وفي الغرب إيجابيات يمكن أن نتعلمها


                                                                                                     

          طالما انتقدنا الغرب وبحثنا في وعن سلبياته وأشبعناها حديثاً في كتاباتنا وفي مقالاتنا وفي خطبنا وفي مجالسنا. ألم يأن الأوان أن نبحث في بعض الإيجابيات التي نعرف أنها موجودة هناك؟ ونحن نردد دائماً (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها) ولنتذكر قول عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم: " إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة وأمنعهم من ظلم الملوك" رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة.

        فهل يمكننا أن نفكر في إعداد برنامج إذاعية وتلفزيونية عن هذه القضايا أي إعداد حلقات عن هذه الصفات، كما يمكننا أن نعد حلقات عن الإخلاص والدقة في العمل، والالتزام بالمواعيد. وكيف استطاعوا أن يشجعوا الإبداع الفردي. يجب على الأمة الإسلامية أن تقبل التحدي فالمسألة مع العالم ليس مجرد علاقات اقتصادية متبادلة أي لدينا المال ولديهم السلعة ومن الممكن أن نشتري بفلوسنا ما نشاء، القضية أكبر من هذا. يجب أن نبدأ من نقطة معينة.

        كم أرسلنا من أبنائنا للدراسة في الغرب وتعلموا الكثير في الغرب فعندما رجعوا إلينا كأنهم لم يذهبوا إلى هناك. وجدوا المعوقات والعراقيل فاستسلموا دون أن يقدموا الكثير منهم شيئاً يذكر. كما أن بعضهم عاد وهو لم يفهم الغرب الفهم الحقيقي بل فهمه فهماً ظاهرياً تمثل في القشور وفي حياة الفساد والترف والانحراف. وما دمنا قد أصبحنا نعقد دورات للمبتعثين فإننا يجب أن ننبهم إلى أن يفهموا المجتمعات التي سيعيشون فيها ونطلب إليهم أن يكون لهم تأثير في هذه المجتمعات وكذلك حين يعودون إلى بلادهم.

        يتطلب هذا البرنامج إجراء لقاءات مع الناس عند حدوث بعض الفتن عندهم أو بعض المصائب كالزلازل والكوارث الطبيعية. فمن الملاحظ أنهم يعملون بسرعة على تلافي أي مصيبة تحدث لهم. لقد حدثت اضطرابات في لوس أنجلوس قبل عدة أعوام ولكني أعتقد أنه لم تمر سوى أشهر حتى عادت الحياة إلى طبيعتها، وكذلك أصابت ولاية فلوريدا بعض الأعاصير  (وهي وبعض الولايات الشرقية من الولايات المتحدة مهددة بهذه الأعاصير سنوياً) ولا بد أن الحياة تعود إلى طبيعتها بعد هذه الأعاصير بأسابيع.

ويمكن العودة إلى الأيام التي تلت الحرب العالمية الأولى والثانية وكيف استطاع الغرب أن يعيد بناء مدنه بسرعة عجيبة.

    ومن الموضوعات التي أعتقد أننا بحاجة إلى تعلمها العدد الهائل من الجمعيات الخيرية أو جمعيات النفع العام. فقد شحنت أوروبا وأمريكيا ملايين الأطنان من الكتب للدول الشيوعية ونحن نعلم مدى حاجة المسلمين للمصحف الشريف أو الكتب الإسلامية ولا نجد من يتبرع بكتاب. أعرف أنهم في الغرب يتبرعون بالورق  (الصحف وغيره من أنواع الورق) فتجمعه بعض الجمعيات الخيرية لصالح الكنائس.            

   وبعد أن كتبت إلى مدير عام إحدى القنوات الفضائية أقترح عليه هذه الفكرة طلب منّي أن أقدم إليه بعض التفاصيل وفيما يأتي التفاصيل التي بعثتها:

1-     إن مما يشكو منه كثير من الموظفين في الدوائر الحكومية أنهم لا يعرفون كيفية إجراء أي معاملة أو ليس لديهم دليل لمثل هذه الأمور، كما لا يعرف حقيقة ما له وما عليه فليس هناك في أي مؤسسة دليل للأنظمة والإجراءات أو توصيف حقيقي للوظائف بينما أخذت الخطوط السعودية عن الشركات الأمريكية هذا الأمر ففيها ما يسمى   دليل الأنظمة والإجراءات Manual of Procedures and Practices (MP&P) هذا الدليل  يحدد طريقة إجراء كل المعاملات في الخطوط السعودية الخطوط" وهو بلا شك ييسر العمل في الخطوط فكل إجراء له خطوات محددة لا بد من اتباعها. كما أنه يحدد طريقة وضع أي توصيف لأي وظيفة فيبين حدود الواجبات والصلاحيات. كما أن العلاقات بين الموظفين ورؤسائهم تخضع كثيراً لنظام الخدمة المدنية الذي لا يعرفه معظم الموظفين. ولا بد أن أرامكو والشركات التابعة لها فيها مثل هذه الأدلة التي توضح الإجراءات.

     ومن النماذج الأخرى التي يمكن أن يكون لنا فيها دروس جيدة ما يأتي:             

·البريد الداخلي للخطوط السعودية. لابد أن الخطوط السعودية قد أخذت بهذا النظام من شركة تي دبليو إي TWA الأمريكية. وهذا البريد يتطلب وجود أظرف عليها العديد من الخانات فتوضع الرسالة في الظرف ويكتب عليه اسم الإدارة ومركز التكلفة، ثم إذا وصل إلى الإدارة المعنية وأرادت إرسال خطاب إلى جهة ما شطبت الاسم الموجود وكتبت الاسم الجديد. ولعل البريد الإلكتروني هذه الأيام حل كثيراً مشكلة إرسال الخطابات بين الإدارات، وربما حلّها أيضاً وجود الفاكس.

     وفيما يتعلق بالبريد أيضاً فإن الخطوط السعودية ولها في جدة ما يزيد على عشرة آلاف موظف ليس لديها سوى صندوق بريد واحد أو اثنين هما 620 و167 بينما لبعض الجامعات أو حتى الصحف عدد من الصناديق فتخيل أن ينطلق عشرة مراسلين لمراجعة صناديق البريد فكم يكلّف ذلك من طاقة بشرية واستهلاك سيارات وبترول.

 وإذا وصلت مادة بالخطأ إلى جهة فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إيصالها بسرعة إلى الجهة الصحيحة. فلو حسبنا عشرين صندوق بريد في إحدى الجامعات فإنها تحتاج إلى إرسال عشرين مراسلاً خمسة مرات في الأسبوع لكان لدينا مائة مشوار فكم ستكلف مثل هذه المشاوير من جهد بشري واستهلاك بنزين وسيارات وجهد موظفين في البريد وأجور وغير ذلك.

·الجامعات وتسهيل الإجراءات: تعرفت في أثناء بحثي للماجستير والدكتوراه على الإجراءات الميسرة في المكتبات الأجنبية في أوروبا وأمريكا بينما مازلنا نعيش تعقيدات لا أول لها ولا آخر. فحين ذهبت إلى المكتبة الوطنية في بلد عربي كان لابد من مقابلة أمين المكتبة الذي لا يحضر إلاّ متأخراً وقد لا يحضر بعض الأيام. وبعد اللقاء وقيامه بالتحقيق معي حول بحثي أعطاني التصريح بالاطلاع على المواد التي أرغب الاطلاع عليها. وكان التصريح ورقة ورقة أو وثيقة وثيقة. أما في المكتبة الوطنية في باريس فهناك موظفة قريبة من الباب تطلع على ما لديك من وثائق ثم تعطيك التصريح اللازم.

أما بالنسبة للوثائق ففي مديرية الوثائق يوجد عناوين للوثائق في كل علبة ولا يسمح لك بالاطلاع على العلبة كاملة بل تعطى وثيقة واحدة في كل مرة. أما في الأرشيف الوطني الفرنسي لما وراء البحار فكان الأمر أسهل بكثير حيث تعطى العلبة كاملة تتصفحها وتصور ما تشاء.

·سكرتارية الأقسام العلمية في الجامعات: يمكننا أن نتعلم من الغرب في المجال الجامعي حيث لكل قسم سكرتارية تقوم بخدمة الأستاذ من حيث المراسلات واستقبال المكالمات وترتيب المواعيد وطباعة بعض الأوراق أو تصوير الأوراق. فما ذا يحصل الأستاذ الجامعي في جامعاتنا؟ إنني أستغرب أن بعض الجامعات في الطفرة اهتمت بشراء المكاتب الفخمة والإنفاق على بعض الأمور بدل أن يضعوا أسساً للإنفاق على التعليم الجامعي بكرم حقيقي.

·تقويم التعليم العام والتعليم الجامعي : تقوم جهات محايدة في الغرب على تقويم الجامعات وكذلك التعليم العام وقد تعجبت جهة أجنبية أن المؤسسة التي تقوم بتقويم التعليم العام  في بلادنا تابعة لوزارة المعارف. وقد كتب الدكتور سالم سحاب عن تقويم الجامعات ومؤسسات التقويم Accreditation ونحن بحاجة إلى مثل هذا ، صحيح أن مثل هذه المؤسسات قد تفضح كثيراً من الأوضاع الخاطئة ولكن إذا أردنا اليقظة الحقيقية فعلينا مواجهة الحقائق.

·في المجال التجاري: لقد استحدثنا قانون (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) بينما جاء في الحديث الشريف (من أقال امرؤا بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة)، فلو تعرفنا إلى بعض الإجراءات التي يتعامل بها الغرب في البيع والشراء وحاولنا تأصيلها إسلامياً فالناس درجوا على أن يحبوا ما يأتي من الغرب فليكن ذلك شريطة أن نعرف أصولنا معرفة صحيحة.

        هذه نماذج مما يمكن أن نتعلمه من الغرب وهي تحتاج إلى جهود كبيرة لتوضيحها فليت الإعلام يأخذ على عاتقه أن ينقل لنا هذه الصور ويؤكدها في أذهان المشاهدين بدلاً من إبهارنا فقط بالشوارع الفسيحة والنظيفة والمصانع ولكننا نريد أن نعرف كيف وصل الغرب إلى هذا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية