أين من يهدى إليه كتاب؟


                                           بسم الله الرحمن الرحيم


                      أين من يهدى إليه كتاب؟               
          طالما راودتني فكرة الكتابة في هذا الموضوع ولكني خشيت أن أكون متأثراً بتجربتي الشخصية مع هذا الموضوع حتى قرأت مقالة للدكتور عبد الملك مرتاض في صحيفة الرياض (4محرم 1419) بعنوان (الجوائز الأدبية هل جُعِلت لأحفاد الأدباء فقط؟) فقد ذكر الدكتور مرتاض أن الجاحظ أهدى كتابه "الحيوان" وكتابه البيان والتبيين وكتابه الزرع والنخل إلى ثلاثة من الوجهاء والأثرياء في زمنه فأعطاه كل واحد منهم مبلغاً من المال، قال الجاحظ أنه" اشترى ضيعة في البصرة لا تحتاج إلى تجديد ولا إلى تسميد."
          ويعلق مرتاض بأن هذه المبالغ التي حصل عليها الجاحظ لو حولناها إلى لغة هذا العصر لكان ما حصل عليه يساوي مبلغاً كبيراً بالعملة الصعبة. ويخلص الدكتور مرتاض بالدعوة إلى إعادة النظر في الجوائز التي تقدم إلى الأدباء والمفكرين والعلماء فلا ننتظر إن يبلغوا من العمر عتياً حتى نكرمهم بمال لا يستطيعون إنفاقه وإنما يكون لأبنائهم وأحفادهم.
          وأعود إلى موضوع التكريم والجوائز فأقول إن الإسلام هو دين التكريم والجوائز والوفاء فهذه آيات الذكر الحكيم تتلى منذ اكثر من ألف وأربعمائة عام وستتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفيها تكريم للأنبياء والصالحين والمؤمنين . فقد ذكرت من الأنبياء إبراهيم عليه السلام ونوح ويونس وإسماعيل ويوسف وموسى وكان أبرزهم ذكراً نبينا صلى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء جميعاً . ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قوله تعالى في وصف أخلاق الرسول صلى الله {وإنك لعلى خلق عظيم}.
     وقد خلدت كتب السنة الصحيحة مناقب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فهل في الدنيا أوسمة أرقى وأعظم من هذه الأوسمة. ومن الوفاء العظيم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنه حتى غارت من ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها. وقد كان وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار من الأمثلة الرائعة على الوفاء ويكفي أن تقرأ ما دار من حوار بينه وبين الأنصار بعد غزوة حنين وما أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرر البقاء في مكة فجمع الأنصار رضوان الله عليهم وكان حديثاً بشرهم فيه بأنه اختار العيش بينهم وإن كان الناس قد عادوا الدرهم والدينار فإنهم يعودون ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهم (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار)
          وقد أدركت الأمة الإسلامية أهمية العلم والعلماء وحرصت على إكرامهم فهذا مجلس شورى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضم من برز علمياً حتى لو كان شاباً حديث العمر. وقد أوقف أثرياء هذه الأمة على مدى تاريخها الطويل الأوقاف الواسعة على العلم والعلماء عملاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث، وذكر منها (وعلم ينتفع به) . وهل يمكن أن ينتقل العمل في العصر الحاضر بأكثر من نشر الكتاب وتشجيع المؤلفين حتى مع انتشار وسائل الاتصال والمعلومات.
          فإذا كان الجاحظ قد حصل على خمسة عشر ألف دينار من ثلاثة أشخاص مقابل ثلاثة كتب فإن الباحث في هذه الأيام يهدي عشرات الكتب ولا يحصل على ريال واحد بل لا يحصل أحياناً على كلمة شكر كأنما كلمة الشكر كثيرة على المؤلف. وقد كنت أتحدث إلى أحد الإخوة المؤلفين حول عدم إشعاري بتسلم ما أرسلت من هدية فقال كأنك لا تعيش الواقع إن بعض المسؤولين الذين أهديت إليهم كتبك يعتقدون أنك إن سلّمت على أحدهم يظن أن لك حاجة إليه فيعرض عنك. لا تتوقع منهم شيئاً.

           

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية