السعودة والجوانب الاجتماعية


بسم الله الرحمن الرحيم

                 

دخل المريض عيادة الطبيب النفسي بعد انتظار طويل وكان من مدينة أخرى أصغر وأقل كثافة سكانية وكانت أول عبارة قالها المريض "مدينتكم هذه يكثر فيها المرضى النفسيون" ، فأجاب الطبيب بسرعة وبلا تردد :" هذه المدينة بلا هوية، لقد تأثر المواطنون بالأعداد الكبيرة من الوافدين على هذه المدينة ففقدوا كثيراً من مزاياهم الشخصية، وبالتالي أصبحت مدينتهم بلا شخصية."
قد يكون هذا الكلام مبالغ فيه إلى حد ما ، ولكنه يحمل جانباً من الحقيقة، فإن لدى علماء الاجتماع نظرية لديهم عليها البراهين أن الوافدين أو الغرباء إذا كثروا في مكان ما فإنهم يؤثرون في البنية الاجتماعية ويفقدون المكانة شخصيته الذاتية.
ما مدى انطباق هذا الكلام على بعض مدننا في المملكة؟ إن مثل هذا الموضوع في حاجة إلى دراسة اجتماعية ميدانية يقوم بها علماء اجتماع متخصصون، وعلى أقسام الاجتماع في المملكة أن يبادروا إلى مثل هذه الدراسات. فقد ظهرت لدينا دراسات عن أثر الخادمات الأجنبيات على الأطفال في المملكة وفي دول الخليج وبخاصة الخادمات اللاتي يعتنقن غير الإسلام. ولكن نحن بحاجة إلى دراسات ميدانية للتأثيرات الاجتماعية عموماً.
إن السعودة من القضايا التي أصبحت تحتل مساحة واسعة في إعلامنا في السنوات الماضية ولكن يبدو أن تناولها كان في الغالب من الناحية المادية فقط بينما لم ينل الجانب الاجتماعي اهتماماً كبيراً. وقد وفد إلى بلادنا متعاقدون من مختلف الجنسيات ومن مختلف الأديان والمذاهب فلا بد أن يكون لهؤلاء تأثيرات مختلفة في بنية هذا المجتمع. ولا شك أن الجانب المادي مهم جداً ذلك أن توفير الوظائف لأبناء البلاد وتحميلهم مسؤولية النهوض بالبلاد والعمل في شتى المجالات التي كان يعمل بها الوافدون ومازالوا أمر ضروري . ولعل من آثار هذا الجانب المادي في الناحية الاجتماعية أن توفر الوظائف يؤدي بالتالي إلى توفر الفرص لتكوين أسر جديدة وإعفاف أعداد كبيرة من الشباب والشابات في مقتبل العمر.
لا بد من التأكيد أولاً أن هذا المجتمع كان من أكثر المجتمعات العربية الإسلامية محافظة ولا زال كذلك في كثير من جوانبه والحمد لله ، ولكننا ينبغي أن نلتفت إلى الآثار السلبية التي جاءتنا مع الوافدين حتى نتمكن من معالجتها بالطريقة الصحيحة. فمن العادات الوافدة الاختلاط الأسري الذي انتشر في بعض الأسر التي كان لها احتكاك بالوافدين ويعود تأثير هذه العادات إلى أكثر من عشرين سنة حينما بدأنا نتعاقد مع المدرسين والمدرسات وأصحاب المهن المختلفة  من البلاد التي تأثرت بالفكر الغربي وبالحياة والقيم الغربية.
لسنا الوحيدين في هذا الميدان فقد ظهر كتاب في القاهرة قبل عدة أعوام بعنوان (الانفجار الجنسي في مصر) تناول عدد الأجانب في مصر عام 1800 وارتفاع هذا العدد في عام 1900 وأن من العادات التي أدخلها الأجانب في مصر حفلات الرقص والاختلاط ، والموسيقى وتعليق اللوحات الفنية في البيوت  بدلاً من السجاد والآيات القرآنية التي كانت تزين جدران البيت المصري. وأشار إلى أن الثورة المصرية اهتمت بالجانب المادي الاقتصادي وما أطلقت عليه الإصلاحات الاقتصادية بينما تركت الجانب الاجتماعي بل لعل ترك الجانب الاجتماعي كان مقصوداً في تلك الثورة التي شجعت السينما والفنون المختلفة.
فيا أيها القادرون على توظيف أبناء البلاد والعمل على السعودة انتبهوا جيداً إلى الجانب الاجتماعي فإنكم بحرصكم على هذا الجانب ستسعون بإذن الله إلى حماية هذا المجتمع من مزيد من التأثر بالمجتمعات الأخرى وفي هذا حماية لأبنائكم وبناتكم وأحفادكم من الأمراض الاجتماعية التي انتشرت في كثير من المجتمعات التي ابتعدت عن المنهج الإسلامي. إنها والله مسؤولية يجب علينا أن نتحملها جميعاً وإن كانت بعض آثارها ظهرت في عيادة الطبيب النفسي فلها آثار أخرى أترك المجال للمتخصصين لتناولها، والله الهادي إلى سواء السبيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية