التعليم العالمي: ندوات ومؤتمرات



                                                  

استضاف الأستاذ حمد القاضي في برنامجه التلفزيوني الدكتور عبد العزيز السبيل من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكان مما تحدث عنه الدكتور السبيل الندوات والمؤتمرات وأشار إلى الصعوبات الحالية التي تواجه أستاذ الجامعي السعودي في حضور المؤتمرات حيث إنه ثمة إجراءات تستغرق بعض الوقت مما يفوت على الأستاذ الجامعي حضور بعض هذه الندوات والمؤتمرات .

وكان الدكتور عبد العزيز السبيل قد كتب عدة حلقات في ملحق الأربعاء بصحيفة ” المدينة المنورة “ عن ضرورة قيام القطاع الخاص بدعم التعليم العالي وبخاصة في مجال البحث العلمي من إجراء البحوث والدراسات وحضور الندوات والمؤتمرات أو طباعة الكتب أو القيام برحلات علمية.

وما زال هذا الموضوع يشغلني حتى أخذت أبحث فيمن كتب عنه فإذ بمجلة عالم الفكر الكويتية قد خصت التعليم العالي في الوطن العربي بالحديث في أحد محوري العدد الذي صدر في  (يوليو/سبتمبر- أكتوبر /ديسمبر 1995م) وكتب الدكتور عدنان مصطفى تمهيداً لهذا المحور قال فيه عن أهمية التعليم العالي:" إذا كان العلم قلب الإنسانية فالجامعة تشكل نبض هذا القلب، ويبقى هذا النبض قائماً ما دمت المثل الأكاديمية والعربية الإسلامية منها خاصة تنظم حياة الحرم الجامعي وتزكي توقه لأفاق متطورة مطردة الانفتاح والاتساع نحو اعتماد متبادل بين البحث والتطوير العملي من جهة وتطبيق المعرفة الأصيلة حول مسائل بقاء ونماء المجتمع والطبيعة من حوله من جهة أخرى.")ص11) ولعل من أجمل ما كتب الدكتور عدنان قوله على أن المطلوب من الجامعات بعض الأمور منها:" استنهاض همة أعضاء هيئة التدريس ومن يعاونهم في البحث والتطوير لتفعيل دورهم في برامج التدريب والتعليم وذلك بشكل مواكب لمتابعتهم جهودهم البحثية والتطويرية، وليس ثمة ريب في أن تعليم المواضيع العلمية من قبل أساتذة لا يجرون أبحاثاً في المجالات التي يعلموا بها لا يقود إلى تكوني إجيال شابة دربة ذات خيال وفضول علميين متقدمين..." (ص12)

وقد لفت انتباهي عنوان البحث الأول في هذا المحور وهو (مسألة الجامعات العربية: منظور القبور الحية) والشاهد في هذا العنوان قوله :" وإن حبا الله بعض أعضاء هيئة التدريس في حرم جامعي عربي ما بتمسك عازم بروحه البحثية العلمية، تبوء مجاهدته في تطوير معرفته بخيبات أمل عند رفوف مكتبات خالية من الدوريات المتتابعة، ولدى مخابر بدائية التجهيز، وتتعاظم مع عراقيل إدارية تحول بينه وبين المشاركة في الملتقيات العلمية داخل الوطن العربي أو خارجه، ومع انقضاء الزمن في هذا المقام، تتلاشى المقدرة البحثية" (ص22-23)

أما عن غياب الدوريات العلمية فحدث ولا حرج وحضور المؤتمرات يخضع في الجامعات العربية لمعايير كثيرة وإجراءات تصل أحياناً إلى أن يحتاج الإذن لإلقاء محاضرة إلى خمسة عشر خطاباً بين المسؤولين في الجامعة و الجهة الداعية. وتصل أحياناً الموافقة على حضور ندوة أو دورة علمية لا تتكلف فيها الجامعة شيئاً من الناحية المالية قبل أيام من انعقاد الدورة أو المؤتمر فلا يمكن للأستاذ حينئذ أن يعد بحثاً أو أن يستعد للحضور.

وقد كتب الأستاذ الدكتور محمد الطيب الساسي قبل أيام في جريدة " المدينة المنورة" عن الجامعات الألمانية وكليات العلوم الإنسانية وبخاصة مجال الدراسات الاستشراقية وما ينفق على هذه الكليات وأنها هي الأساس في الجامعات الغربية رغم أن المردود المادي المرجو من هذه الكليات لا يوازي الإنفاق عليها ولكن تلك الدول تعرف ما للفكر والفلسفة من أهمية في حياة الأمم والشعوب. فالعلماء هم الذين يقودون مسيرة الأمم.

وللأستاذ الدكتور محمد خضر عريف أكثر من مقالة تناولت البحث العلمي في مجال الدراسات الأدبية والإنسانية وقدم بعض الأدلة والبراهين على اهتمام الجامعات الغربية برصد مبالغ ضخمة للبحث في العلوم الإنسانية. والمقالات كثيرة حول الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي.

فما الحل إذن حتى يحتل التعليم العالي مكانته التي يستحقها في العالم العربي الإسلامي؟ لا شك أن مقالة واحدة أو مؤتمراً أو عدة مؤتمرات يمكن أن تحل هذه الإشكالية ولكنها خطوات في طريق الحل.

بعد أيام من كتابة الأسطر السابقة عن التعليم العالي والبحث العلمي وجدت أن الدكتور عبد الوهاب القحطاني قد كتب مقالة في جريدة الاقتصادية(21يونيو2000م) ذات عنوان معبّر هو  (الاستثمار المفقود في البحث والتطوير) ينتقد ضعف اهتمام القطاع الخاص بالبحث العلمي وقلة ما ينفقه هذا القطاع في هذا المجال. وقدم الكاتب الكريم بعض الأرقام والإحصائيات عن الإنفاق على البحث العلمي في العديد من الدول فجاءت الدول العربية والإسلامية من أقل الدول إنفاقاً في هذا المجال.

وكان مما قاله الدكتور عبد الوهاب :" والتفكير الصحيح للشركات السعودية يجب أن يشمل الاستثمار في البحث والتطوير لكونه أساسياً لمساعدتها في اختراق منتجات الأسواق الأجنبية التي تشتد فيها المنافسة..." ولئن كان هذا الحديث عن الإنفاق في البحوث العلمية الخاصة بالصناعة فإن من الحقائق المعروفة أن أكبر الشركات الصناعية في الغرب تدعم البحوث في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية. ومن الطريف أن شركة فوكس واجن للسيارات أسهمت في تمويل وضع معجم ألماني عربي.

وكتب الأستاذ فهد عامر الأحمدي في زاويته بهذه الجريدة يوم 13 ربيع الأول 1421 حول المنح الجامعية التي قدمها بيل جيتس (مؤسس شركة مايكروسوفت) وقال في نهاية مقالته " وفي المقابل قارن ذلك بما يحصل لدينا: الدولة وحدها تتحمل أعباء التعليم وجامعتنا ضاقت بالمتقدمين وشبابنا أغلقت في وجوههم أبواب العمل والدراسة ..كل هذا يحصل ولم نسمع بثري فكّر ببناء جامعة أو كلية متواضعة (حتى بغرض الربح)" وختم مقالته بقوله:" متى نسمع ببيل جيتس عربي الملامح؟ ومتى يستثمرون بغرض الربح؟" وما زلت أذكر من لوحة الإعلانات في جامعة برنستون عام 1408هـ   (1988م) إعلانات عن منح مقدمة من بعض شركات الاتصالات للدراسات العليا.

وما دامت وزارة الشؤون الإسلامية تواصل اهتمامها بتفعيل الوقف ولعلمي بأن كثيراً من الأوقاف تخص طلبة العلم، فليس طالب العلم المحتاج هو الذي لا يجد اللقمة واللقمتين ولكنه الذي لا يستطيع شراء جهاز حاسوب أو الاشتراك في الإنترنت أو حضور المؤتمرات والندوات، أو الاشتراك في الدوريات العلمية أو شراء الكتب. أليس من أبواب الصدقة على صاحب المهنة أن يعطى ثمن  أدواته؟

يقول الدكتور السبيل في مقالته في ملحق الأربعاء( 13جمادى الأولى 1417) :" يمثل البحث العلمي العمود الفقري لأي مؤسسة أكاديمية وترتبط بذلك بشكل مباشر المحاضرات والندوات والمؤتمرات، وتلك نشاطات تقوم بتنظيمها المؤسسة من جانب، وتحث منسوبيها على المشاركة في هذه الأنشطة حين تقوم مؤسسات أخرى بتنظيمها في الداخل والخارج" ثم تناول الدكتور السبيل بعض المشكلات التي تواجه حضور المؤتمرات والندوات العلمية وذكر منها أن الدعم المالي قد يتاح "لأشخاص دون آخرين في المؤسسة الواحدة. أما كيف فذلك أمر لا يفسره إلاّ الراسخون في العلم."

ومن المشكلات أيضاً أن بند المؤتمرات والندوات يكاد يكون خالياً من أول العام فلا يمكن للأستاذ أن يحصل على الانتداب المقرر له وفقاً للنظام إلاّ بعد عدة أعوام في بعض الجامعات. ويتساءل المرء كيف انتهى البند والسنة المالية لم تبدأ بعد؟ والذي يحضر مؤتمراً عالمياً يمثل كليته وجامعته والتعليم العالي والمملكة العربية السعودية فهو قد أدى عملاً كبيراً وقد حصل على ثقة المسؤولين في هذه الهيئات وغيرها وإن هذه الثقة وهذا العمل حتى يستمران فلا بد من بعض الإنفاق حتى يتمكن الأستاذ من حضور ندوات ومؤتمرات أخرى.وقد عرفت أستاذاً –وهناك غيره كثير-  وصل مرتبة الأستاذية ولم يحضر مؤتمراً واحداً قط في حياته العلمية خارج المملكة لأنه غير مستعد للإنفاق من جيبه الخاص في هذا السبيل. وهذا يذكرني بباحث من دولة صغيرة جداً جاء إلى مؤتمر وقد أعطي التذكرة ومبلغاً معيناً للإنفاق طيلة أيام المؤتمر.

ومن المشكلات أن يدعى الأستاذ الجامعي ليكون أستاذاّ زائراً في إحدى أرقى الجامعات في العالم أو في مركز بحوث مرموق فلا يجد حتى رداً بالرفض أو بالقبول وإن كان بالرفض فما المبرر لجامعة أن ترفض لأستاذ أن يعمل في جامعة راقية ليفيد ويفيد.

فهل نعطي البحث العلمي والمؤتمرات والندوات حقها من الاهتمام؟




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية