقة جميلة وسهلة ومشوقة ومحببة. يا ليتنا نقرأ السيرة النبوية بشروحها ونقرأ سير الصحابة رضوان الله عليهم ونقرأ التفسير. لو أننا عرفنا الإسلام من خلال هذا التاريخ العظيم وكيف كان مجتمع الأمة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لأحببنا الإسلام حباً يملك شغاف قلوبنا. وأصدقك القول إني أبكي أحياناً حين أتذكر هذا الجيل، في محاضرة قبل أسبوعين مر ذكر أبي بكر الصديق فبكيت، ومرة تحدثت عن تقسيم الغنائم بعد غزوة حنين وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط الأنصار وقالوا في نفسهم شيئاً فجمعهم وتحدث إليهم ورأيت صوراً من الحب والوفاء لا يعرفها التاريخ بين قائد وشعبه أو عظيم وصحبه وصحابته. وتذكري كيف كان صلى الله عليه وسلم يتذكر خديجة رضي الله عنها ويحبها ، وتذكري علاقته بفاطمة رضي الله عنها أعظم حب من أعظم أب لأعظم ابنة.  لو عرفنا الإسلام لما أردنا به بديلاً.
 س: شامخ بطبعه سأل :دائماً ما ألحظ الصراحة و البعد عن المجاملة في حروف د.مازن، هل صراحة د.مازن سبق أن سببت له بعض المشاكل أو الصدامات مع زميل أو مسئول بالجامعة ؟!
    نعم كثيراً وكثيراً جداً. وأروي قصة مع مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد بن سعد السالم، فقد زار كلية الدعوة بالمدينة المنورة وكنت أستاذا فيها فبعد أن ألقى موعظة طويلة وخرج باتجاه المصعد لحقته وكان معه العميد وآخرون فقلت له: معالي المدير أطلب منكم أحياناً الإذن لي بحضور مؤتمر فأنتم إمّا لا تردون (تتجاهلون) أو تردون بالرفض، أما أنا فإن أتيحت لي فرصة حضور مؤتمر فسأذهب وافقت الجامعة أو لم توافق. وما زلت لا أذكر لماذا أصابتني الجرأة أو الجنون، ونفذت تهديدي والحمد لله.
     وأحد عمداء الكلية قال مازن لقد وجدت ملفك مليئاً بالإنذارات والمحاضر لفصلك أو لعقوبتك ولم يستطع أحد أن يفعل شيئاً وأنت ما زلت في مكانك فقررت أن أستسلم أو لا أخاصمك.
س:ما هي توقعاتك للمستقبل الفكري للعالم الإسلامي بعد 10 سنوات؟
      المستقبل للإسلام وللفكر الإسلامي ولحكم الإسلام طال الزمان أو قصر، فقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيره، وقد كان المسلمون في قمة المحنة في غزوة الأحزاب أو الخندق ولما ضرب عليه الصلاة والسلام الصخرة وظهرت شرارة بشرهم بفتح الشام وفارس واليمن. نعم المستقبل للإسلام ومن الصعب أن نقول بعد عشر سنوات أو أقل أو أكثر، ولكن كما يقال الإرهاصات موجودة فعلى الرغم من القوة الكبيرة التي تدعم التيارات المنحرفة لكن يظل الإسلام قوياً. فأنا أتلقى مثل غيري عشرات أو مئات الرسائل يومياً تؤكد الروح القوية للتيار الإسلامي الصحيح في مواجهة أنواع الباطل، فلا تخافي يا بنيتي على الإسلام فهو منصور منصور بإذن الله. وليكن كل واحد منّا عاملاً في تحقيق هذا الانتصار بالطريقة التي يستطيعها أو يقدر عليها.
ومع تفاؤلنا لا بد أن ندرك الواقع إدراكاً صحيحاً الواقع الصعب الذي نعيشه فبالإضافة إلى ابتعاث الآلاف من الشباب والشابات إلى الغرب وما يتسبب فيه الابتعاث من تغريب وإفساد ربما لا يمكن إصلاحه والجامعات المصرّة بغباء منقطع النظير على اتخاذ اللغة الإنجليزية لغة للعلم بدلاً من قرار حاسم وحازم وصارم على الترجمة وإعطاء الأساتذة حقهم حين يترجمون وجعل اللغة العربية هي لغة العلم. ولا بد أن ندرك ما يحيط بنا من إعلام  فاسد هابط غثائي تافه. لذلك فالجهد المطلوب من المنتمين لهذه الأمة المعتزين الفخورين بها أن يواصلوا العمل ليل نهار لمواجهة كل ذلك.
س: ما رأيك بالإعلام اليوم ؟
     قلت في آخر الإجابة كلمات عن كارثة الإعلام، ولكن نحن ضحايا الإعلام أو أبطاله فلماذا نستسلم؟ علينا أن نبحث عن الوسائل الإيجابية لوقف الإعلام الهابط أو مقاطعته. لماذا أشتري المشروب الذي يعلن في قناة كذا أو الشامبو أو الشاي أو غير ذلك من البضائع. إن هذه القنوات الكارثة لا تنتعش إلاّ بأموالنا فلماذا نساعدهم على إفساد مجتمعاتنا. لقد كتب فهد العرابي الحارثي ذات مرة إلى تبني اتفاقيات دولية ضد الإعلام الهابط ولكن ضاعت صيحاته أدراج الرياح.
والعجيب أننا لسنا الوحيدين الذين نعاني من الإعلام وجرائمه فهذه أستاذة أمريكية في علم الجريمة كتبت بحثاً عن الإعلام وعلاقته بالجريمة والعنف متسائلة هل نحن ضحايا هذا الإعلام. وكأني بالقوم قد يئسوا من إصلاح إعلامهم فتوجه بعض العقلاء في الغرب إلى إقفال التلفاز في بيوتهم ومقاطعته. وكأن شركات السينما والإعلان أقوى منّا ومنهم.
س3: هل ترى أن التعبير بما يدل على الانتماء العربي بدلاً من الإسلامي في الخطابات والنداءات والحوارات والاستنكرات وكل ما يخص الإعلام و الصحافة والسياسة يشكل خطراً ما؟
    بدأنا قبل سنوات بالحديث عن القومية والوطنية وخفنا من عبارة الإسلام والانتماء للإسلام. ومع ذلك فتذكري بلال بن رباح رضي الله عنه حين عرف قيمة الحرية في الإيمان بالله عز وجل  وأنه ليس عبداً إلاّ لله تحمل في سبيل ذلك كل أنواع العذاب. فالذين يحاربون الانتماء الإسلامي ويطلقون عليه (الإسلاموي) وينعتون الإسلام بكل نعوت التخلف والرجعية مهزومون بإذن الله. نعم التشدق بالعروبة وأبعاد الإسلام خطير خطير جداً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية