مجلة اسمها ( الجريمة )


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                           

الإعلام أداة خطيرة في توجيه المجتمعات والشعوب والأمم ولذلك حرصت الدول الغنية المتقدمة على أن تمتلك ناصية الإعلام وبخاصة في مجال التلفزيون والبث الفضائي وغير ذلك من وسائل الإعلام وما زلت أذكر كملة الرئيس علي عزت بيجوفيتش في كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب) بإنه إن كان الخوف في السابق على الشعوب من استبداد الحكام، فإن الخوف اليوم من هيمنة الإعلام وتسلطه.

ولعل من أبرز الأبواب في السيطرة على العقول وبخاصة عقول الناشئة الحديث الذي لا ينتهي عن الجريمة ولا أدري من ابتدع الكتابة عن الجرائم وتفصيلاتها في الصحف ولكنها بدعة انتشرت انتشار النار في الهشيم (كما يقولون). وأعرف أن بعض الصحف المصرية وهي أقدم الصحف العربية صدوراً تفرد صفحة أو صفحات للجريمة. وهناك صحف أخرى تعلن في المحطات الفضائية أن يوم (كذا) هو يوم ملحق الجريمة. وهناك صحف كثيرة تهتم بهذا الموضوع بل إنه أصبح موضوعاً أثيراً لدى عدد من المجلات وبخاصة المجلات الأسبوعية ذات الأغلفة الملساء والصور النسائية ومنها مجلات المرأة. ولعل الصحافة العربية أخذت هذا الأمر عن الصحافة الغربية فيما تأخذه أحياناً دون النظر في أوضاعنا الاجتماعية وقيمنا وعقيدتنا التي تأبي نشر الجرائم والفواحش في العلن.

ولما ضاقت بهم صفحات الصحف والمجلات رأى بعض أصحاب الأموال ( وربما الأفكار) أن يفردوا للجريمة مجلة. ولعل الأيام القادمة تحمل لنا مفاجآت عجيبة بأن يكون للجريمة عدة مجلات فمن يحب قراءة جرائم السرقات يجد لها مجلة، وللرشوة مجلتها، وللقتل مجلاته (لتعدد أنواع القتل) وهكذاصحيح أن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى علماء في النفس وعلماء في الاجتماع لتناوله ولكن حتى يدلوا بدلوهم أود أن أتحدث عن إعلان إحدى المجلات.

لقد حمل الإعلان العنوانين الآتية:

1-              سكارى يثيرون الهلع في شاليهات

2-              زوجة عربية خدعت زوجها المسن وادعت أن عشيقها أخوها..

3-               بسبب غيرته الشديدة وإفلاسه الممثلة مزقت جسد زوجها

4-              بعد أن سرقها من حقيبة والدته : حلوى مخدرة يوزعها طفل على زملائه فتثير لديهم الصداع.

5-               شلّة فاسدة يغتصبون زميلهم..

هذه فقط خمسة عناوين اخترتها من الإعلان عن هذه الجريدة التي تقول (الجريمة في الأسواق) ولكني أسأل الله أن لا تكون الجريمة في الأسواق، بل أسأله أن يعين المجتمع المسلم بل حتى المجتمعات كلها في القضاء على الجريمة. أما مسألة إشاعة الجريمة بالحديث عنها وعن تفاصيلها فأعرف أن من يقولون بنشرها يحتجون بأنهم يفعلون ذلك رغبة في تحذير الناس من هذه الجرائم ومن المجرمين، ولكن الحديث عن التفاصيل الدقيقة التي مكنت المجرم من ارتكاب جريمته فأعتقد أن كثيراً من الناس يعترض على ذلك لأنها تفتح الطريق أمام أصحاب النفوس الضعيفة أو الذين لديهم الاستعداد للإجرام فيتعلمون مما ينشر.

وحتى نكون على بينة من أمرنا في هذه المسألة فنذكر ما جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى )إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فبشرهم بعذاب أليم( " أي تفشو، يقال شاع الشيء شيوعاً أي ظهر وتفرق ، والفاحشة الفعل القبيح المفرط القبح ، وقيل الفاحشة في هذه الآية القول السيءوذكر القرطبي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه ( وأيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة هو منها برىء يرى أن يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يرميه بها في النار ثم تلا مصداقه من كتاب الله تعالى - : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا "

ويلاحظ أن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن حادثة الإفك وما تلاها من آيات تدعو إلى الفضيلة وغض البصر والاستئذان والعفة والظن الحسن بالمؤمنين والمؤمنات. ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي في هذه الآيات: " إن ألفاظ القرآن الكريم شاملة لجميع صور إشاعة الفاحشة والانحلال الخُلُقي فهي تنطبق كذلك على إنشاء دور للفاحشة والبغاء ، وما يرغّب الناس فيها ويثير غرائزهم الدنيئة من القصص والروايات والأشعار والغناء والصور والألعاب والمسارح والسينما كما تنطبق على النوادي والفنادق التي يعقد فيها الرقص والطرب يشترك فيها الرجال والنساء على صورة خليعة مختلطة."

ولعل من أخطر ما تبثه قراءة أخبار الجرائم وبخاصة تلك التي تنتهك المحارم أن تنزع الثقة في المجتمع بين أفراده ويصبح كل فرد يتوجس من الآخر ويشك فيه فتنقلب حياة الفرد والمجتع إلى جحيم لا يطاق. فهل تتوقف مثل هذه المجلات والصحف عن نشر أخبار الجريمة بهذه الوسائل المثيرة. والله الموفق.















تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية