أيام في واشنطـــــــن (6)


تقديم: دعيت لبرنامج الزائر الدولي لزيارة عدد من الجامعات الأمريكية ومراكز البحوث فلما عدت كتبت عدة مقالات عن زيارتي وكان هذا أحدها
           تناقلت الصحف ووكالات الأنباء قبل أسابيع أخبار مسيرة المليون أمريكي من أصل أفريقي التي تزعمها لويس فرقان، وكانت هذه المسيرة من أكبر المسيرات في تاريخ الولايات المتحدة. وكان من مطالبهـا المساواة الحقيقية وإصلاح أحوال المواطنين ذوي البشرة السوداء. ولكن هل ستكون هذه المسيرة نقطة تحول حقيقية وتحقق لأصحابها أي تحسن في أحوالهم المعيشية، هذا ما لا يمكن معرفته في الوقت الحاضر بيد أن التاريخ يخبرنا أن الحقوق لا تعطى ولكن تؤخذ وهي كما قال شوقي:
            وما نيل المطالب بالتمني         ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً.
          وقبل المسيرة بأيام كنت أطالع جريدة وول ستريت جورنالWall Street Journal في عددها الصادر يوم 7سبتمبر 1995 حيث أعد بعض كتبة الصحيفة تقريراً عن التفرقة العنصرية التي يتعرض لها الأمريكيون الأفارقة في مجال الخدمة في الشرطة. وفيما يأتي بعض المقتطفات من التقرير.
          حصل الشرطي رونالد تويتي على ترقية إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي، وهذه هي المرة الرابعة في تاريخ المدينة التي يصل فيها شرطي أسود البشرة إلى هذه الرتبة وهو الأمر الذي جعل مجموعة من البيض يعترضون على هذه الترقية مما جعل السلطات القضائية في الولاية تنظر في هذا الاعتراض.
          وليست الحالة بأفضل من ذلك في الولايات الأخرى؛ ففي ولاية نيويورك يبلغ عدد الأمريكيين الأفارقـة 28,7 %من سكان الولاية ويشكلون 11,4 % من قوة الشرطة ولكن الذين وصلوا إلى رتب قيادية لا يتجاوزون نسبة 6,6% وفي هيوستن بولاية تكساس حيث يشكل الأفارقة 28,1%من عدد السكان وفي الشرطة 17,5% وليم يصل إلى المراتب القيادية أكثر من 5,7%.


          وبالرغم من أن السود كافحوا من أجل الوصول إلى ما هم عليه في العصر الحاضر لكنهم لا يزالون يعانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من بعض زملائهم العنصريين. وفي هذا يقول الملازم ميشال كيرتون (وهو من أصل أفريقي) الذي يعمل في شرطة سنسناتي منذ خمس عشرة سنة بأن "التفرقة تقع في أنواع المهمات التي توكل إليهم، وفي التدريب وفي الترقيات، ويضيف الملازم بأن النظام كله فاسد."
          ويمضي التقرير موضحاً مظاهر العنصرية فيقول بأن الشرطي الأمريكي الأفريقي الأصل حتى لو حصل شرطي على رتبة قيادية فإنه يجد صعوبة في أداء عمله حيث يرفض بعض زملاؤه البيض طاعة أوامره حتى إن أحد الضباط البيض قال لرئيسة الأسود: " أنت تأمر السود وأنا أتلقى أوامري من ضابط أبيض." ومن ذلك تكليفهم بأداء المهمات الخطيرة التي عادة لا يلتفت إليها في الترقيات أو في السمعة.
          ويختم كاتبا التقرير بنظرة متفائلة حيث إن ازدياد الاختلاط بين البيض والسود سيؤدي في النهاية إلى تعايش سلمي بين الطرفين. وينقلا تصريحاً لرئيس شرطة مدينة سنت لويس كلارنس هامون يقول فيه:" إن الجيل الجديد من الشرطة البيض نظراً لأنهم عاشوا في مجتمع مختلط في المدارس وفي الأحياء فليس لديهم النظرات العنصرية التي كانت في أسلافهم."
          جميل أن يكون هناك تفاؤل بتغير النظرة العنصرية لكن هل يستند هذا التفاؤل على حقائق صلبة أو إنها رغبة وعاطفة أو إن العنصرية ستستمر .وهل هذه العنصرية اختراع أمريكي أو كما تساءلت إحدى المجلات الدورية الأمريكية وهي " العالم الأمريكي" (The American Scholar) في مقالة بعنوان " هل العنصرية العرقية فكرة غربية؟" (عدد خريف عام 1995) . ومن المناسب أن يقوم الدعاة المسلمون بتوضيح  موقف الإسلام من العنصرية فقد كان من أوائل من دخل الإسلام بلال الحبشي الذي بلغ مكانة رفيعة في المجتمع المسلم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول:" أبو بكر سيدُنا وأعتق سيدَّنا ) وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم حينما عيّر أحد المسلمين آخراً بلونه فقال له صلى الله عليه وسلم (أعيّرته بأمه ، دعوها فإنها نتنة) وعندما فتح الله سبحانه وتعالى مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم  أمر بلالاً بأن يرقى الكعبة ويؤذن من عليها مما أغاظ بعض القرشيين الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم .
متفرقات:
القدس: اطلعت على صحيفة يهودية هي جويش اكسبونانت Jewish Exponent عدد يوم 15 سبتمبر 1995 وفيها اهتمام بموضوع القدس وزعمت أن اليهود يسمحون بحرية العبادة للأديان المختلفة، وقد نشرت عدة مقالات حول هذا الموضوع. وهذا الأسلوب معروف عند اليهود الإصرار والإلحاح بأن ما يقولونه هو الحق بينما أصحاب الحق الفعلي لا يفعلون معشار ما يفعله اليهود. فمن يعلِّم العالم بأن اليهود لم تكن لهم القدس إلاًّ فترة محدودة جداً أساءوا فيها إلى المدينة المقدسة ودنسوها بينما ملكها العرب قبلهم وبعدهم وهي لم تعرف التسامح الحقيقي إلاًّ في العهد الإسلامي.
البرتوكولات: أشارت الصحيفة نفسها إلى أن السياسيين في نيوزيلاندا وهو كليف تيت (Cliff Tait) عضو مجلس مدينة هاملتون كتب يقول:" إن المصيبة قادمة، فثمة مؤامرة يهودية للسيطرة على العالم، ويستشهد ببروتوكولات حكماء صهيون، ويضيف إن الصهاينة يعتقدون بأنهم صفوة الجنس البشري (شعب الله المختار) ومن حقهم وراثة العالم وحكمه." وقد نددت الصحيفة بهذا المسؤول وطالبت بمعاقبته. وإن لـم تصدق البروتوكولات فإن الدكتور حسن ظاظا قدم في أحد كتبه تأكيداً بأن اليهود يسعون فعلاً لتحقيق ما فيها وإن كتبهم المقدسة عندهم تتضمن ما في البروتوكولات وزيادة. ويشير الدكتور ظاظا إلى أن اليهـود الطاعنين في صحة البروتوكولات لم يتفقوا على الطريقة التي فندوا فيها صحتها ولم يتفقوا في طريقة الدفاع عن أنفسهم مما يؤكد الشكوك فيهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية