ويأتيك بالأخبار: أمريكا والسجون لا سجون الرأي

                

وقف الدكتور أسعد السحمراني من كلية الأوزاعي ببيروت يعلق في إحدى المحاضرات في المؤتمر الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي في عمان (أواخر جمادى الآخرة1419هـ) وذكر شيئاً عن السجون الأمريكية وأن السجّان يتقاضى راتباً أعلى من أستاذ الجامعة، وأن ولاية كاليفورنيا خفّضت ميزانية التعليم العالي من أجل مصلحة السجون. تعجبت مما سمعت ولكني لم أملك نفسي أن بحثت عن الدكتور السحمراني ليفيدني بمصدر المعلومات التي ذكرها.
وبعد نهاية الندوة بأسابيع بعث إلي بحثاً نشرته صحيفة النهار البيروتية في ملحقها الشهري لشهر تموز (يوليو) 1998) وعنوان البحث (البؤس والجريمة في الولايات المتحدة) للأستاذ الجامعي الأمريكي لويك واكنت Loic Wacquant الأستاذ بجامعة بيركلي. وفي هذا البحث من المعلومات الشيء الكثير الذي ينبغي أن نعرفه عن الغرب، ولعله يشكل نواة للدراسات التي من المطلوب أن يقوم بها أبناؤنا عندما يلتحقون بالجامعات الغربية لنيل الدرجات العليا في مجال علم الاجتماع وغيره من العلوم.
إن هذا البحث مليء بالمعلومات وأتمنى أن ينشر في إحدى صحفنا ومجلاتنا بعد استئذان الجهة صاحبة الحق، أما من ناحيتي فإنني سأقتطف بعض الفقرات من البحث دون التعليق الموسع عليها ولعل باحثين آخرين في الدراسات الاجتماعية يدلون بدلوهم في هذا المجال .
بدأ الباحث بالحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وما تميزت به من ازدهار اقتصادي وفر الكثير من الوظائف، ولكنه في الوقت نفسه وسّع الفوارق بين الطبقات فانتشرت الجريمة في الطبقات المحرومة مما أدى إلى التوسع في المؤسسات البوليسية والجزائية. ويلخص الباحث هذه التطورات في أربع نقاط: تزايد عدد نزلاء السجون، وتزايد عدد الأشخاص الخاضعين للرقابة وتضخم المؤسسات الجزائية داخل الإدارات الفيدرالية والمحلية، الارتفاع المذهل لأعداد السود داخل السجون الأمريكية .
لقد كان للتركيز على السياسة الجزائية أن ارتفع عدد المحكوم عليهم إلى أرقام كبيرة جداً أدت إلى عجز في السجون الحالية؛ فقد تضاعف عدد الموقوفين (الذين لم يجددوا لهم مكاناً في السجون) أربع مرات في ستة عشر عاماً ليصل إلى حوالي أربعة ملايين عام 1995، يتمتع ثلاثة ملايين تقريباً منهم بحرية مشروطة Parole وسبعمائة ألف (700,000)تحت الرقابة حتى بلغ عدد الأمريكيين الخاضعين للوصاية الجزائية عام 1995 خمسة ملايين وأربعمائة ألف أي ما يقارب خمسة في المائة من الرجال فوق الثامنة عشرة من العمر وما نسبته واحد إلى خمسة من الرجال السود.
أما النفقات على السجون فقد بلغت أرقاماً مذهلة فقد بلغت نفقات ولاية كاليفورنيا 3,2مليار دولار بينما تخصص ولاية نيويورك 2,1 مليار وتكساس 1,3مليار سنوياً . ولمواجهة هذه الزيادة في موازنة السجون فقد تقدم حاكم كاليفورنيا بيت ويلسون عام 1995 بمشروع موازنة للولاية اشتمل على إلغاء ألف وظيفة في التعليم العالي من أجل تمويل ثلاثة آلاف وظيفة حارس سجن جديدة. ويذكر الباحث أن ما يتقاضاه حارس السجن يزيد على مرتب الأستاذ الجامعية بنسبة ثلاثين بالمائة وذلك بسبب النفوذ السياسي لنقابات موظفي السجون.
أما عن ارتفاع نسبة الجريمة أو المحكومين بجرائم مختلفة بين السود فيذكر الباحث أنه في عام 1995 من بين 22 مليون أسود راشد كان يمكن إحصاء 767ألف سجين و999 ألفاً تحت الرقابة و325 ألفاً آخرين يتمتعون بحرية مشروطة، وهي نسبة تفوق بكثير ما هو حاصل لدى البيض حتى إنه يمكن وصف النظام القضائي الأمريكي بأنه يقوم بمهمة "تحديد موقع الشبيبة السوداء وتدميرها."
وهناك مسألة الرقابة أو ما يسمى الحرية المشروطة حيث يستخدمون "الاختبار المكثف" والرقابة الهاتفية والإلكترونية (بواسطة المعاصم وغيرها من الحيل التقنية)، والنظام الجزائي يبسط سلطته في شكل واسع عبر تكاثر بنوك المعلومات الجرمية وما تتيحه من مضاعفة عشرات المرات لوسائل المراقبة و نقاطها عن بعد. وأصبحت هذه المعلومات متاحة لمن يريدها فأصبحت كالسيف المصلت على رأس صاحبها تضايقه أينما ذهب.
 هذه لمحات من البحث فهل نتعرف إلى الغرب كما يعرف عنّا وهل يدرك الناس أنهم بحاجة إلى الإسلام؟
ملاحظة بعدية: ماذا لو أفاقت الحكومات العربية وأنشأت دراسات غربية  وفق أسسنا ومعاييرنا، فقد تأخرنا كثيراً عن دراسة الشعوب والأمم الأخرى على أن لا تكون مجرد تخصص وشهادة بل رسالة وهدف فلا يختار إلّا أذكى الطلاب وأعلاهم همة وعزماً وتصميماً.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية