إعلامنا والإعلان


                                       بسم الله الرحمن الرحيم

                                  
عصر الدعاية والإعلان أهو هذا العصر الذي نعيش فيه؟ لا يكاد منتج يظهر في السوق حتى تسبقه حملة إعلانية دعائية وتواكب ظهوره وحتى بعد أن يصل إلى أيدي الجمهور وأفواههم وأجسامهم وعيونهم. ويعد الإعلان والدعاية من الصناعات الكبرى في العالم تتسابق عليه الشركات وينفق فيه أموال طائلة تصل إلى تسعين في المائة من دخل بعض الشركات في السنوات الأولى.

 وبعد أن كان الإعلام العربي في غالبه يعتمد على الدعم الحكومي تحول في السنوات الماضية إلى الاعتماد على الدخل الإعلاني لتمويل البرامج. وبالتالي أصبح المشاهد مشاركاً في تمويل ما يشاهد أو ما لا يشاهد أو يسمع أو يقرأ. ولكن الشركات الإعلانية والدعاية ما تزال هي الأقوى فهي التي تحدد ما نشاهد وما نقرأ وما نسمع. فهي التي تقسم الإعلانات بحسب مزاجها أو حسب أهدافها وخطتها وحسب توجهاتها العقدية والفكرية والثقافية.

وحتى لا يكون الكلام على عواهنة (كما يقال) فقد رجعت إلى متخصص في الشؤون الاقتصادية وهو الدكتور عمر عبد الله كامل الذي كتب في عكاظ (10جمادى الآخرة 1418) يشير إلى أن حجم السوق الإعلاني في المملكة العربية السعودية يصل إلى ألف مليون ريال سنوياً (ربما زاد الرقم الآن) وأن معظم هذه الأموال تتحكم فيها شركات أجنبية ليس لها وكلاء محليون مما يحرم البلاد من دخل كبير وفرص لتوظيف عدد من الشباب السعودي في مجال الإعلان كالرسم والتصميم والتمثيل وغير ذلك.

وليس الأمر مقتصراً على النواحي الاقتصادية كما ذكرت بل إن للإعلان دور كبير في دعم بعض القنوات الفضائية ونص عبارة الدكتور عمر هي:"لو قامت إحدى الصحف بجرد الإعلانات السعودية في وسائل الإعلام المختلفة لاتضح لنا أننا بأموالنا وأموال الشركات السعودية ندعم بعض المحطات الفضائية التي تهاجم الإسلام والعروبة من غير وعي من المعلن، فالهدف التجاري يجب ألاّ يقودنا إلى التضحية بأبنائنا "

ويتحدث الدكتور عمر عن لغة الإعلانات وعن القيم التي تنتشر فيها فمن نشر العامية بلهجة بلد معين إلى قيم العري والخلاعة والرقص وقد سألت أحد  أساتذة الإعلام ذات مرة لماذا يصر الشخص في إعلان معجون الأسنان على وضع المعجون على كامل الفرشاة مع أن نصف الكمية يكفي؟ قال إنهم لا يهمهم أن تشتري الصنف الذي يبيعون ولكنهم أيضاً يريدون أن يكسبونا سلوكاً استهلاكياً تبذيرياً. وقد شاهدت الأمر نفسه مع سوائل غسيل الصحون مثلاً فالصنبور مفتوح بغزارة. ففي الوقت الذي ندعو جميعاً لترشيد استهلاك المياه وجاء في الحديث الشريف النهي عن الإسراف في الماء ولو كنت على نهر جار فإن الإعلان يوحي لك أن النظافة الحقيقية هي في الاستهلاك بهذه الطريقة. وكذلك الأمر في أنواع كثيرة من البضائع.

أما حقيقة سيطرة الشركات الأجنبية على الإعلان فإنني سألت مسؤولاً في صحيفة إسلامية لماذا لا تعلن الشركات لديكم مع أن وكلاء هذه الشركات من كبار التجار وهم أناس يؤيدون خط صحيفتكم فقال الوكيل المحلي لا يملك الحق أين يعلن أو مفروض عليه أن يعلن في برامج معينة أو صحف ومجلات معينة.

وأتساءل حقيقة عن دور الفرد العادي في الإعلان فإن شركة ألبان مشهورة تقوم برعاية بعض البرامج المدبلجة أو شركة إلكترونيات تعلن في برنامج لا فائدة منه وأقل وصف في حقه أنه سخيف. بل إن صاحب هذا البرنامج ذي الاسم الغربي بدأت صوره تملأ شوارعنا. فهل يمكن أن نكتب إلى شركة الألبان بأننا لا نرغب في أن تعلنوا في الفيلم المدبلج، ونكتب إلى وكيل شركة الإلكترونيات بأن هذا البرنامج السخيف الذي يسخر منّا ومن عقولنا ويضيع أوقاتنا لا يستحق أموالنا. فنحن الذين نشتري هذه السلع وقيمة الإعلان تخرج من جيوبنا.

ولابد من تحميل جزء من المسؤولية لكبار التجار والأثرياء فهل ترضون أن تفسدوا أبناءكم بأموالكم؟ إنكم تجمعون هذه الأموال لهؤلاء الأبناء والأحفاد فهل يرضى أحد الضرر لذريته؟ والله الموفق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية